حدود الشرق الأوسط حافلة عبر التاريخ بالصراعات الدموية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحول النقاش في البيت الأبيض حيال الطريقة المثلى للتعامل مع تنظيم «داعش» إلى استخدام الدبلوماسية، وفي خطابه الأخير لدى إعلانه أهداف قمة التصدي للتطرف، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن النزاع الدائر في الشرق الأوسط هو صراع عواطف وعقول.

وعلى غرار ذلك قال كل من الكاتبين جيمس فالوس وكينث براور إن الحل العسكري يجب أن يستبعد لصالح الدبلوماسي، وأكدا على أن على الولايات المتحدة تدعم تقسيم العراق إلى دول كردية وشيعية وسنية، على أن تضم الدولة السنية الأراضي السورية التي يسيطر عليها تنظيم «داعش».

وتعود آراء الكولونيل البريطاني مارك سايكس والدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو إلى الواجهة السياسية مجددا، فبعد مرور 99 عاما على الاتفاقية التي حددت أطر الشرق الأوسط، تواصل مليشيات «داعش» إعادة رسم حدود سوريا والعراق، بشكل يؤكد على إزالة الخطة التي اتفق عليها الدبلوماسيان من قبل.

رسم الحدود

ويعد وضع نهاية لخطة سايكس بيكو فكرة جذابة، ولكنها مفرغة من معناها، فعلى سبيل المثال لم يتم رسم أي من الحدود السورية العراقية الحالية ضمن اتفاقية عام 1916، ولا تلك التي شابتها ولاتزال في بعضها النزاعات مثل الحدود الفاصلة بين العراق والكويت وبين الأردن وفلسطين وإسرائيل. ولم يتم كذلك رسم حدود مدينة الموصل الواقعة شمالي العراق، التي سيطر عليها تنظيم «داعش» العام الماضي ضمن المناطق الواقعة داخل حدود الاستعمار الفرنسي عام 1916، بل تم ذلك فقط عندما استولت عليها بريطانيا عام 1918.

ونتج عن أسطورة حدود سايكس بيكو الكثير من العنف الذي ألقى بظلاله على التفاهم التاريخي في المنطقة، وحتى على الورق تمت مراجعة الخطة أكثر من مرة، منها عام 1917 لتتناسب مع مطالب إيطاليا واليونان، ومن ثم لحرمان روسيا من الغنائم عقب انفصال البلاشفة عام 1918، ومن ثم لتخصيص المناطق الروسية سابقا إلى الولايات المتحدة عام 1919.

وكانت الأراضي التي تشكل كل من العراق وسوريا واقعة تحت صراع مركب ضم الدبلوماسيين والقوات الفرنسية والعربية والأميركية والتركية.

القوة الناعمة

ولم تدخل الدبلوماسية يوماً في الحسابات الدائرة في الشرق الأوسط، فحتى الخلافة التي ادعاها زعيم تنظيم «داعش» في العراق أبو بكر البغدادي تأسست على السلطة المؤقتة. وكذلك أيضا لم تنته الخلافة العثمانية عام 1924 بسبب سايكس بيكو ولا بسبب وثيقة ويلسون لتقرير المصير، بل بسبب الحرب العالمية الأولى، والحرب التركية اليونانية اللاحقة التي دمرت قوة وهيبة السلطان العثماني. ولن يعتمد مصير الخليفة البغدادي أيضا على الأفكار الذكية التي سيأتي بها الغرب لدعم مؤيديه من السنة، وإنما على نجاح وخسارة أعدائه، وسترسم حدود الشرق الأوسط المستقبلية بالقوة على غرار ما كان في السابق.

أسطورة مضللة

تشهد فلسطين في الوقت الراهن صراعا مستمرا منذ عام 1916، حيث ادعت كل من القوات البريطانية والصهيونية والأردنية والعربية استقرارها بقوة السلاح، الأمر الذي أبقى على قدراتهم غير متوازنة حتى اليوم.

وعلى غرار الأسطورة المضللة والقائلة بأن الدبلوماسيين مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو رسما حدود الشرق الأوسط الحالية عام 2016، تأتي الأسطورة الحالية بأن إعادة رسم خارطة المنطقة لتتماشى مع التقسيمات العرقية الدينية سيصحح ذلك الخطأ التاريخي القديم.

Email