حالة العالم في نهاية 2014 تتطلب المزيد من التضامن والجهود بين الدول

ضم القرم لروسيا كشف مشاكل الاتحاد الأوروبي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا قدر لي أن أصف القوى التي تحدد شكل العالم بكلمة واحدة فستكون التقسيم، وإن سمح لي بخيار ثانٍ، فسيكون الهوية. يتجلى تمزق النظام القديم بأسطع حلله وأكثرها وحشية في الشرق الأوسط، حيث مبدأ الدولة في كل من العراق وسوريا وليبيا قد انهار بالكامل.

وأياً كانت الآراء المتعلقة باتفاقية سايكس بيكو، فإن الخارطة التي وضعاها قبل قرن تقريباً، ما عادت تعكس الواقع الإقليمي. وتلك الدول قد لا يعاد بناؤها مطلقاً.

في نظام ما بعد الحرب الباردة، الذي يسود اليوم، تسير القومية السياسية والاقتصادية كل في اتجاه معاكس للآخر، في ظل انحسار حدود العولمة. أما النظام المصرفي، فقد أعيد تأميمه وسط رفض الحكومات الاعتراف بمسؤولية ديون الآخرين.

عالم الإنترنت كذلك يواجه عملية البلقنة ذاتها، وقررت الدول، لأسباب وجيهة أو سيئة، أنه لا يمكن تحميل العصر الرقمي مسؤولية حمولات شركات وادي السيليكون. وحلّت محل التعددية القطبية التجارية صفقات ثنائية ومعاهدات إقليمية.

هناك تشابه قائم هنا، فالصين والهند والدول الصاعدة الأخرى تشكل حارساً غيوراً على السيادة القومية. أما الولايات المتحدة، القلقة على العالم والمتعبة منه، فما عاد بإمكانها، ولا في مصلحتها إملاء قوانين كونية وفرضها.

وبكين ترى في مؤسسات «برايتون وودز» علامات تمرير الهيمنة الغربية، في حين ترفض واشنطن تسديد ديونها المستحقة لصندوق النقد الدولي. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد سدد الضربة الأقسى لفرضيات التسعينيات، المتعلقة بالقيم والمصالح المشتركة عبر الحدود. وقد قام من خلال ضم القرم بتمزيق ديباجة التسوية الأوروبية التالية للحرب.

وأتى رد الاتحاد الأوروبي على هذا الاعتداء منقسماً، وانطوى على صراع خفي بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تعتقد بضرورة الدفاع عن القوانين الدولية، وأولئك الذين يؤيدون موقف رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رنزي، الذي يؤكد أولوية المصلحة الذاتية للاقتصاد الوطني.

يفترض منطق العملة الموحدة مشاركة الحكومات في عملية صنع القرار الاقتصادي، لكن على الرغم من اقتراب انهيار المشروع، أثبتت الامتيازات والأفضليات القومية سطوتها. واليورو لا يزال معلقاً بين حالتي الاندماج المنهجي والتحلل المبدئي.

ويوازي هذا الحديث، جهد تقوم به الدول لإنقاذ موجبات السلطة الضائعة لصالح العولمة. وتود الحكومات بضغط من الدوائر الانتخابية المستاءة، أن تتخذ المزيد من القرارات، على الرغم من أنها ترفض الاعتراف بأن الوقت قد تأخر كثيراً على فك خيوط الاعتماد الاقتصادي المتبادل.

أما في سياسة الهوية، فهي غالباً ما توظّف كوسيلة قوية لفرض سلطة الدولة، لكن فيما عدا حالات فردية من المجتمعات المتجانسة، يمكن للهوية أن تشكل حافزاً للتقسيم.

وتتخذ الهوية في أقصى حالاتها شكل التخلي عن التحالفات الوطنية لصالح ولاءات فجة. فالعراق يشهد تصارع السنة والشيعة والأكراد للاستيلاء على مناطق البلاد وتقاسمها. أما تنظيم «داعش» فيسعى إلى منح الناس هوية بديلة.

وعلى الجانب الآخر، يقود نطاق الهوية الضيق الحركات الانفصالية الدستورية، كما في اسكتلندا وكاتالونيا. هناك خيط رفيع يفصل بين التصميم الذاتي القانوني والتقسيم المدمر، وتكمن المشكلة في عدم معرفة أحد مكان رسم هذا الخط.

التقسيم والهوية صورتان منعكستان لعالم يبدو باحثاً عن أسباب التشرذم، في مشهد لا يبعث على الاطمئنان. الثابت الوحيد الذي يسعنا التأكيد عليه في اللا-نظام العالمي الجديد هو عدم الاستقرار.

غياب التضامن

لم يعد التضامن مبدأ الاتحاد الأوروبي الأقوى، فالمسار الطويل نحو التكامل السياسي والاقتصادي، الذي بدأ مع التسوية الفرنسية الألمانية، قد توقف. ويخشى قادة القارة من النزعات الشعبية للجبهة الوطنية بزعامة ماري لوبين في فرنسا وحزب استقلال المملكة المتحدة بقيادة نايجل فراج في بريطانيا.

Email