العقوبات على موسكو غير فعّالة وكييف مطالبة بتقليل اعتمادها على الغاز الروسي والتقسيم مرفوض

خبراء يحللون لـ ( البيان ) تطورات ومستــــــــقبل الوضع في أوكرانيا

مئات آلاف المتظاهرين يحتشدون وسط كييف دعماً للتوجه نحو أوروبا خلال احتجاجات »يوروميدان« أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

استطلعت »البيان« آراء عدد من المحللين والأكاديميين المرموقين الأوكرانيين والغربيين بشأن آفاق تطورات الوضع في أوكرانيا، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، على خلفية ما حصل خلال الشهور الـ12 الماضية انطلاقاً من تظاهرات »يوروميدان« في 21 نوفمبر 2013 مروراً بالنزاع مع روسيا والعلاقات مع الغرب والجارة موسكو..

حيث ذهبت التحليلات والآراء إلى أن روسيا حققت مكاسب على المدى القصير من الناحية التكتيكية لا الاستراتيجية، وعرجت على ملف تصدير الغاز الروسي والحاجة الأوكرانية والأوروبية إلى تقليل الاعتماد عليه لمنع استخدامه سلاحاً سياسياً من قبل الكرملين. كما تطرق المحللون إلى العقوبات الغربية وتحدث معظمهم عن كونها متأخرة وغير فعّالة، رافضين جميعهم فكرة تقسيم الشرق والغرب في أوكرانيا لأنها لن تجدي نفعاً لحل الأزمة.

ويعتبر مدير قسم السياسة الداخلية في المركز الدولي للدراسات السياسية في كييف ياروسلاف كوفالتشوك أن موسكو »اختارت توقيتاً جيداً لمهاجمة أوكرانيا«. وقال: »خلال حكم الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، كان الجيش ضعيفاً وتم اختراق أركان الدولة كالوزارات وأجهزة الأمن«.

وأردف:»كما أن هرب يانوكوفيتش والعديد من الوزراء إلى روسيا ترك أوكرانيا من دون حكم عمودي، وتفاقمت الأزمة السياسية بسبب المشكلات الاقتصادية التي تشكلت بفعل الفساد المستشري«.

وأضاف: »حقيقة أن ضم القرم حصل بسلاسة يدل على أن السيناريو كان معداً سلفاً منذ فترة«. وتابع: »وعليه، يعتبر ضم القرم انتصاراً جيوسياسياً كبيراً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حصل على أراضٍ تحمل أهمية استراتيجية من دون خسارة جندي«. واستطرد: »القصة في شرق أوكرانيا مختلفة. فحينما بدأت روسيا في إشعال فتيل السيناريو الانفصالي هناك، كانت الحكومة أقوى والجيش بنى قدرة أكبر.

 كما أن سكان منطقة دونباس يعتبرون أنفسهم جزءاً من أوكرانيا«. ونوه إلى أنه »من الممكن أن تتراجع موسكو على المدى الطويل من دون مساعدة عسكرية مباشرة إلى كييف من الغرب في حال بقي الأخير متحداً ضد روسيا«.

وبخصوص ملف الغاز، قال كوفالتشوك إن »قطاع الطاقة الأوكراني وقع عقداً مع النرويج لتزويد البلاد بالغاز عبر بولندا وسلوفاكيا، كما أن بناء مصبات عائمة للغاز المسال حل ممكن، فضلاً عن إمكانية اللجوء إلى الطاقة النووية واستخدام تقنيات الحفر العميق في حقول النفط والغاز المستهلكة«.

أما بالنسبة إلى احتمالات التقسيم، فأشار كوفالتشوك إلى أن هذه المقاربة »لن تحل المشكلة لأن روسيا ستواصل زعزعة استقرار أوكرانيا حتى لو حصلت على الشرق«. وأضاف: »ليس هدف موسكو الحصول على أراضٍ هنا وهناك، بل ترغب في منع أوكرانيا من أن تصبح دولة معتمدة على ذاتها ولاعباً دولياً ينسق مع الغرب. كما أن أوكرانيا ناجحة تشكل تهديداً على النظام الروسي. ولذا، فإن مثل هذه الحلول ستمنح موسكو مزيداً من النفوذ على كييف«.

وكشف كوفالتشوك »هناك لوبي قوي مؤيد لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي، لكن الأحداث في دونباس دفعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقفٍ متحدٍ أكثر وهو ما سيؤدي إلى تغيير جذري على المدى الطويل في روسيا إن نسق اللاعبون الدوليون بشكلٍ أفضل«.

مكاسب وعوامل

بدوره، يقول زميل السياسة العامة في معهد »ويدرو ويلسون« للأبحاث في الولايات المتحدة وليام هيل إن »موارد روسيا العسكرية أكبر بكثير من تلك التي تملكها أوكرانيا، ما يعني أنه طالما أبقت موسكو على خيار دعم المتمردين، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فإنه على ما يبدو من المستبعد أن يحقق الجيش الأوكراني حلاً عسكرياً«.

وتابع: »العقوبات الغربية هدفها دفع روسيا إلى تغيير سياساتها ووقف تدخلها في أوكرانيا، وستستغرق وقتاً لكي تعطي نتيجة. أي أنه من المبكر الحديث عن فشل تلك العقوبات«. وأردف: »علينا الأخذ بعين الاعتبار أن العقوبات المعتمدة بالغة وستؤثر على الأرجح في نفاد روسيا إلى الأسواق العالمية في قطاعات مهمة. وعليه، فإن التأثير سيظهر في الأعوام المقبلة«.

واستطرد: »لربما تبدو روسيا كسبت لكنها خسرت ثقة جيرانها والأوروبيين وشركائها، فيما اتحد الناتو أكثر«. ويضيف: »العديد من زبائن شركة غازبروم الروسية بدأوا جدياً السعي إلى مصادر طاقة أخرى، كما أن الشركات الروسية ستواجه أوقاتاً صعبة. وأخيراً، يبدو الرأي العام الأوكراني متحداً أكثر من أي وقتٍ مضى في نظرته المتشككة بموسكو«.

وأوضح هيل أن »العامل الأساسي الذي يتوجب أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن استخدام الغاز كسلاح سياسي هو أن روسيا تحتاج إلى الأموال الناتجة عن مبيعات الغاز«.

ويشير هيل إلى أن »على أولئك الذين انتخبهم الأوكرانيون أن يحكموا ويسيطروا ويواجهوا القضايا الملحة من قبيل النمو الاقتصادي وملف الطاقة والفساد«، مشدداً على »ضرورة تحديد الأسعار الحقيقية لسوق الغاز المحلي ومكافحة الفساد المتغلغل منذ 23 عاماً والذي يعيق النمو«. كما لفت إلى »وجوب تفعيل حكم القانون في أرجاء أوكرانيا«.

مساعٍ وطرف

من جهته، يعتبر رئيس مركز »بينتا« لأبحاث السياسات التطبيقية في كييف فولوديمير فيسينكو أن »موسكو لم تستطع أن تحقق كل أهدافها بشكل كامل في أوكرانيا«. وقال إن روسيا »سعت إلى تدمير الدولة الأوكرانية إما عن طريق سلخ المناطق الناطقة بالروسية أو بمحاولة تغيير الصيغة التي تقوم عليها الدولة الأوكرانية عبر إضعاف الحكم المركزي وعرقلة الاتجاهات الاندماجية الأوروبية..

وهو ما لم تتمكن من فعله«. وأضاف: »لقد نجحت في احتلال بعض أجزاء أراضي مقاطعة دانيسك ولوغانسك، في وقتٍ ليس باستطاعة أوكرانيا القيام بحرب طويلة وشاملة مع روسيا الاتحادية وكذلك أكثرية الدول الأوروبية غير مستعدة لذلك«. وأردف: »وعليه، فإن أوكرانيا مجبرة على استعمال الطرق الدبلوماسية لوقف الحرب..

ولهذا يجري الحديث عن حرب غير رسمية، تلك التي تسمى في الغرب (الحرب الهجينة)«. ويلفت إلى أن كييف »نجحت في تقليل الكمية المستهلكة من الغاز الروسي بحدود الضعف بالاعتماد الجزئي على مصادر أخرى من الطاقة«..

مشيراً إلى أن فكرة إنشاء منصة بحرية للغاز السائل لم تتحقق »بسبب النزاع السياسي الداخلي والموقف التركي المتعنت الرافض لنقل الغاز المسال عن طريق مضيق البوسفور، حيث لا نستبعد أن سببه الضغط الروسي، كما أن الاستيلاء على القرم أعاق الخطط الأوكرانية المتعلقة باستكشاف حقول جديدة للغاز في البحر الأسود«.

وينوه فيسينكو إلى أن »الطرف المقابل في النزاع هو روسيا وليس الأوكرانيين ذوي القومية الروسية والناطقين باللغة الروسية«، مشيراً إلى أن »نصف السكان تقريباً في منطقة دونباس يرغبون في البقاء داخل البلاد«. وأضاف أن »75 في المئة من الأوكرانيين يعتقدون أن الحرب تدور بشكل خاص مع روسيا لأنه من دون مساعدة موسكو، فإن الانفصاليين لن يكون بمقدورهم الصمود أكثر من شهرين«.

وأفاد أن »العقوبات الغربية أتت متأخرة ولم تستطع إيقاف تصعيد النزاع، وإن لعبت دوراً كابحاً. فلولاها، كان من الممكن أن تذهب روسيا في اتجاه التدخل المباشر«.

خسارة ورد

أما نائب مدير برنامج روسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة جيفري مانكوف، فيشدد على أن »روسيا خسرت أوكرانيا باستثناء القرم«. وقال إنه »قبل عام، لم ير معظم الأوكرانيين تناقضاً بين كونهم وطنيين وفي الوقت نفسه مؤيدين لعلاقات وثيقة بروسيا«، مستطرداً: »

واليوم وبعدما قتل أوكرانيون من أجل الحفاظ على استقلال بلادهم، من الصعب تخيل أن تجد روسيا تعاطفاً من الشعب الأوكراني«. وأردف: »من المؤكد أن موسكو ألحقت أضراراً جوهرية بأوكرانيا وأبطأت اندماجها بالاتحاد الأوروبي، لكن التأثيرات على المدى الطويل لتصرفاتها ستدق إسفيناً ليس مع الاتحاد الأوروبي والغرب فحسب، بل مع أوكرانيا أيضاً«.

واعتبر أن رد الفعل الغربي »كان مخيباً للآمال، على اعتبار أن مبادئ السيادة وسلامة الأراضي على المحك في هذه الأزمة، عدا عن التشكيك بفعالية المؤسسات الغربية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو«. وقال إن العقوبات »أضرت بالاقتصاد الروسي لكنها لن تغير سلوك موسكو، فعلى الغرب أن يكون صارماً في مساعدة أوكرانيا بهدف تغيير موقف روسيا بالتوازي مع اتخاذه خطوات لتعزيز قدرة الناتو للرد على الاستفزازات«.

وأردف: »بدلاً من الاستنكار بصوتٍ عالٍ والقيام بأفعال قليلة، على الغرب أن يتحدث بنعومة ويحمل عصا كبيرة«. فعدا عن القتال في الشرق، تواجه البلاد تحديات اقتصادية جمة وتساؤلات بشأن قدرة قادتها على مواجهتها«، مضيفاً أن »نجاح قادة أوكرانيا في جعل بلادهم تقف على قدميها ستحدد كذلك الاتجاه الذي ستسير فيه روسيا أيضاً«.

وأوضح أن »انتقالاً ديمقراطياً مدعوماً من الغرب في أوكرانيا سيضع ضغوطاً هائلة على نموذج المصالح الخاصة الشمولي الموجود في روسيا وسيبرهن فشل موسكو في إثارة القلاقل مع جيرانها«..

منوهاً إلى أنه »في حال تداعي أوكرانيا، فإنه من المرجح أن يغسل الغرب يديه من الفوضى برمتها ويترك أوكرانيا كدولة فاشلة ويخلق فراغاً ستسعى روسيا إلى ملئه ويبعث رسالة أن واشنطن وحلفاءها غير راغبين في المجازفة لمنع روسيا من تحدي وضعية ما بعد الحرب الباردة في أوروبا«.

عقوبات وتقسيم

أما مدير مؤسسة »بليزر« للأبحاث في أوكرانيا أوليغ أوستينكو، فيعتبر أن العقوبات الغربية على موسكو »غير فعّالة«. ويقول إن »الروس غير قلقين من قيود السفر المفروضة على المسؤولين لأنهم يشعرون أنه عاجلاً أو آجلاً ستزال تلك الأسماء من الأوروبيين«.

وبخصوص احتمالات التقسيم، قال أوستينكو إن التقسيم »مخالف للقانون الدولي«. واستطرد: »في حال تمت مخالفة القانون الدولي بهذه الطريقة، سيكون هناك صراعات وفوضى وحروب أهلية لا عد لها حول العالم«، مضيفاً أن أي تقسيم »يجب أن يتم على أسس قانونية وبناءً على القانون الدولي«.

وشرح: »كان يمكن لاسكتلندا أن تنفصل عن بريطانيا بناءً على القانون البريطاني، وكتالونيا لم تنفصل عن إسبانيا لأن القانون لم يسمح بذلك«. وتابع: »في حال أجري استفتاء يشمل كل الأراضي الأوكرانية بهذا الخصوص، فحينها يمكن الحديث عن مثل هذا الأمر«.

وفيما يتعلق بردة الفعل الغربية على ما حصل في أوكرانيا، ذكر أوستينكو أن الرد »غير مرضٍ لأن العقوبات محدودة«. واختتم قائلاً: »الطريقة الوحيدة الفعّالة لثني الروس هي تزويد الجيش الأوكراني بمعدات فتاكة«.

القرم والغاز

بدوره، صرح مدير برنامج العلاقات الخارجية والأمن الدولي في مركز »رازومكوف« للأبحاث في أوكرانيا أليكسي ميلنيك أن روسيا »حققت بعض الانتصارات التكتيكية في أوكرانيا لكن يتعين الانتظار لمعرفة فيما إذا ستقود تلك الانتصارات إلى إنجازات استراتيجية«.

وأردف: »من السابق لأوانه إعطاء استنتاج نهائي بخصوص المكاسب الروسية«. وأضاف: »يمكن أخذ القرم مثالاً على ذلك والتي لطالما اعتبرت مصدراً للفخر الروسي وتحولت إلى مصدر تحدياتٍ عدة للاقتصاد الروسي وعلاقات موسكو الدولية«.

ويلفت إلى أن الأمر ينطبق ذاته على تورط موسكو في الصراع شرق أوكرانيا، قائلاً إن »القيادة الأوكرانية تدرك أن الحرب ستكون طويلة ومنهكة وغير متوقعة، ومن اللحظة التي يدرك فيها المرء أن الحرب واقع وليست خياراً، فمن المنطقي توقع مقاربة مختلفة جذرياً للتهديد«.

ونوه إلى أن رغبة الغرب في تجنب حرب مع الكرملين »منطقية«. ويقول ميلنيك إن »لا حل قريباً لقضية الاعتماد على الغاز الروسي«، مشيراً إلى أن الأمر »تم تجاهله من المسؤولين والأوليغاركيين الأوكرانيين لأعوام طويلة لسبب من الأسباب يعود إلى اهتمامهم الخاص بتوزيع وعائدات هذا الغاز وتكوينهم ثروات من خطوط الأنابيب الروسية«.

وذكر أن »أوكرانيا تنتج 50 في المئة من احتياجاتها من الغاز«، منوهاً إلى أن »الحكومة الجديدة في كييف نجحت في تقليل الاعتماد على الغاز الروسي من خلال الحصول على طلبيات الطاقة من دول أخرى، كاستيراد الفحم من جنوب إفريقيا«.

وأفاد أن تقسيم أوكرانيا »مقترح روسي هدفه خلق المزيد من بؤر الصراع على المدى الطويل«، منوهاً إلى أن »التنوع العرقي والديني والمذهبي في أوكرانيا كبير ومتداخل إلى الدرجة التي من المستحيل معها عزل منطقة جغرافية معينة من دون خلق مشكلة أكبر«.

وأوضح أن »المشكلات، حتى وقت قريب، لم تكن مبنية على أسس دينية أو عرقية إلى الدرجة التي تُشعل معها حرباً أهلية«، لافتاً إلى أن »عدد الناطقين بالروسية الذين يقاتلون ضد موسكو في الشرق يعادل أولئك الناطقين بالأوكرانية«.

وذكر ميلنيك أن رد الفعل الغربي »بطيء وغير كافٍ، لأن الحسابات الاقتصادية لها اليد الطولى بالنسبة إليهم على الاعتبارات الأمنية«.

نفوذ وجهوزية

من جهته، يؤكد المحلل السياسي الأوكراني إيغور سيميفولوس أن روسيا خسرت نفوذها في أوكرانيا. ويقول: »قبل عام، كانت البلاد منقسمة إلى شطرين ويحكمها رئيس موالٍ لموسكو بصدد توقيع اتفاقية اقتصادية معها، فضلاً عن تحكم الروس حتى بالأجواء الأوكرانية وبالإعلام الذي كان يقدم وجهات نظر مطابقة لما يمليه الكرملين«.

وتابع: »اليوم، أجرينا انتخابات رئاسية وبرلمانية ونحن أمة واحدة تمتلك جيشاً موحداً وراءه شعب يؤيده بعد عقدين طالبنا فيهما على الدوام بوجود مثل هذا الجيش. لذا، على الرغم من خسارة الأراضي، فإن روسيا فقدت نفوذها في أوكرانيا والحبل على الجرار«.

ويلفت إلى أن »عملية بناء محطات غاز مسال جارية على قدم وساق حالياً في مقاطعة أوديسا«، منوهاً إلى »أهمية تطبيق سياسات طاقة فعّالة وتنويع مصادر استكشاف الغاز«. كما قال إن »التقسيم غير مجدٍ لأن مسألة الشرق والغرب في أوكرانيا جغرافية وليست جيوسياسية وهوية سكان المنطقتين متطابقة والناطقين بالروسية يدافعون عن بلادهم تماماً كما الناطقين بالأوكرانية«.

واختتم مشيراً إلى أن ردة الفعل الغربية تجاه الأحداث في بلاده »يعوزها الجهوزية، لكن أي انخراط غربي في الأزمة الأوكرانية سيقود إلى ازدياد حجم تكلفة الصراع وهو ما سيؤدي إلى جعل أي انتصار ثميناً«.

مناطق وسلاح

بدوره، اعتبر المحلل السياسي في معهد التعاون الأوروبي الأطلسي في كييف فولوديمير غورباتش أن هدف روسيا في أوكرانيا هو »إجبار القوى الغربية على التفاوض مع موسكو على تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ«، مضيفاً أن الكرملين »نجح في إخافة العالم من دون أن يفرض إرادته على أوكرانيا«.

وأفاد أن »الجيش الأوكراني يواصل عملياته والدول الغربية فرضت عقوبات تدريجية على روسيا وتتحدث إلى الكرملين ليس عما يريده أو بالطريقة التي يريدها«. وقال لـ»البيان«: »خلال عام، كسبت روسيا بعض النجاحات التكتيكية لكن ليس استراتيجياً«..

موضحاً أن »التهديدات باستخدام القوة العسكرية واستخدام الغاز سلاحاً سيبقيان أسس السياسات الخارجية الروسية«. وذكر غورباتش أن »تقسيم أوكرانيا لن يجلب السلام إلى العالم، لأن أهداف موسكو التوسعية لن تتوقف في أوكرانيا«.

باحث في (شاتام هاوس) : أوكرانيا تهم موسكو أكثر من الغرب

أكد المحلل المتخصص بالشؤون الروسية في معهد »شاتام هاوس« للأبحاث في بريطانيا جون لو أن »الغرب عجز عن منع روسيا من ضم القرم أو مساعدة الانفصاليين في الشرق«، مضيفاً أن صراع موسكو وكييف لتحديد وجهة أوكرانيا »لا يزال بعيداً عن خط النهاية«.

ولفت لـ»البيان« إلى أن »أوكرانيا تهم روسيا أكثر من الغرب، فلو صوتت أغلبية الأوكرانيين للاصطفاف إلى جانب روسيا، فإن الغرب لن يقف في وجههم«، منوهاً إلى أن »أغلبية الأوكرانيين تريد أن تخط طريقاً يختلف عما تعرضه موسكو، وهو ما يشكّل جذر المشكلة، وعلى الغرب ألا يتجاهل الأمر لأن له تأثيرات في أمن دوله«. وأردف:

»وسّعت روسيا نفوذها على أجزاء من أوكرانيا، لكنها أضرت بعلاقاتها مع الغرب، وتدفع اليوم ثمناً مالياً لذلك، بسبب العقوبات التي تؤلم الاقتصاد الروسي، ولربما نجحت في إيقاف الكرملين من إثارة القلاقل أكثر فأكثر في أوكرانيا«.

وشدد لو على أن »التقسيم ليس حلاً بسبب التعقيدات الداخلية، وأية محاولة للتقسيم ستثير صراعاً بنطاق أوسع مما نشهده اليوم«. واعتبر أن »الغرب استجاب بقوة أكبر مما يتصوره البعض، لكن عليه أن يقرر إلى أي مستعد للمضي قدماً لدعم إصلاحــات كييــف؟، فالاقتصاد الأوكراني في حالة سقوط حر، ومن الواضح أن مساعدات أكبر حاجة ملحة«.

وأضاف أن »الغرب رأى فجراً وهمياً في 2004 خلال الثورة البرتقالية، فالقادة الأوكرانيون حينها لم يحققوا الإصلاحات الموعودة، والدول الغربية تريد أن ترى إشارات تطور ملموسة في الطريقة التي تحكم من خلالها أوكرانيا«.

واختتم قائلاً: »في حال لم يتحقق ذلك خلال فترة معقولة، فإن دعمهم سيقل، والقيادة الأوكرانية تعلم ذلك، وتدرك أيضاً أن الناخبين سيمنحونها وقتاً أقل من الحكومات الغربية«.

عقوبات

طبقت الدول الغربية حزماً عدة من العقوبات على روسيا على خلفية الأحداث في أوكرانيا. وكانت الوجبة الأولى من العقوبات في مارس الماضي إثر ضم شبه جزيرة القرم. وانضمت دول أوروبية إلى الخطوة، بشكلٍ غير متوقع، مثل الجبل الأسود وألبانيا وآيسلندا.

شبح الحرب الباردة يلوح مجدداً

 لا يكاد يمر يوم من دون تسجيل تصعيد وتراشق في التصريحات والتصريحات المضادة بين روسيا والدول الغربية على خلفية تفاقم الأزمة الأوكرانية وفي ظل التسارع الدراماتيكي للأحداث على الأرض خلال الأسابيع الماضية، وهي حالة يقرأ المتابعون فيها شبه عودة لأجواء الحرب الباردة ولكن في ظل ظروف سياسية واقتصادية دولية تختلف عما كان الحال عليه في السابق.

وعلى الرغم من ذلك، يبقي الجانبان الروسي والغربي باب الحوار مفتوحاً بصرف النظر عن حدة لهجتهما وهو ما كان واضحاً من كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال في العاصمة البيلاروسية مينسك إن أحداً لا يتوقع حدوث قفزة نوعية على صعيد التسوية في أوكرانيا بعد زيارة وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى موسكو وسط آمال عبر عنها لافرورف في أن تسعى برلين إلى إيجاد حل متزن للأزمة الأوكرانية وأن لا تتجاوز في المقابل روسيا والاتحاد الأوروبي نقطة اللاعودة في علاقاتهما.

علاقات وطرد

وتعقيبا على انتقادات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لسياسيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي قالت فيها إن روسيا تضرب القانون الدولي بعرض الحائط وما عبرت عنه من عدم الرغبة في إعادة إحياء حقبة ألمانيا الشرقية التي كانت خاضعة لسطوة موسكو، قال الخبير والمحلل السياسي فيكتور ليتوفكين إن برلين لا تريد أن تخسر منطقة نفوذ مهمة..

وهي تجد نفسها في موقف محرج بعد خسارة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا لأراضيها وأنها لا تريد للسيناريو نفسه أن يتكرر.

ولم يستبعد الخبير نتيجة لذلك تصاعد الوضع والعودة إلى أجواء الحرب الباردة التي بدأت بوادرها بالظهور من خلال العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو وقيام الأخيرة باتخاذ إجراءات مضادة كان آخرها طرد عدد من الدبلوماسيين البولنديين والألمان على الرغم من حالة من التشعب والتعقيد شابت دوافع اتخاذ هذه القرارات ولكنها تأتي في مجملها في إطار العلاقة المتوترة بين موسكو والغرب.

تدهور ومطالب

ويرى مراقبون أن تدهور علاقات موسكو مع الغرب والاتحاد الأوروبي على وجه التحديد يجعل من السابق لأوانه التكهن بالمدى الذي ستصل إليه هذه العلاقات، غير أنهم لا ينفون حقيقة مفادها بأن هذه العقوبات سيكون لها ثمن باهظ يدفعه الطرفان الروسي والغربي. فروسيا، كما يقول المراقبون، عبرت منذ بداية الأزمة عن موقفها.

فهي ترفض التهم بشأن تورطها في أوكرانيا وترفض الطلب من الغرب وقف العقوبات التي فرضها عليها وهو موقف عبر عنه أخيراً رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف على الرغم من تأكيده رؤية موسكو لطبيعة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي الذي تعتبره شريكاً اقتصادياً كبيراً ومهماً.

تحذيرات

 تتوافق روح الأجواء الحالية بشأن الأزمة الأوكرانية مع تحذيرات أطلقها متابعون من أن تؤدي مساعي الغرب إلى إعادة تشكيل جذرية في العلاقة بين الجانبين سيكون من الصعب التكهن بما ستحمله مستقبلاً لكل الأطراف المعنية وسط حالة من الاحتقان تشهدها المنطقة حالياً.

450

 تتشكل الأغلبية في البرلمان الأوكراني (المجلس الأعلى) بحصول أي حزب أو ائتلاف أحزاب على 226 مقعداً من إجمالي 450. وحالياً، فإن كتلة الرئيس بيترو بوروشينكو تمتلك الأغلبية بـ132 مقعداً مقابل 82 لكتلة رئيس الوزراء آرسيني ياتسينوك.

500

 يقدر متوسط دخل الفرد في أوكرانيا بنحو 500 دولار أميركي (الدولار يعادل نحو 15 غريفني). ويعتبر خبراء أوكرانيون أنه يجب ألا يقل متوسط دخل الفرد هناك عن 1000 دولار، أي ضعف المعدل الحالي، في ظل التضخم الذي تشهده الأسعار في البلاد.a

52

 يبلغ عدد الأحزاب السياسية في أوكرانيا التي قدمت مرشحين في انتخابات أكتوبر الماضية التشريعية 52. ويتوجب الحصول على نسبة خمسة في المئة من أصوات الناخبين لدخول البرلمان. وتتنوع توجهات الأحزاب من موالٍ لروسيا إلى غربي التوجهات بصبغة قومية.

1991

 نالت أوكرانيا استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في 24 أغسطس 1991. وتأسست العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة العام 1992، فيما تجاوزت قيمة التبادل التجاري الأوكراني الإماراتي مبلغ نصف مليار دولار، وتتنوع العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة.

80 %

 تبلغ نسبة الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا عبر أوكرانيا 80 في المئة. ونشبت أزمات غاز عدة بين كييف وموسكو في الأعوام الأخيرة. وتوصلت أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي قبل ثلاثة أسابيع في بروكسل إلى مخرج مؤقت للخلاف حول تسليم الغاز الروسي يضمن إمدادات كييف وكذلك أوروبا قبل فصل الشتاء.

Email