من خلال الأحزاب والجمعيات والسياحة والثقافة والإعلام

إيران تسعى إلى التغلغل في نسيج تونس

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال نظام الملالي في طهران يسعى إلى اختراق النسيج الاجتماعي والثقافي لتونس، ولو عبر نسج الأكاذيب مثلما حدث في أوائل أبريل الماضي عندما اضطرت الرئاسة التونسية إلى إصدار بيان تكذيب لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية من أن الرئيس الباجي قائد السبسي صرح خلال لقائه الجمعة بوزير الثقافة الإيراني رضا صالحي أميري بأن «إيران هي حامية العالم الإسلامي من إسرائيل»،

ويرى المراقبون أن طهران تحاول استغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في تونس لتوسيع دائرة نشاطها التخريبي، إلا أنها سرعان ما تصطدم في كل مناسبة بيقظة منظمات المجتمع المدني وبعض القوى السياسية.

ويضيف المراقبون أن نظام الملالي عمل منذ يناير 2011، تاريخ الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلى استغلال حالة الفراغ السياسي والأمني إلى التغلغل في المجتمع من خلال بعض الأحزاب والجمعيات والنخب الثقافية والأكاديمية بواسطة المال والاستضافات والمنح الدراسية والترويج الإعلامي، إضافة إلى الشعارات «الثورية الممانعة» التي تسعى إلى تصديرها إلى دول المغرب العربي ومن بينها تونس.

وكانت الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي (منظمة غير حكومية) اتهمت المركز الثقافي التابع لسفارة إيران بتونس بنشر المذهب الشيعي في تونس، وطالبت الحكومة بإغلاقه «فوراً». وقال أحمد بن حسانة رئيس الرابطة «ندعو الحكومة إلى الإسراع فوراً بغلق المركز الثقافي الإيراني الذي يعمل على نشر المذهب الشيعي في تونس ضمن مخطط محكم، وإلى إيقاف كل البرامج الحكومية المشتركة بين تونس وإيران في مجالي التبادل الثقافي والتعليمي» وفق تعبيره.

نشر التشيع

وأوضح أن هذا المركز «يعمل بالاشتراك» مع الرابطة التونسية للتسامح (جمعية غير حكومية) «على نشر التشيع في تونس عبر مخطط يقوم على رصد الأموال وتجنيد الأشخاص وتكوين خلايا نائمة ذات ولاء لإيران ولمراجع شيعية تشتغل حسب أجندات صفوية عنصرية»، لافتاً إلى أن هذه الجمعية «في ظاهرها منظمة ثقافية وفي باطنها عقائدية مندسة في المجتمع المدني، ذات ولاء لدولة إيران وأهدافها معادية لهوية تونس السنية المالكية» محذراً من «زرع الفتنة الطائفية» في البلاد.

وبالمقابل، بين تقرير حول «الحالة الدينية وحرية الضمير في تونس» أن 54% من التونسيين يعارضون انتماء التونسيين للمذهب الشيعي، ويرفض 88%، تحول التونسي السني إلى المذهب الشيعي، لذلك لا يبدو مستغربا أن تتأسس سنة 2012 «الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي في تونس»، التي طالبت الحكومة التونسية بإغلاق المركز الثقافي الإيراني الذي يشكل الذراع الثقافية والدينية لإيران في تونس.

وشهدت تونس خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة ذات المرجعية الإخوانية، حالات عنف ومصادمات بين عناصر شيعية وأخرى سلفية في عدد من المدن مثل القيروان (وسط) وبنزرت (شمالاً) وقابس (جنوباً).

يقول المحلل السياسي منذر ثابت لـ«البيان» إن «إيران تستغل جيداً عدم وعي نسبة مهمة من أبناء المغرب العربي بطبيعة الصراع القومي العنصري الذي يتزعمه نظام الملالي ضد العرب تحت غطاء طائفي، كما أنها تستفيد من بعض التناقضات السياسية في المشرق العربي لتقديم نفسها للشمال الأفريقي على إنها تقف ضد التطرف والإرهاب وضد الكيان الصهيوني وضد هيمنة الغرب، في حين أنها تعتمد تلك الشعارات للتغلغل واختراق النسيج الاجتماعي والثقافي».

اختراق سياحي

وحاولت طهران اختراق المجتمع التونسي من خلال السياحة الدينية، وخاصة للمزارات المرتبطة بتاريخ الشيعة في المنطقة، حيث يجمع المؤرخون على أن المذهب الشيعي عرفته تونس مع تأسيس الدولة الفاطمية سنة 899م ثم جاء تأسيس المهدية (تقع مدينة المهدية على بعد 250 كلم جنوب شرق العاصمة تونس) سنة 910م على يد عبيد الله المهدي حين انطلقت أساطيله وجيوشه لبسط نفوذها على كل بلاد المغرب وجزر المتوسط وغدت المهدية العاصمة السياسية والاقتصادية والثقافية لبلاد المغرب قاطبة، على حد قول أستاذ الحضارة في الجامعة التونسية ناجي جلول.

وحسب رأي أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية محمد ضيف الله فإن «نظام بن علي ربط علاقات اقتصادية وثقافية متينة مع النظام الإيراني، حتى بلغ التبادل التجاري 120 مليون دولار وتكثفت زيارات رجال الثقافة والدين الإيرانيين إلى تونس، وللمحافظة على متانة تلك العلاقات تغاضى النظام القائم عن التبشير الشيعي».

وبحسب مراقبين، سعت إيران إلى إحياء تاريخ الشيعة في تونس من خلال الترويج السياسي وهو ما عارضته بعض الأطراف السياسية التونسية التي رفضت توقيع الحكومة اتفاقيات عدة لتعزيز التعاون السياحي مع إيران، من بينها إنشاء خط جوي مباشر، وبرنامج تنفيذي للتعاون يتم بمقتضاه استقطاب 10 آلاف سائح إيراني خلال سنة 2016.

ويحذّر الكاتب والمحلل السوري ثائر زعزوع من فتح أبواب تونس أمام السياح الإيرانيين، وقال «يعرف العراقيون والسوريون المعاني الحقيقية لجملة السياح الإيرانيين، فهم قبل غيرهم واكبوا ظاهرة تلك الوفود السياحية التي ترسلها طهران لتتحول مع مرور الأيام إلى ما يشبه الغزو أو الاحتلال، فالسياح الإيرانيون لن يكتفوا بالاطلاع على ما يضمه البلد الذي يقصدونه من معالم سياحية، وسوف يسعون جاهدين لإقامة أماكن خاصة بهم بل وحتى أسواق تبيع منتجاتهم».

الإخوان والخميني

ولعل أبرز موقف من الثورة الخمينية بإيران في المغرب العربي -بعد موقف الجزائر الرسمي- كان تأييد حركة النهضة وزعيمها الغنوشي لثورة الخميني والاحتفاء بها. وفي الثمانينيات كان يطلق على أعضاء حركة النهضة في تونس «الإيرانيين».

ومنذ سنة 1990 أعادت الدولتان علاقتهما الدبلوماسية، وتجسد تطور ونمو علاقتي البلدين في عديد من المجالات، حيث تم إنشاء لجنة مشتركة دائمة تنعقد كل ستة أشهر برئاسة نائب الرئيس الإيراني والوزير الأول التونسي، أي بمعدل اجتماع سنوي في كل عاصمة. ويقام بشكل متزامن مع انعقاد اللجنة الدوري منتدى سنوي يضم عددا كبيرا من رجال أعمال الدولتين، يرى مراقبون أن نظام بن علي سعى إلى تطوير علاقته بإيران لضمان عدم مساعدتها لجماعة الإخوان وبخاصة حركة النهضة التي دخل معها في مواجهة أمنية في العام 1990 بعد الكشف عن محاولاتها الانقلاب عليه.

Email