جينبينغ اتخذ من الكهف بيتاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال عدد من أبناء قرية ليانغجياهي في شمال الصين، يتذكرون مراهقاً شاحباً طويل القامة اجتهد على امتداد سنوات في العمل في الحقول نهاراً والنوم على فراش قش ليلاً في كهف يعج بالذباب. ولديهم كل الأسباب التي تسوغ التأمل في الأيام الخوالي اليوم تحديداً والاستفادة من قريتهم الصغيرة، بعد أن أصبح الشاب الذي أرسل من بكين لسبعة أعوام من العمل الدؤوب رئيس بلادهم.

فبعد 50 عاماً تقريباً على قدوم الرئيس الصيني شين جينبينغ بعمر المراهقة متثاقلاً يجر سنوات المراهقة وشعور البرد القارس، بدأ مئات الحجاج السياسيين يسيرون على خطاه حاجين إلى القرية النائية التي صنعت من المراهق رجلاً قوياً يحكم أكثر بلدان العالم اكتظاظاً بالسكان.

إعجاب بالبئر

ويتسارع الزوار وفق ما أورد عدد من الوكالات، لإلقاء نظرة على البئر التي ساعد جينبينغ في حفرها، فينظرون بإعجاب إلى كوة التخزين التي صنعها لتحويل الروث إلى غاز الميثان المستعمل في التدفئة والإنارة، كما يتحلقون للاستماع إلى محاضرات ملهمة خارج الكهف الذي آواه يوماً، وأبعده عن فوضى الاضطرابات التي عمت الصين يوماً.

صحوة سياسية

ويقرّ جينبينغ أنه اختبر نوعاً من الصحوة السياسية حين أبعد إلى ليانغجاهي في محافظة شانكسي، كجزء من حملة ماو تسي تونغ التي أرغمت الشباب الصيني المتعلم على اختبار حياة القرويين. وقد أقر في حديث إعلامي عام 2004 بأن عدداً من الأفكار والصفات قد تشكلت في ليانغجياهي، إلا أن شظف العيش في تلك القرية الفقيرة ذات المنازل المعدودة لم تكن تكفي ابن الخامسة عشرة. وقال مرشد سياحي لجمع من الزوار احتشد تحت الأمطار الغزيرة بجانب الكهف: «لم يكن لدى وصوله إلى ليانغجياهي للصعوبات التي تنتظره».

هرب جينبينغ بعد أم شعر بثقل الحنين لرفاهية المنزل، فما كانت من أمه إلى أن وشت به للسلطات التي أعادته بعد إخضاعه «لإعادة تثقيف» لستة أشهر.

ويتذكر سكان ليانغجياهي اليوم كيف اعتاد شين جرّ عربات الرمال، وقطاف المحاصيل بيديه العاريتين، ومساعدة أبناء البلدة على بناء السدّ.

ذكريات مرة

وقال شي يوكشين الذي يعيش في القرية منذ انضمامه للحزب الشيوعي عام 1974، بعينين دامعتين وهو يتذكر اليوم الذي رحل فيه جينبينغ عن القرية: «كانت الحياة بغاية القسوة في تلك الأيام، لم يكن أحد يملك ما يكفي من الطعام، وكان هناك الكثير من المعاناة. وقد فعل ما بوسعه لمساعدتنا، وكان كل ما يفعله يعود بالمصلحة على أبناء القرية».

ويتذكر شين نفسه بأسى اليوم الذي ترك فيه ليانغجياهي في 1975، ويقول: «حين صحوت في اليوم المقرر للرحيل، كان جمع من القرويين ينتظرون خارج الكهف، لكنهم لم يوقظوني بل انتظروا وحسب. وقد بكيت في ذلك اليوم، وكانت المرة الثانية التي أبكي فيها خلال سبع سنوات».

وأسهمت علاقة شين بليانغجياهي بإحداث ثورة اقتصادية مصغرة في القرية حيث أصبح السكان اليوم يقودون العربات ويبيعون أدوات المائدة الخاصة بجينبينغ، ويقدمون «وجبة الرئيس الجاهزة» لآلاف الزائرين اليوميين.

عمل درامي

ويقال إن القرية ستشكل محطة تصوير عمل درامي من 45 حلقة، وفق ما أعلنت صحيفة «شانكسي» الرسمية دون أن تفصح ما إذا كان المسلسل سيتناول حياة جينبينغ أو لا.

ويدفع كل من زائري ليانجياهي، الذي فاق عددهم في فترة العطلات الأخيرة الـ 30 ألفاً، 20 رينمينبي، وهي العملة الصينية، لزيارة الكهوف الثلاث حيث عاش شين، والتي احتفظت جميعها بملامحها بدءاً من قناديل الزيت، وقوارير الشرب، والأدوات الزراعية، وملصقات الزعيم الشيوعي الأسبق ما تسي تونغ الموزعة بعناية داخل الكهوف وخارجها.

ليست «السياحة الحمراء» بالأمر المستجد على الصين، التي أطلقت حملة واسعة عقب الاحتفالات بالذكرى الستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 2009، إلا أن الحملة الأخيرة «تشدد على تصوير شين على أنه رجل الشعب والقائد القوي المتفوق على الآخرين»، وفق ما قاله البروفسور جان بيار كابستان، أستاذ العلاقات الدولية والحكومية في هونغ كونغ.

Email