أوروبا تتجه يميناً بعد «تسونامي» ترامب وبريطانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

اجتاحت العالم هذه السنة موجات تسونامية عاتية ومتلاطمة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز الملياردير الأميركي دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وأدت رياحه إلى انحسار الأحزاب الديمقراطية وغزو التيار اليميني الشعبوي العالم، حيث بات يهدد بزلازل أخرى في القارة العجوز.

قدم نجاح الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي فرصة للأحزاب اليمينية الشعبوية في العالم للحصول على مكاسب جديدة وللمطالبة بخطوات مشابهة في بلدانهم للخروج من الاتحاد الأوروبي.

فيما أحدث فوز ترامب المفاجئ في الانتخابات الأميركية ضجة كبيرة في العالم، لكن البعض يحاول ربط هذين الحدثين ببعضهما بتأكيد أن بريطانيا قد تكون المستفيد الأوحد في أوروبا من السياسة الاقتصادية التي من المتوقع أن يتبعها ترامب، على عكس ألمانيا التي ستخسر في حال وقف «اتفاقية التبادل التجاري العابرة للأطلسي».

فالرئيس الأميركي المنتخب، كان من مشجعي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لدرجة أنه سمّى نفسه «السيد بريكست»، ووعد بتوقيع اتفاق اقتصادي ثنائي بين لندن وواشنطن، وهو ما يعني أن العلاقة البريطانية الأميركية تتجه إلى الازدهار.

شركاء

إن الأشخاص الذين ساهموا في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكونون شركاء الرئيس الأميركي المنتخب، سيجلس ترامب ووزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، ومن يدري ربما تجلس معهم لاحقاً مارين لوبان الفرنسية، وينضم إليهم رؤساء حكومات هولندا والدنمارك وبولندا، فالتطورات الأخيرة على الساحة السياسية الأميركية قد تصبح نقطة انطلاق ليست بالنسبة للولايات المتحدة فحسب، وإنما بالنسبة لتاريخ الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن ترامب، الذي وصف فوزه بـ«بريكسيت زائد زائد زائد»، أصبح، بعد توليه منصب الرئاسة زعيماً للعالم الغربي برمته، وبات العالم يتجه يميناً، وفي هذا تكرار لعصر سابق تنامت فيه مشاريع عرقية تسببت في حروب ساهمت في وفاة ملايين البشر.

أوجه الشبه

إن أحد أوجه الشبه بين بريكست وترامب هو انه تم الاستخفاف بكلتا الحملتين وخاصة من قبل الخبراء والشخصيات العامة، وكما تم استبعاد احتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في البداية فإن قلة من النخب السياسية من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء أخذوا مسعى ترامب للفوز بالترشيح الجمهوري على محمل الجد.

فالملياردير النيويوركي الذي كان محل انتقادات كبيرة حيث وصف في كثير من الأحيان بـ«المهرج» أصبح رئيسا لأقوى دولة في العالم. كما أن بوريس جونسون الذي كان محل سخرية عدد من الأوروبيين أصبح وزيراً لخارجية بريطانيا بعد ما ساهم كثيراً من خلال مواقفه المتشددة في اقناع الناخبين بالتصويت للخروج.

توابع الزلزال

تبدو توابع زلزال فوز المرشح الجمهوري الأميركي دونالد ترامب برئاسة أميركا، وهي تتوالى يوما بعد يوم وتضرب في مناطق مختلفة من العالم.

أما أكثر المناطق التي هزتها، والتي أثارت فيها المخاوف من تغيرات سياسية ربما لا يحمد عقباها، من وجهة نظر العديد من السياسيين والمراقبين فهي القارة الأوروبية، إذ أن اليمين السياسي المتطرف الصاعد في أوروبا منذ فترة، وجد في فوز ترامب داعماً قوياً في مساعيه للوصول إلى السلطة.

الفرح الحقيقي في أوروبا ظهر جلياً عند بعض التيارات السياسية الشعبوية مع تهليل قادة اليمين المتطرف، في بعض عواصم القارة لفوز ترامب، وأبرزهم زعيمة حزب «الجبهة الوطنية»، مارين لوبن، ورئيس حزب «الحرية» الهولندي، هيرت فيلدرز، الذي قال على «تويتر» إن الأميركيين «يستعيدون بلادهم».

أيضاً، رأت بياتريكس فون ستورش ــ من حزب «البديل لألمانيا» المتطرف الذي حقق تقدماً ملحوظاً في الانتخابات المحلية في ألمانيا منذ عدة أشهر ــ أن فوز المرشح الجمهوري حدث «تاريخي». هذه المواقف قد تعني أن تأثيرات فوز ترامب قد تتعدى تبدّل العلاقة الأوروبية ــ الأميركية لتطاول السياسة الداخلية لتلك الدول.

التحالفات

في الديمقراطيات البرلمانية القائمة في كثير من الدول الأوروبية، تحالفت الأحزاب التقليدية لتشكل ائتلافات حتى لا يصل الشعبويون إلى الحكم. لكن الدرس المستفاد من استفتاء بريطانيا هو أنه ليس بالضرورة أن تكون الأحزاب في الحكومة حتى تشكل الجدل السياسي، مشيرة إلى حزب الاستقلال البريطاني المناهض للاتحاد الأوروبي الذي له مقعد واحد في برلمان وستمينستر.

فقد أعطى فوز ترامب قوة معنوية جديدة لهذه الأحزاب المتمردة في أوروبا، كما أعطى صدمة مخيفة للطبقة المسيطرة الداعمة للعولمة في أوروبا. وتبدو أن الرياح القادمة إلى أوروبا عبر المحيط الأطلسي هي رياح تغيير، ستغير الخريطة السياسية في أوروبا. لكن البعض يقول إنها موجة وستذهب، غضب سيبلغ أقصاه ثم تهدأ النفوس.

لكن آخرين يقولون الأسوأ قادم على اعتبارات أن سنة 2017 ستكون سنة الانتخابات في أوروبا، وستكون ألمانيا، فرنسا، إيطاليا تحت امتحان حقيقي، فهل سيصمد النظام الحاكم أم أن التيار الشعبوي سيجد ثغرات قد تعيده إلى الواجهة على غرار 2016.

مهاجرون

الحقيقة الواضحة هي أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، استخدمت منذ فترة قضية المهاجرين واللاجئين سلماً للصعود إلى واجهة العمل السياسي، وكان واضحاً في خطاب تلك الأحزاب إثارة مخاوف الناخبين من الخطر الأمني المحدق، والمترتب على استقبال الآلاف من اللاجئين في البلدان الأوروبية، إضافة إلى ما يمثله ذلك من عبء على اقتصادات تلك البلدان، وفرص التوظيف بها.

Email