الاستثناء كان في إعادة العلاقات مع كوبا

عام الإخفاقات لسيد البيت الأبيض

ت + ت - الحجم الطبيعي

جرافيك

أكثر ما تميز به 2014 في أميركا أنه كان عام إخفاقات وخسائر فادحة لرئاسة باراك أوباما على مستوى الداخل كما في الخارج. الأول عوّض في الربع الأخير بانتعاش اقتصادي ولو متواضع، عززه هبوط أسعار النفط.

ما عدا ذلك، كانت الحصيلة سيئة ومخيبة. وأحياناً كانت قاسية وربما مجحفة. أما الخارج فقد كان حصاده نكسات متتالية على أكثر من جبهة وفي أكثر من ملف، خفف منها خطوة أوباما التاريخية بإعادة العلاقات مع كوبا بعد أكثر من نصف قرن من القطيعة.

مسلسل لخّص إعطاب رئاسته في السياسة الخارجية. وكأن أخطاءها المتراكمة على مدى السنوات الست الماضية، تفجّرت على شكل خيبات الواحدة بعد الأخرى. وعلى المستويين، ساهمت بل تسببت أخطاء حساباته، في اللطمات التي تلقتها إدارته. وأحياناً في مفاقمتها.

الشأن الداخلي

في الشأن الداخلي، حكم التعثر سياساته. مشاكسة الكونغرس له، خاصة مجلس النواب الجمهوري، أدى إلى تعطيل عجلات مشاريع رئاسته؛ من رفع مستوى الأجور إلى موضوع الهجرة مروراً بملفات الإصلاح والبنى التحتية وغيرها.

ويؤخذ عليه أنه يفتقد للمرونة المطلوبة في التعاون مع الخصم السياسي. لعب ذلك دوره في زيادة تخريب العلاقة مع الجمهوريين، الذين كانت الأولوية في أجندتهم لعرقلة وإفشال رئاسته. انسحب التعطيل هذا سلباً على رصيده الذي هبط بدرجة حادة.

ومع أن الكونغرس وصل رصيده إلى الحضيض غير المسبوق، بحدود 11% وكان الأقل إنتاجاً في تاريخه، إلا أن الملامة وقعت على الرئيس باعتباره المسؤول والمرجع الأول. أدى ذلك ليس فقط إلى هبوط تأييده، بل إلى خسارة حزبه الديمقراطي انتخابات الكونغرس في نوفمبر الماضي؛ بحيث أمسك الجمهوريون والمحافظون بالأكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب.

المناكفات مع حزبه والحملة الانتخابية المتخبطة التي أهملت توظيف الإنجازات التي تحققت مثل مشروع الرعاية الصحية، أدّت إلى مجيء كونغرس يزمع شل رئاسته إلى أقصى الحدود خلال سنتيها الأخيرتين. خسر معركة كان من المفترض أن يفوز بها بقوة. نكسة كبيرة لرئاسة قد تحرمها من تعزيز إرثها في فصلها الأخير.

البيض والسود

وكأن التعثر السياسي لم يكن كافياً، لتضاف إليه تحديات انتعاش العنصرية بين البيض والسود. وبالتحديد بين رجال الأمن والعامة من الأميركيين السود.

وقد تلاحقت الأحداث التي صبّت الزيت على هذه التوترات وألهبت الاعتراضات على ما بدا أنه أمن منحاز ضد السود وعدالة عوجاء لغير صالحهم، في ثلاث حوادث سقط فيها ثلاثة منهم على يد الشرطة من البيض، بسبب الإفراط في استخدام القوة. ومع ذلك نجا رجال الأمن ما العقاب. موقف أوباما كان شديد الحساسية.

كان عليه المشي على حبل مشدود واعتماد خطاب متوازن كرئيس حتى لا يبدو منحازاً. ومع ذلك لم لم يكن لخطابه أثر ملحوظ في تهدئة الأجواء. فأن تثار قضية التمييز بهذا الشكل وهو في البيت الأبيض، كان أمراً شديد الإحراج والإرباك لرئاسته.

النكسات الخارجية

لكن التحديات الداخلية على ثقل وطأتها وحدتها، كانت صداعها أقل من صداع النكسات الخارجية التي واجهها أوباما هذا العام. فقد كانت هذه من العيار الكبير وجاءت متلاحقة، بحيث كشفت عن ضعف عضوي في مقارباته للشؤون الخارجية، رغم نوعية رؤيته المتميزة بسلميتها؛ كما عن خلل في صياغة الاستراتيجيات والسياسات التي يقتضيها التعامل معها.

فشل مراهنته من هذا الموقع على جملة ملفات كانت تتطلب توجهات مختلفة تتناسب مع خطورتها، وضعته في خانة الرئيس «المتردد» و«المتراجع» و«المفرط في حذره» وبالنهاية الرئيس الذي «التبست عليه الأمور» بتعبير وزير دفاعه الثاني ليون بانيتا.

بدأت الصدمات بانهيار جنيف 2 السوري في فبراير الماضي. مراهنة البيت الأبيض على حل سياسي للأزمة كانت أقرب إلى الوهم. اعتماده آنذاك على موسكو في هذا الملف، انطوى على كثير من السذاجة السياسية. تبع ذلك خسارته لرهانه على تسوية فلسطينية إسرائيلية.

تحديده لمهلة تسعة أشهر لإنجازها من دون ربطها بشروط ملزمة فضلاً عن موقفه الرخو من الاستيطان، ترك مبادرته مفتوحة للتلاعب الإسرائيلي الذي أوصلها كغيرها إلى الحائط المسدود مع نهاية أبريل الماضي.

بذلك سجل هزيمة مجانية لإدارته التي بدت عاجزة أمام لاءات بنيامين نتانياهو. تبعها سقوط رهان الإدارة على النووي الإيراني. أطاحت طهران بالمهلة الأولى. ثم بالثانية في نوفمبر الماضي. ورأت الإدارة نفسها محكومة بخيار التمديد المفتوح هو الآخر على المجهول.

واكب هذه الصدمات انفجار أزمة أوكرانيا، التي تصرفت موسكو إزاءها بحزم، فيما بقي موقف إدارة أوباما في حدود التحريض الخطابي للحكومة الأوكرانية. التدخل العسكري الأميركي غير وارد. أوكرانيا ليست عضواً في «الناتو». ثم أن الدخول بحرب جديدة أمر خارج قاموس أوباما.

وكذلك تسليح أوكرانيا بمعدات هجومية. فكان أن سدّد الرئيس فلاديمير بوتين عدة ضربات بدا معها أوباما وكأنه عاجز. لا وقف بوتين كان في متناوله ولا هو سعى إلى تنظيم حشد دولي وازن لدعم مبادرة حل سياسي للأزمة يضمن تقليل الخسائر.

تحدي «داعش»

ولاستكمال المشهد، جاء تحدّي «داعش» الذي تعامل معه بخطة نصفية، انتهت الإدارة إلى التسليم بعدم كفايتها. الجو وحده لا يفي بالغرض والقوات البرية أقفل الرئيس عليها الباب. لكن الظروف اضطرته للتراجع الملتوي عندما بدأ يرسل بدفعات الخبراء والمستشارين إلى العراق.

 هي استراتيجية حرب ولا حرب. تمرّ في حالة مراوحة بأحسن أحوالها. أوقفت زحف داعش. لكن هدف «القضاء» عليها مؤجل.

تعامل أوباما مع كل هذه الأزمات والتحديات بسياسة التجربة والخطاء. التراجع كان طابعها المميز. لم يتورط. لكنه أدمن على الإخفاق في التصدي. ومن هذه الناحية كانت 2014 عام خسائر صافية لرئاسته، لولا خطوته بكسر القطيعة مع نظام كاسترو والتي كفلت له موقعه في التاريخ.

إلى هاواي

غادر الرئيس الأميركي باراك أوباما وعائلته واشنطن للاحتفال بعيد الميلاد في مناخ أكثر دفئاً، حيث توجهت العائلة الأولى إلى هاواي، حيث نشأ الرئيس. ومن المرجح أن يجلب العام الجديد تحديات جديدة للرئيس الأميركي مع سيطرة الحزب الجمهوري المعارض على مجلس الشيوخ في يناير وتوسيع أغلبيته في مجلس النواب.

Email