أوساط تؤكد وجود مخطط لحرب ضد موسكو في سوريا

هواجس روسية من غايات واشنطن وقف اطلاق النار

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتضح، من خلف غمامة الشك والارتباك التي تحيط بسوريا، معالم مشهد يتراءى معه لمن يتمتعون بقوة البصر والبصيرة مسار التحرك الجلي الذي تعدّ له كل من إيران وروسيا والحكومة السورية.

وتتخبط روسيا في جدال داخلي حول مدى اهتمام أميركا بالتوصل إلى تفاهم ودي أو رغبتها بتوريط روسيا أكثر وحسب، لتتمخض النتيجة عن مزيد من الشك، حيث تشعر روسيا بالريبة إزاء الدرع الصاروخية الجديدة التي نشرها حلف «ناتو» في كل من بولندا ورومانيا، كذلك حيال التدريبات العسكرية التي تجرى بالقرب من حدودها، وتشك في طبيعة التحركات التي قيل إنها دفاعية بالكامل.

ولا تزال إيران، في غضون ذلك، تمعن في دراسة حيثيات الاتفاق النووي مع أميركا.

مكيدة أخرى

أما في دمشق فلم يصدق أحد يوماً أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير يرادف فعلياً وقف الأعمال العدائية، ويتفق العديد من السوريين العاديين مع حكومتهم على اعتباره مجرد مكيدة أميركية أخرى، ويحضون على مسايرتها لتحرير حلب.

ويفاقم الشعور بخديعة الغرب ظهور تقارير حول نشر أميركا وألمانيا وفرنسا وربما بلجيكا قواتها الخاصة في شمال سوريا، في انتهاك لسيادة البلاد لا يبدو مؤقتاً. وفي جميع الأحوال لا نبالغ في القول إن الشك حيال دوافع الغرب يخيم على الأجواء، سيما بعد إعلان وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر عن زيادة فرص دخول «ناتو» على خط الاشتباكات.

وكتب بات لانغ، الباحث الرئيسي السابق في وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، أخيراً يقول: «من الواضح أن الروس اعتقدوا أنهم يستطيعون عقد اتفاقية نزيهة مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والرئيس الأميركي باراك أوباما. وقد أخطأوا الظن، فأميركا قد دعمت المتشددين من جبهة النصرة، ولم توافق على الهدنة، إلا لأنها فرصة لإعادة رصّ الصفوف وإعادة التزود بالأسلحة وإعادة تموضع القوات. لا شك في تورط أميركا في المكيدة. وهو أمر أدركته روسيا من خلال التجربة».

وتشير كل تلك التطورات إلى تجدد ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري هذا الصيف، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد لا يكون راغباً بالقيام بأي خطوة قبل نهاية القمة الأوروبية المقبلة، كما أنه لن يحبّذ أن تحتل روسيا الحيز الأكبر على أجندة الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولا يمكنه في الوقت عينه التغاضي عن الضغوط المتزايدة من الداخل المصرّة على أن أميركا تعدّ لحرب هجينة، ليست روسيا على استعداد لها.

الحسابات السياسية

ألا ترى الإدارة الأميركية أن جرّ روسيا أكثر إلى المعمعة السورية من باب التذاكي بهدنة إطلاق نار تتيح للمتشددين استعادة قوتهم لا يسهم إلا في زيادة تدخل روسيا وإيران في سوريا؟ ألا ترى أميركا أن مثل هذه الاستراتيجية قد تورطها أكثر في الصراع السوري تماماً كروسيا وإيران؟ ألا تعي نوايا بعض الأطراف الإقليمية توسيع نفوذها في سوريا ومصلحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استمرار الأزمة؟ هل هي تحكم على كل تلك المخاطر الحقيقية بدقة؟ لا أعتقد ذلك، إذ أنه في الحسابات السياسية تسير الأمور بشكل مختلف، حيث يرجح التفسير من بوابة الانتخابات الرئاسية الأميركية سعي الحزب الديمقراطي لإزالة البساط من تحت أقدام الجمهوريين.

لكن لا بدّ من فهم المخاطر الأوسع نطاقاً على شكل أفضل. فرمي الطعم لروسيا، بذريعة التصدي لـ«العدوان» الروسي المثير للجدل، تيار سائد جداً اليوم في الوقت الذي تشدد شريحة واسعة ومؤثرة في روسيا على أن الغرب يخطط لشن حرب هجينة مدمرة على الصعيدين العسكري والاقتصادي. وإن لم يكن الأمر كذلك، فلماذا يسعى الغرب جاهداً لحشر روسيا في الزاوية؟ هل يرمي ببساطة إلى تعليمها الرضوخ؟ ويحذر بعض علماء النفس من مثل تلك الاستراتيجيات، سيما أن روسيا تعمل في الآونة الأخيرة على إعادة تشكيل جيشها واقتصادها للدفاع عن موقعها.

شراكة وحرب

فشلت الهدنة ، ولم تبذل أميركا أي جهد للفصل بين ما يسمى بالمقاتلين المعتدلين وعناصر «النصرة» في محيط حلب. كما لم تسرّع اتفاقية وقف إطلاق النار عملية التوصل إلى حلّ، ولم تعد روسيا ترى أي منفعة إضافية منها، وقد كانت نواياها المبدئية تقتصر على إرغام أميركا على التعاونوإجبار واشنطن وأوروبا عموماً على الاعتراف بأن مصالحهما الأمنية الخاصة تتقاطع مع مصالح موسكو.

إلا أن الوضع الراهن في سوريا لا يسهّل التوصل إلى الهدف الأكبر أو الثانوي المتمثل بالقضاء على التشدد. بل قد دفع إلى مطالبة روسيا باتباع نهج للتسوية أقلّ زخماً مع أميركا، وإقرار الكرملين بأن «ناتو» يقوم بدلاً من الإعداد للشراكة بالتحضر لشن حرب على روسيا.

Email