الإعلام يتقدم الأذرع الروسية في «الهجمات المضادة»

Ⅶ توسع روسي كبير في وسائل الإعلام الناطقة باللغات الأجنبية | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل مصطلح «القوة الناعمة» بشكل قوي في الخطاب السياسي الروسي لا سيما في السنوات العشر الأخيرة. ففي عالم التغيرات المتسارعة، تسعى الدول إلى إستخدام كافة الوسائل لتعزيز مواقفها وتحسين صورتها والتأثير بأساليب أكثر فاعلية على الرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء.

وبينما تبقى روسيا – وفق مراقبين- متأخرة عن شركائها في هذا المضمار، إلا أنها قامت بخطوات في هذا السياق، تتباين الآراء في فاعليتها وجدواها، لكنها مع ذلك تحفز النقاش عن مصادر «القوة الناعمة» التي تملكها الدولي العظمى عسكرياً، وما أفضل السبل لتحقيقها.

يرى الخبير الروسي في الشؤون الدولية دميتري بابيتش أن روسيا واجهت صعوبات في ممارسة القوة الناعمة، بسبب رهانها في تسعينيات القرن الماضي على فرضية التعايش السلمي مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، ما حولها إلى حالة الدفاع عن النفس أمام تأهب عدائي غربي ضدها، عرَضها لأقسى أساليب القوة الناعمة، لتغيير نظامها السياسي، وتحريض الجمهوريات السوفياتية السابقة ضدها.

ويشير بابيتش إلى أن الطرف المدافع يكون عادة في الموقف الأضعف، ولا يحدد سير وأسلوب المواجهة. لكن السنوات الأخيرة أظهرت تقدماً في وسائل القوة الناعمة لدى موسكو، التي استفادت بشكل خلاق من إخفاقات السياسات الغربية.

نكسات أميركية

ويضيف أنه بحكم الصدفة لم يكن مطلوباً من روسيا إتخاذ خطوات إضافية في هذا السياق أمام تراجع القوة الناعمة الأميركية نفسها، والتي أثبتت عدم جدواها وتراجع قناعة الرأي العام العالمي بها، إثر النكسات المتلاحقة لسياسات واشنطن في العراق وأفغانستان وغيرها من بلدان العالم.

ويضيف أن الأزمة الأوكرانية «فتحت أعين» موسكو على أهمية القوة الناعمة «المضادة»، خصوصاً عندما شاهد الجميع كيف تنفذ سلطات كييف كل ما تأمره بها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، فيما ازدادت البلاد فقراً وانهار الإقتصاد وضعفت الدولة.

كما أن قادة الجمهوريات السوفياتية السابقة، ككازخستان وأوزبكستان شاهدوا كيف يدعم الغربيون الإنقلابات والثورات «البرتقالية»، وكيف أطاحوا بحليفهم الرئيس الأوكراني السابق يانيكوفيتش الذي لم يكن أساساً معادياً للغرب.

صعود الإعلام

من جانبها قالت الباحثة في الشؤون الجيوسياسية تاتيانا ستانوفايا إن وسائل الإعلام الروسية الموجهة نحو الخارج لعبت دوراً مركزياً كقوة ناعمة روسية، كقنوات «روسيا اليوم» وراديو سبوتنك، لكنها تلفت إلى أن ذلك لا يعود إلى حرفية العاملين في هذه المؤسسات أوبسبب السماح للأجانب بالعمل فيها، بل إلى الأوضاع المزرية التي تعيشها وسائل الإعلام الغربية التي فقدت احتكارها لملايين المتابعين بسبب إنهيار مصداقيتها.

وتذكر ستانوفا بالحرب ضد العراق عندما أيدت وسائل الإعلام الغربية الحملة العسكرية هناك، وقدمت وجهة نظر أحادية، قبل أن تعود وتعترف بأن هذه الحرب كانت خطأ فادحاً، ولكنها لم تقدم اعتذاراً عن تزويرها للحقائق التي رافقت الهجوم ضد هذا البلد.

وتتابع إن تراجع تأثيرالصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية مهد الطريق أمام وسائل الإعلام الروسية الناطقة باللغات الأجنبية للتأثير على شريحة واسعة من الرأي العام الغربي الذي بدأ يبحث عن مصادر إعلامية بديلة.

ورغم وجود إعلام آخر في هذه البلدان، لكن، لأسباب مالية، عجز عن توفير وجهة نظر بديلة تجاه الأوضاع في المناطق الساخنة من العالم- على سبيل المثال- عدم قدرتها على إيفاد مراسلين لتلك المناطق، خلافاً لـ«روسيا اليوم» و«سبوتنك» اللتين تمولهما الدولة، وإن بمبالغ تقل بكثير عما يدعيه الغرب.

لكنها مع ذلك تكفي لإرسال المراسلين إلى مناطق التوتر، فضلاً عن الأفضلية التي يتمتع بها المراسلون والصحافيون الروس في إجراء مقابلات صحافية في بلدان، لا تعطي نفس الفرصة للمراسلين أو الصحافيين الغربيين.

صورة سلبية

لكنها – في المقابل- تعترف بأن الاحداث في أوكرانيا لم تضر فقط بصورة روسيا على الساحة الدولية، بل حولتها في أعين المجتمع الدولي إلى دولة تشكل مصدراً للخطر، يروج الإعلام الغربي لضرورة لجمه.

وتشير في هذا السياق إلى نتائج البحث الذي نشره مركز «بيو للأبحاث» وأظهر نمو المشاعر السلبية في بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة تجاه السياسة الروسية، وبحد أقل في بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، كذلك إلى فشل الكرملين في تجاوز النخبة السياسية، وإقناع الرأي العام الغربي بعدد من السياسات الروسية، لا سيما تلك المتعلقة بضم القرم.

Email