الانقلاب كاد أن يفرض على أنقرة الفوضى والعنف

استقرار تركيا مصلحة إقليمية لجميع الأطراف

أردوغان اتخذ خطوات جذرية لتحسين علاقات بلاده مع الجوار

ت + ت - الحجم الطبيعي

أرسلت محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، أخيراً، موجات اهتزازية عبر البلاد، وإلى جميع أنحاء العالم. وكانت التحركات المؤدية إلى هذا التطور الدراماتيكي تتقدم منذ بعض الوقت في تلك الدولة الحيوية في الشرق الأوسط، وكان من المتوقع حصول شكل من أشكال التحرك بالتأكيد. وقد أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دراسة الأوضاع، بعد أن صارت خطورتها بادية للعيان، فاتخذ خطوات جذرية للتصالح مع موسكو وتل أبيب، وأرسل إشارات مماثلة إلى سوريا ومصر.

لكن إذا كانت هذه التدابير قد جاءت في وقتها المناسب للتعامل مع السياسة الخارجية، فقد احتاجت الجبهة الداخلية لبعض الاهتمام الذي طال انتظاره أيضاً. فهل كانت إجراءات التصحيح التي اتخذها الرئيس متأخرة كثيراً على منع الانفجار أم أن الانقلابيين شعروا بالقلق من أن تحسناً كبيراً في الوضع السياسي قد يحرمهم من فرصة التحرك في اللحظة المناسبة؟

مهما يكن الأمر، فقد تحركت الوحدات العسكرية بهدف إسقاط الحكومة المنتخبة ديمقراطياً، والاستيلاء على السلطة بالقوة، غير مدركة بشكل واضح، لواقع أن زمن هذا النمط من المغامرات العسكرية قد ولى منذ فترة طويلة. وكان أول ما قفز إلى الذهن مع ورود التقارير الأولى للانقلاب الخوف من أن تكون الفوضى الإقليمية المنتشرة بسرعة تتحرك الآن باتجاه تركيا، ما يعني أن المنطقة لم تشهد الأسوأ بعد.

لو نجح الانقلاب، لكانت حلت دكتاتورية عسكرية محل الإدارة القائمة، ليس هذا فحسب، بل كان من الممكن أن يقحم تركيا في فترة طويلة من الغموض وعدم الاستقرار السياسي والعنف المميت، وهو آخر شيء تحتاج إليه تركيا ومنطقتنا، أو هي على استعداد للتعامل معه.

فشل الانقلاب، لكن ليس قبل أن يحصد عدداً كبيراً من الأرواح البشرية والأضرار. وأثناء عملية التطهير التي تلت، كان يجب احتساب المزيد من التكاليف الباهظة. ومن الواضح أنه ستكون هناك عواقب أخرى على المدى الطويل.

من البداية، اجتمعت عوامل عدة لإجهاض محاولة الانقلاب. ومن خلال الاستجابة الفورية لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للنزول إلى الشارع والتصدي للجنود المتمردين، فإن الشعب التركي شكل تحدياً جدياً وعفوياً غير مهادن للدبابات التي حاولت قطع الجسور واحتلال المباني الحكومية والمطارات والميادين الرئيسية في المدن التركية الرئيسية، وأجبر الجنود على التخلي عن دباباتهم وأسلحتهم والاستسلام.

وفي مواجهة عزيمة الشعب، سرعان ما أدركت طواقم دبابات الانقلاب أن قوة إرادة المواطنين العزل كانت أكثر فعالية بكثير من بنادقها. ولهذا السبب لم يبق أمامها إلا خيار التخلي عن مهمتها من دون أدنى مقاومة.

العامل المهم الآخر، كان حشد أحزاب المعارضة ووقوفها إلى جانب السلطة، إضافة إلى الرئيس التركي السابق عبدالله غول، ووزير الخارجية السابق أحمد أوغلو.

عامل ثالث على قدر مماثل من الأهمية، تمثل في حزم الحكومة التركية. فقد تمكن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، وغيره من أعضاء الحكومة من إيصال أصواتهم، برغم منعهم من إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام الرسمية لفترة وجيزة، منددين بالانقلاب، ومحذرين من العواقب. لكن الأهم كانت تطميناتهم للشعب التركي بأن الحكومة تعمل بشكل طبيعي، وبأن الانقلاب مصيره الفشل، كما حصل بالفعل.

وقد أرسل العزم الذي أظهرته جميع مكونات النظام التركي رسالة واضحة إلى مجموعة الانقلابيين بأن المغامرة التي أساؤوا حساباتها كانت خطأ ومغامرة كارثية بلا شك.

وباتباع الخطوات الأولى التي اتخذتها بعض وحدات الجيش بهدف وضع الانقلاب موضع التطبيق، كإعلان الأحكام العرفية وحظر التجول، فإنه سرعان ما تبين أن بعض الفصائل في الجيش كانت متورطة، بينما إلى حد كبير، باقي فرق الجيش، والشرطة والمخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى، كانت في الواقع بشكل كامل ضد المتمردين. وكان هذا أيضاً عاملاً حاسماً في هزيمتهم.

ونحن لم ندرك بعد النطاق الحقيقي للانقلاب، فيما تتكشف الأحداث. وسوف تكون عملية التطهير جذرية وقاسية، ومن غير المرجح أن تترك الحكومة أي جزء من الإدارة، مع التركيز بوجه خاص على الجيش، من دون أن يجري التحقيق في وضعه بدقة.

تداعيات

من غير المرجح أن تترك الحكومة أي جزء من الإدارة، من دون أن يجري التحقيق في وضعه بدقة.

إذا لم يتم تنفيذ عملية التطهير في تركيا بأقصى درجات الإنصاف والعدالة والحيادية الخالية من مشاعر الغضب، فإنها قد تولد مشاعر إحباط جديدة وأعداء جدداً.

وعلى الرغم من استيعاب أحداث الانقلاب، ووضعها عند حدها بسرعة، فإنها ما زالت تشكل صدمة كبيرة جداً، وسوف يستغرق الأمر سنوات قبل أن تعود الأمور إلى مجاريها.

ومن باب التفاؤل الكبير الاعتقاد بأن الأسوأ قد مر في تركيا، بل يمكن أن تحدث مشكلات في أي وقت من الأوقات.

Email