عملية جرابلس تؤسس لتعاون أميركي تركي وتشكل توازن قوى عربياً كردياً

حقائق وراء دخول تركيا على خط الحرب السورية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حصلت الولايات المتحدة، أخيراً، على حليف عسكري محترف في مواجهة تنظيم «داعش» في سوريا، حيث ستحدد التطورات شكل الحرب على التنظيم المتطرف لصالح واشنطن.

سيما أن الهجوم الذي قادته تركيا على بلدة جرابلس شمال سوريا الخاضعة لسيطرة «داعش» منذ عامين ونصف العام قد أسفر عن استعادة البلدة، أخيراً، في معركة خلت من المقاومة بشكل ملحوظ.

ودخلت تركيا، في الآونة الأخيرة، على خط الحرب السورية بشكل مباشر للمرة الأولى، فأرسلت الدبابات والقوات الخاصة لدعم هجوم مقاتلي المعارضة على معقل التنظيم الوحيد المتبقي على الحدود التركية. وساندت الطائرات الأميركية الهجوم، وأمنت الدعم الجوي عن قرب ضد أهداف «داعشية»، في مؤشر يدل على دعم أميركي للتدخل التركي.

دوافع خاصة

كل طرف في العملية على جرابلس خاض القتال لأسباب خاصة به، فتركيا قد سعت حتماً لإضعاف التنظيم، الذي قصف الأراضي التركية، ونفّذ سلسلة من الأعمال الإرهابية. والأهم من ذلك أن أنقرة ردّت ولو متأخرةً على سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على مناطق في شمال سوريا.

ويرمي الحزب بذلك إلى توصيل «الكانتونات» ببعضها لإقامة منطقة كردية متاخمة للحدود التركية. وأعرب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أخيراً، عن رفض تركيا إقامة كيان كردي على حدودها.

ويبدو أن زخم قوات سوريا الديمقراطية المتنامي قد بدل حسابات أنقرة، وأدى إلى عملية جرابلس، علماً بأن تركيا كانت تقاتل حرباً بالوكالة عبر المقاتلين للتخلص من «داعش» في المناطق الحدودية واستباق توسع قوات سوريا الديمقراطية، باستغلال الميليشيات المحلية.

أعمال مدعومة

وتشكل عملية جرابلس بالتالي ذروة التكيف التركي الاستراتيجي، وأطماع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وحماسة أميركا لتوسيع عملياتها ونطاق شركائها ضد تنظيم «داعش». ويمكن لتركيا أن تترك البلدة بأيدي المقاتلين، علماً بأنها قد تختار الإبقاء على جنودها للدفاع أو التصدي لأي اعتداء مضاد للتنظيم. وإذا تمكنت تركيا وحلفاؤها من الاحتفاظ بجرابلس.

فقد تستخدمها كمنصة انطلاق نحو المزيد من أعمال مدعومة ضد المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش». ومن شأن ذلك أن يؤسس لشراكة جديدة بين تركيا وعدد من مقاتلي المعارضة بدعم أميركي.

وتنطوي تلك الديناميات على مضاعفات تتعلق بالحرب في شمال سوريا. إذا أنها قد تثير، في المدى المنظور، التوتر بين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تضطر أميركا إلى إدارته وإدراجه في إطار استراتيجية مناهضة «داعش». أما فيما يتعلق بالتوازن، فلا تملك واشنطن من الخيار سوى احتضان أنقرة، حليف «ناتو»، والوقوف بجانبها ضد ميليشيا معادية لها.

وسيمنح التحالف مع تركيا القوية كشريك في القتال ضد التنظيم واشنطن نفوذاً أكبر تمارسه على حلفائها الأكراد، وقد أهاب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، من أنقرة، أخيراً، القوات الكردية بالانسحاب من مناطق تمتد غرب الفرات، التي يأمل المقاتلون المدعومون من تركيا التوسع نحوها.

كما لن تحظى القوات الكردية بخيارات كثيرة، مما سيجبرها على الامتثال، بدلاً من المخاطرة بخسارة دعم أميركا العسكري. وقد يؤدي وقف التوسع الكردي بالتالي إلى التخفيف من حدة التوترات التركية الكردية، طالما أن الولايات المتحدة تشارك في الحرب.

ويمكن الاستفادة من عملية جرابلس بوصفها الأسس التي ترسي ركائز التعاون الأميركي التركي المطلوب، وتسهل إقامة توازن قوى عربي كردي شمال سوريا، وتعزيز الحرب بشكل جوهري ضد تنظيم «داعش». ومن شأن التقارب بين أنقرة وواشنطن، إذا استمر، أن يتيح تأمين المنطقة الحدودية.

لكنا إذا توجهنا جنوباً، فنجد أن الأمور أكثر تعقيداً، سيما في ظل اشتباك المقاتلين مع قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والنظام السوري. وسيكون لزاماً على الجهات الخارجية الداعمة لتلك الأطراف أي كل من تركيا وأميركا وروسيا وإيران العمل بجدية للحيلولة دون أي تصعيد.

أما في المرحلة الراهنة فبإمكان واشنطن أن تستفيد كثيراً من حماسة أنقرة المستجدة ضد «داعش».

تغيير

أعلن المقاتلون النصر بعد ساعات قليلة على خوض عملية جرابلس، دون أن يتعرضوا لخسائر كبيرة في الأرواح، أما تركيا فقد حققت مبتغاها المباشر سريعاً بالسيطرة على البلدة الحدودية،.

ومن المحتمل أن تطلق الحملة نفسها حقبة جديدة من التعاون التركي الأميركي في سوريا، علماً أن الدوافع وراء دخول أنقرة مباشرة على خط الحرب السورية لا تتوافق تماماً مع مصالح واشنطن، بل وتتعارض بشكل مباشر مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الحليف لأميركا في حربها ضد «داعش» والإرهابي بنظر تركيا.

عموماً، فإن الأحداث الأخيرة تسطّر تغييراً للأفضل بالنسبة لأميركا وتحالفها مع تركيا، وحربها على التنظيم.

Email