تباين أهداف روسيا وأميركا ساهم في انهيار وقف إطلاق النار

جهود كيري بشأن هدنة سوريا لم تنقذها من الفشل

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر هدنة وقف إطلاق النار في سوريا، الموقعة بجهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد مفاوضات دامت أسبوعاً مع روسيا، مسعى مقدراً لإحلال نوع من السلام في الأرض المحروقة. إلا أنها حكم عليها بالفشل، على الرغم من مواظبة كيري وحماسته المكرسة في إتمام الصفقة.

ولم يبغ عدد من الأطراف، بدءاً بقوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وصولاً إلى مليشيات فرع القاعدة، دوام هذه الهدنة فعلاً. ولا يتضح تماماً ما إذا كان هناك طرف يستطيع فعلاً منعها من الإطاحة بالاتفاق نهائيا، بما في ذلك إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي تعهدت بعدم التورط عسكرياً على الأرض.

و كان من شأن هذه الخطوة، أن تحقق إنجازاً دبلوماسياً استثنائياً، لا سيما في ظل النفوذ الأميركي المحدود في الآونة الأخيرة.

فرص نجاح ضئيلة

غير أن المسعى لم يحظ بفرص كبيرة للنجاح لأسباب كثيرة، أبرزها أن القوتين العظميين المنخرطتين في الصراع، أي روسيا وأميركا، على الرغم من رغبتهما في الهدنة، إلا أن أهدافهما الأساسية متباينة. فكيري يريد دفع الأطراف جميعاً إلى المفاوضات، سعياً لتشكيل حكومة سورية جديدة، تسهل خروج الأسد من السلطة. في حين أن روسيا، التي أرسلت قواتها وطائراتها إلى سوريا العام الماضي لتعزيز موقع الأسد، تريد تثبيت وضع الحكومة القائمة.

أما الأسد، فلا يريد التمسك بالسلطة وحسب، بل يسعى لاستغلال هدنة وقف إطلاق النار، لتحسين مواقعه العسكرية والدبلوماسية. وهذا ما فعله تماماً بمساعدة الروس، خلال عمليات وقف إطلاق النار السابقة.

وكان قادة المعارضة يأملون كذلك أن تضع الهدنة حداً لحصار الحكومة لمعقل المعارضين في حلب، التي تعتبر إحدى أكبر مدن سوريا، إلا أنهم يخشون من تأثيرها الأوسع نطاقاً، والمتمثل بإضعاف قواتهم وتعزيز قوة الحكومة.

وقد سبق لـ «داعش» وجبهة فتح الشام، أن رفضا الهدنة، وقد عملا على تقويضها، لتفادي أن يصبحا هدف الضربات الجوية الوحيد.

معوقات عملية

واعترت نجاح الهدنة معوقات عملية أيضاً، تبدأ بالسؤال عن كيفية فرضها.

وقال روبرت فورد، السفير الأميركي السابق لدى سوريا في هذا الإطار: «لا بد من أجل نجاح هدنة وقف إطلاق النار، من وجود فريق مراقبة على الأرض».

أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه، فيتعلق بانتهاكات قوات الأسد للهدنة. وقد حذّر فريديريك هوف من المجلس الأطلسي في معهد الحريري لدراسات الشرق الأوسط: «ليس هناك ما يجدي في ظل غياب الخطة البديلة». وأضاف أن هناك خطراً آخر على المدى البعيد، مؤكداً أنه إذا نجحت أميركا وروسيا في هزيمة جبهة فتح الشام، فما الذي سيمنعهما من ردع حكومة الأسد عن إعادة بدء الحرب على المعارضة الأضيق نطاقاً والأضعف عوداً؟

ولا يوجد، أخيراً، أي مسار واضح لتحقيق نجاح مهمة إحلال السلام التي بدأها كيري، حتى لو حضرت الحكومة والمعارضة، المفاوضات. وقد علق فورد على المسألة بالقول: «القول بأننا سنجمع الأطراف كافةً حول طاولة المفاوضات، لا يعكس استراتيجيةً في الواقع، لا سيما أن العملية ستستغرق وقتاً أطول، والمعارضة ستحتاج لجرعة أكبر من الدعم».

إلا أن كيري يستحق الثناء على الجهد الذي بذله في سبيل إطلاق عجلة وقف إطلاق النار. وإذا كان قد قدّر للهدنة أن تستمر، وللمساعدات الإنسانية أن تتدفق، فقد كان يمكن أن يتفادى أوباما إنهاء عهده الرئاسي بسياسة حيال سوريا، تشكل رمزاً للإخفاق المتواصل.

كانت خطة السلام ترتكز بقوة على سلعتين نادرتين، أولاهما، حكمة الفصائل المسلحة في سوريا، وحسن نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويفتح هذا المجال للعودة إلى إحدى القواعد القديمة الشرق الأوسط، القائلة بأنه من الصعب أن تخسر الرهان، إذا عوّلت على التشاؤم.

آلية عمل

من المقرر أن تسير آلية الاتفاق الذي أسفرت عنه مفاوضات كيري مع نظيره الروسي سيرجي لافروف على النحو الآتي: يفترض بالحكومة السورية والمقاتلين المعتدلين وقف الاقتتال في ما بينهم. إذا صمدت الهدنة، فإنه يتوقع أن تقيم كل من روسيا وأميركا مركز عمليات مشتركاً، للتنسيق بين عناصر القوات الجوية في الهجمات ضد «داعش» وجبهة فتح الشام.

وسيكون مطلوباً من القوات الجوية السورية التوقف عن مهاجمة مناطق سيطرة المعارضة، كما سيتم فتح المعابر للسماح بوصول قوافل المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة . ويتبع كل ذلك أن تبدأ الحكومة والمعارضة مفاوضات تفضي لوضع حدٍّ نهائي للحرب.

Email