واشنطن تزعم نيتها خفض مخزونها النووي في الوقت ذاته

تريليون دولار قيمة تحديث النووي الأميركي

التنافر بين موسكو وواشنطن أثر في المحادثات النووية أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأ العمل بمشروع ضخم لتحديث الترسانة النووية الأميركية. يأتي هذا التجديد تنفيذاً لقانون وافق عليه الرئيس اوباما عام 2010 مقابل حصوله آنذاك على تصديق مجلس الشيوخ على اتفاقية »ستارت - 2« مع موسكو، والتي قضت بخفض مخزون واشنطن وموسكو من 2000 رأس نووي إلى 1550.

القانون يقضي بتجديد هذا السلاح ومنشآته ومختبراته ومصانعه التي يعود بعضها إلى أربعينات القرن الماضي، بحيث يصبح الجيل الجديد منه في حالة أفضل من حيث »الحجم والأمان والمرونة«. ومن المقرر أن تستمر عملية التحديث لعشر سنوات »وبكلفة أولية تبلغ 355 مليار دولار« مفتوحة على المزيد في العقد التالي، بحيث تصل إلى تريليون دولار لتجديد وسائل استخدام السلاح مثل الصواريخ والقاذفات الاستراتيجية والغواصات المزودة بصواريخ عابرة.

وعلى الرغم من موافقة الإدارة الأميركية على هذا التطوير النوعي الكبير، واصل الرئيس التحدث بلغة العازم على إجراء خفض آخر لتقليص المخزون إلى ألف أو ربما 900 رأس نووي، لدى بلاده وروسيا. ولهذا الغرض كلف مجموعة استشارية درس الموضوع وجاءت بتوصية في مطلع 2013 تدعو فيها إلى خفض نووي متبادل من جانب واشنطن وموسكو كل من جانبه وبالتنسيق ومن دون حاجة لإبرام معاهدات تتطلب التصديق من قبل المؤسسات. التخلي عن الطرق المألوفة يسهّل ويسرّع العملية.

مثل تلك الأجواء شجّعت على الحديث عن ستارت جديدة في فترة قريبة. خاصة وأن هناك قدرا من التعب لدى الجانبين، من العبء النووي الكبير لما يتطلبه الاحتفاظ بهذه الأسلحة من صيانة وتجديد وحماية، في حين لا يشكل اكثر من سلاح رادع ليس من المرجح اللجوء إليه كسلاح هجومي.

لكن هذا الطموح كان في زمن ما يشبه شهر العسل بين واشنطن وموسكو. بين اوباما وميدفيديف. ذلك الوقت ولى إلى غير رجعة. ومع مجيء بوتين بدأ البند النووي يفقد أولويته. ومع تنامي التوتر بين العاصمتين، بسبب سوريا، تراجعت سيرة هذا الموضوع، لتصبح غير واردة بعد تفجر الأزمة في اوكرانيا.

في مطلع الربيع الماضي، جدّدت الإدارة عزمها على متابعة الجهود لتحقيق الخفض الاستراتيجي النووي برغم حالة التوتر مع موسكو. فهذه مسألة تحظى بأهمية الطرفين.

وللتأكيد على أهمية هذا التوجه، أعلن البنتاغون أنه يعمل على تنفيذ »ستارت« الأخيرة وانجاز الخفض الذي توجبه قبل الموعد المقرر في عام 2018؛ بما فيها الصواريخ والقاذفات وقنوات الإطلاق المنصوبة في الغواصات النووية. ومن جهتها قامت موسكو بما يتعين عليها من خفض بموجب الاتفاقية. لكن لهذا الحد فقط. المحادثات للمزيد من الحد، تعطلت. بوتين ابدى نوعاً من الفتور إزاءها.

وسط هذا التراجع تأتي المباشرة بتحديث الترسانة الأميركية لتزيد من التباعد بشأن هذا الملف.

المفارقة ان الرئيس الذي جعل من موضوع الحد من الأسلحة النووية احد بنود حملته الانتخابية، والذي سارع إلى انجاز »ستارت« بعد سنتين من مجيئه إلى البيت الأبيض ووعد بـ»ستارت« أخرى كما طمح بعالم يخلو من النووي، هو الرئيس نفسه الذي يشرف على أحدث عملية تسليح من هذا النوع.

قد يصح تقدير الإدارة بأنه لن يكون لهذا المشروع تأثير سلبي في المدى المنظور على تجديد التباحث الروسي الأميركي لخفض النووي لديهما، لكن بالتأكيد سيترك أثره غير المرغوب على صعيد منع انتشار أسلحة الدمار في العالم. لا يستقيم أن تلعب الدولة الكبرى دور الداعية لتحريم النووي فيما تقوم هي بتطوير سلاحها وتعزيزه بآخر ما وصلته التكنولوجيا النووية.

Email