استقرار المدينة بعد «داعش» يمهد الطريق لتحرير الرقة والموصل

تحرير منبج كسر لجمود المشهد السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل الصراع ضد تنظيم «داعش» مرحلة جديدة، وقد استعادت قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، 50 في المئة من الأراضي التي احتلها «داعش» في كل من العراق وسوريا عام 2014، إلا أن حالة من الجمود تطغى على الجبهة السياسية، وتعوق مساعي استعادة النصف الآخر من المناطق الراضخة لسيطرة التنظيم.

غير أن منبج، تلك المدينة الواقعة شمالي سوريا، والتي تحررت أخيراً من قبضة التنظيم، شكلت فرصة لإنهاء حالة الجمود هذه. ويمكن لأميركا أن تقدم منبج كمثال يظهر طبيعة الحياة بعد «داعش» بالنسبة للملايين، الذين لا يزالون يعيشون تحت نير هذا التنظيم. وإذا حصل ذلك، فإن الطريق إلى الرقة والموصل، سيكون أسهل وأقصر.

تعويض عن الإخفاقات

ويظل تحرير منبج، على الرغم من المخاوف، خبطةً نادرة في الحرب على «داعش». ويمكن أن تكون أكثر من ذلك، إذ قد تساعد في التعويض عن إخفاقات إنشاء صيغة سياسية لحكم المجتمعات الخاضعة لسيطرة التنظيم. شكلت منبج أحد المعاقل الأساسية القوية للتنظيم، والمدينة الملجأ التي احتضنت مئات آلاف المدنيين الفارين من عنف النظام في حلب، واضطهاد التنظيم في شرقي سوريا. وإذا تحولت حصناً للحوكمة الجيدة، فقد تشكل قصة نجاح مدوية، يتردد صدى استقراراها وتوفيقها، نظراً لأهميتها، بعيداً، وعلى نطاق واسع.

كما يسهل تحويل منبج إلى نموذج للنجاح، لأنها، وخلافاً لغيرها من المناطق، ليست مثقلةً بالصراعات، وتشهد عودة النازحين الذين يعتبرون أقل تشدداً وتمترساً خلف الجبهات السياسية والفصائلية. وتشكل، بوصفها نموذجاً ناجحاً يحتذي به من يعيشون تحت سيطرة «داعش» اليوم، مهمة واضحة نسبياً لقوات التحالف بقيادة أميركا.

وتعدّ الجبهة السياسية للقتال ضد «داعش»، محصّلة مباشرة لمحاباة واشنطن منطق المكاسب العسكرية. ويمكن القول اليوم، إن الجمود السياسي يحمل أهميةً أكبر مما كان يحمل سابقاً.

ففي الموصل، على سبيل المثال، تتنافس العديد من الأحزاب للعب دور مركزي في معركة تحرير المدينة، حيث الحكومة العراقية لا تزال منقسمة على نفسها، وعلى خلاف في الواقع مع حكومة إقليم كردستان، وتركيا وأميركا. غير أن الفصائل التي تقع على طرف خلاف مع حكومة إقليم كردستان، كالمليشيات الموجودة في سنجار، تسعى للمشاركة لضمان نفوذها في المناطق الواقعة على الحدود مع سوريا.

غياب الإطار السياسي

ولا ينبغي، من هذا المنطلق، التطلع إلى الموصل من زاوية عسكرية وحسب. ويشير بعض المحللين، من أمثال زيد العلي، إلى أن عودة الموصل لأحضان الحكومة، سيكون أسهل من الفلوجة، ذلك أن عدداً من مواطنيها كانوا موظفين رسميين في مدينة كانت تتمتع بتنوع ثقافي قبل سيطرة التنظيم. غير أن إطار العمل السياسي الذي قد يضمن نشوء جبهةٍ متماسكة لتحرير الموصل، غائب كلياً، وهو أمر خطير، يجعل من تحرير المدينة تحدياً سياسياً، أكثر منه عسكرياً، دون أن يعني ذلك أن الناحية العسكرية ليست إشكالية عظمى بذاتها.

ويزيد الأمور سوءاً، غياب الحافز القوي الذي كان لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قبل سنتين لمهادنة السنة. وتبدو الإصلاحات السياسية التي لقيت صدى كبيراً عام 2014، أقل أرجحية للتحقق اليوم. ويذكر أن العبادي يواجه اليوم أزمةً سياسيةً في بغداد، ويشعر بضغوط أكبر تدفعه لمهادنة مليشيات الشيعة وقادتهم أكثر من السنة والأكراد. وقد أعلن، أخيراً، عن خطة لدمج المليشيات المدعومة من إيران في قطاعات الحكومة.

يسهل كثيراً عدم إدراك طبيعة تهديد «داعش»، علماً بأن هزيمة التنظيم عسكرياً، لن تتكفل وحدها بحلّ الأزمة. فعلى الرغم من نزعة المبالغة في مقاربة مكاسب التنظيم العسكرية، والتحفظ على حقيقة الحملة التي تستهدف «داعش»، فإن الوضع يعتبر أكثر سوءاً على المستوى السياسي الاجتماعي. التنظيم يخسر الأراضي صحيح، لكن خصومه ليسوا في حال أفضل.

إذا حقق خصوم محددون المكاسب، فإنهم يولدون مجموعة جديدة من المظالم، التي يستفيد منها المتشددون بالقدر عينه. وإن كان لنا أن نتفادى هذا النمط، فلنبدأ من منبج.

معضلة

تشكل حملة طرد «داعش» من منبج ثاني أكبر العمليات العسكرية وأخطرها على وحدات حماية الشعب الكردي، بعد معركة بلدة عين العرب عام 2014. إلا أن المعضلة التي تواجه الوحدات في منبج، تتمثل في كون المدينة ذات طابع عربي خالص، قد لا يسمح للوحدات بحكمها بالطريقة عينها التي استخدمها في بلدات أخرى تحررت على يدهh.

وسطّر القادة الأكراد اعتراضهم على الحملة التي دامت طويلاً، وأسقطت عدداً من القتلى في صفوفهم.

ويتوقع الأكراد، بما أنهم قادوا معركة منبج وخسروا العديد من العناصر، أن يتولوا الحكم فيها. وقد سبق لتركيا والمعارضة السورية التحذير من محاولات الهيمنة الكردية.

Email