الفاتورة المالية والآليات أبرز العقبات

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عملية معقّدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تزداد التساؤلات والغموض حول كيفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منذ مطالبة بريطانيا رسمياً بالخروج في مارس هذا العام بتفعيل المادة 50 التي تتيح لأي دولة طلب الانسحاب. وما يزيد الأمر تعقيداً هو عدم وجود سابقة مماثلة في تاريخ الاتحاد وخوف بعض دول الكتلة الأوروبية من مطالبة دول أخرى بالانسحاب.

هناك تصريحات مختلفة من الجانبين الأوروبي والبريطاني حول التقدم في المفاوضات بين الجانبين، وإمكانية التوصل لاتفاق حول قضايا الخلاف قبل الحديث عن مستقبل العلاقات التجارية. إذا نظرنا إلى الجانب البريطاني يبدو أن هناك انقساماً داخل الحكومة البريطانية في هذا الملف، وخلافات بين المعارضة والحكومة من جانب آخر.

هناك من يرى أن وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند يضعف الموقف البريطاني في المفاوضات بسبب بعض تصريحاته مثل قوله بعدم تخصيص أموال في حال عدم التوصل لاتفاق بين الجانبين البريطاني والأوروبي وتشاؤمه حول مستقبل الاقتصاد البريطاني بعد الخروج. على سبيل المثال انتقد نيغل لاوسون وهو وزير سابق انتقد فيليب هاموند وطالب بإزاحته من منصبه، لأن تصرفاته بخصوص ملف الخروج قريبة من التخريب.

يضاف إلى ذلك تصريحات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون والتي عبر عنها في مقال طويل بلغ أكثر من 4 آلاف كلمة في صحيفة «ديلي تليغراف»، وقال فيها إن الفترة الانتقالية بعد الخروج الرسمي في مارس 2019 لا يجب أن تزيد على عامين، ويعارض الفاتورة الكبيرة التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي من بريطانيا والتي تبلغ وفقاً لبعض التقديرات 100 مليار يورو. هذه التصريحات اعتبرت خروجاً على خط رئيسة الوزراء تريزا ماي، وأظهرت انقساماً في الحكومة وإضعافاً لموقف ماي أمام قادة الاتحاد الأوروبي.

مفاوضات الاتفاق

وأكد وزير الخزانة في حكومة الظل البريطانية جون ماكدونال أن خيار عدم التوصل لاتفاق بين الجانبين أمر مرفوض، مشيراً إلى أن البرلمان البريطاني سيكون له التصويت على أي نتيجة يتوصل إليها الجانبان البريطاني والأوروبي في محادثات الخروج. وأضاف ماكدونال أن عدم التوصل لاتفاق سيكون له خسائر كثيرة على بريطانيا. ورد عليه وزير النقل البريطاني كريس غرايلينغ بأن الخروج سيتم قانونياً في مارس 2019 سواء توصل الطرفان لاتفاق أم لا.

أما على الجانب الأوروبي فهناك إضرار مفرط في الحجم المبالغ فيه لفاتورة الانسحاب المطلوبة من بريطانيا. وأكد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلودي يونكر أخيراً، أنه على بريطانيا أن تدفع أولاً قبل الحديث عن مستقبل العلاقات التجارية بين الجانبين بعد مارس 2019. ومن المتوقع أن يوصي مفاوض الاتحاد ميشيل بارنييه دول الاتحاد بعدم التوصل لتقدم في جولات المفاوضات بين الجانبين.

ومن ثم لن يناقش القادة الأوروبيون مستقبل العلاقات التجارية بين الجانبين حتى يحدث تقدم في الملفات الثلاثة الخاصة بفاتورة الانسحاب ووضع مواطني الدول الأوروبية البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين في بريطانيا ووضع إيرلندا الشمالية بعد الخروج. لم يظهر مفاوضو الاتحاد أي تنازلات في هذا الخصوص.

تجدر الإشارة إلى أن مفاوضي الاتحاد وبعض الدول ولاسيما ألمانيا وفرنسا لا يريدون خروج بريطانيا لأنها أكبر ثاني مساهم في ميزانية الاتحاد، ولا يرغبون في اتباع دول أخرى مثال بريطانيا بطلب الخروج مثل اليونان وغيرها. يريدون وضع العقبات وزيادة الضغط الداخلي في بريطانيا ضد الحكومة البريطانية لتتخلى عن فكرة الخروج.

ومع ذلك هناك تسريبات حول قيام دول الاتحاد بمناقشة داخلية لمستقبل العلاقات بين الجانبين الأوروبي والبريطاني بعد خروج الأخيرة. يخشى الاتحاد من إمكانية خروج بريطانيا قبل التوصل لاتفاق وهو لا يصب في مصلحة الطرفين، ومن هنا يرى بعض المحللين أن تصريحات يونكر وغيره حول الخسائر الكبيرة التي ستدفعها بريطانيا لو لم يتم التوصل لاتفاق هو مجرد تخويف ولا يعبر عن الحقيقة.

خسارة ومكسب

وقال طاهر الشريف الخبير الاقتصادي ورئيس الغرفة التجارية المصرية البريطانية السابق: «قد تخسر بريطانيا على الأمد القصير إذا لم يتم التوصل لاتفاق، ولكن ستكسب على المدى الطويل. كما أن تصريحات القادة الأوروبيين بأن عدم التوصل لاتفاق بين الطرفين سيكون له تبعات سلبية كبيرة على بريطانيا هو هراء وتخويف». ولكنه أكد أنه سيتم التوصل لحل وسط بين الطرفين، لأن ذلك يصب في مصلحة الجانبين.

ويمكن لمباحثات تيريزا ماي مع جان كلودي يونكر وغيره من قادة الاتحاد خلال هذا الأسبوع، أن تسفر عن بعض التغييرات والتي قد تسهم في التوصل إلى حلول وسط. وأكدت رئيسة الوزراء البريطانية في خطابها بفلورنسا الخاص بموقف بريطانيا إزاء ملف الخروج من الاتحاد التزام بلادها بدفع التزاماتها في ميزانية الاتحاد حتى عام 2021.

ويرى مؤيدو الخروج من الاتحاد أن المفاوضين الأوروبيين لم يقدموا تنازلات في قضايا المفاوضات مثل بقاء البريطانيين في الدول الأوروبية في مقابل بقاء الأوروبيين في بريطانيا، وعدم المبالغة في حجم الفاتورة المطلوبة من بريطانيا. بل إن البعض مثل وزير الخارجية البريطاني لا يرى هناك أحقية قانونية لهذه الفاتورة.

يرى بعض المحللين مثل طاهر الشريف وغيره أنه سيتم التوصل لاتفاق بين الجانبين، لأن الخسارة ستكون على الجانبين في حال عدم التوصل لاتفاق. وصرح أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، رفض أن يذكر اسمه، أن على الاتحاد البدء في التجهيز لمستقبل العلاقات بين الطرفين بعد خروج بريطانيا. والهدف إظهار الاتحاد أن الباب غير مغلق تماماً وهناك مجال للتحرك.

الطلاق في ميزان الربح والخسارة

هناك مشكلات كثيرة داخل الكتلة الأوروبية مثل خطر التطرف والإرهاب، وقضية استفتاء كاتالونيا، ومشكلة أوكرانيا، معضلة المهاجرين واللاجئين وغيرها. ومن هنا يرى بعض المختصين في شؤون القارة الأوروبية ضرورة إحراز تقدم في المفاوضات بين الجانبين الأوروبي والبريطاني حتى تكون عملية الخروج سلسة وتبقى العلاقة بين الجانبين قوية ومبنية على أسس جديدة، لأن ذلك يصب في صالح القارة الأوروبية. يضاف إلى ذلك وجود مصالح اقتصادية مشتركة بين الجانبين.

على سبيل المثال 10% من سيارات ألمانيا تصدر لبريطانيا، على جانب آخر أكثر من 50% من تجارة بريطانيا تتم مع دول الاتحاد الأوروبي. كما أن وضع التعريفات الجمركية بين الجانبين قد يصعب من حركة التجارة بين الجانبين وبالتالي تؤكد الحقائق الاقتصادية مدى حاجة الطرفين لكل منهما.

على سبيل المثال حذر السير مارتن دونللي وكان يعمل مع وزير التجارة البريطاني ليام فوكس إن عدم التوصل لاتفاق سيكون له تأثير سلبي على الاستثمارات في المملكة المتحدة، وسيخلق عدم اليقين لرجال الأعمال الذين يريدون القيام بأعمال وصفقات في بريطانيا.

Email