بريطانيا مسؤولة تاريخياً عن نكبتهم

تجربة الفلسطينيين تختلف عن سكان أميركا الأصليين

النضال من أجل أرض فلسطين لا يزال نشطاً ومستمراً

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرت، أخيراً، الذكرى السنوية الثامنة والستون للنكبة الفلسطينية، المتمثلة بتجريد الفلسطينيين من أرضهم وفقدانهم وطنهم. إلا أنه، وبينما تبقى محنة الفلسطينيين دون تدارك، فقد شهدت بريطانيا على امتداد الأسابيع القليلة الماضية، نقاشاً مختلفاً، وإن كان مرتبطاً بالانتباه لمسألة أخرى، ممثلة بمعاداة السامية في حزب العمال.

ويمكن لقلة من المؤيدين الحقيقيين للقضية الفلسطينية، أن يكونوا جاهلين بمسألة الفوارق بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية. وفي الواقع، فإن ذلك التمييز شكّل لفترة طويلة، جانباً من الخطاب الوطني والسياسي للفلسطينيين، وقد تم تبنيه على سبيل ترسيم خط حاد بين العنصرية ومعارضة أيديولوجية سياسية.

ويجب على أي شخص يعرف أي شيء عن تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أن يدرك جيداً، خطورة استحضار النازيين عند الحديث عن إسرائيل أو الصهيونية، ولا يرجع ذلك فقط لأن القياس بغيض من حيث المبدأ، ولكن لأنه يشوه الطابع الحقيقي لذلك الصراع. وبالنسبة لأي شيء آخر، يمكن أن يمثله ذلك، فهو بالتأكيد ليس عرضاً مُعاداً للمحاولات الهتلرية للإبادة.

ولكن سواء كان ذلك عن طريق الصدفة، أو مقصوداً، أو جهلاً محضاً، فإن تهمة معاداة السامية في حزب العمال، عملت على إثارة قضايا تستحق الاهتمام الجاد، وذلك على الرغم من التشكيك، أو الموقف الذي تم اتخاذه، أو التلاعب الذي رافق الجدل.

عقب مضي سبعة عقود على النكبة، واحتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية، هناك سؤال وجيه، فيما إذا كانت إسرائيل «حالة خاصة»، وسبب كونها كذلك. ففي الحقيقة، ظهرت العديد من البلدان الأخرى في ظروف لا تخلو من الأخطاء، لكنها لم تستقطب ذلك النوع من العداء، كإسرائيل.

ولكننا لا نتحدث عن التاريخ هنا، إذ يتسم النضال من أجل أرض فلسطين بأنه نشط ومستمر. وعلى عكس السكان الأصليين في الأميركتين الشمالية والجنوبية، وأستراليا، وأماكن أخرى، فإن الفلسطينيين لم يهزموا ولم يخضعوا. وعلاوة على ذلك، ظهرت إسرائيل في الضوء الكامل للقرن العشرين. لذلك، فإن قياس أفعالها يتم عبر الأعراف المعاصرة..

وليس عبر أعراف ما بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، لا سيما في ضوء المزاعم الصهيونية، بكونها قوة أخلاقية وبنوايا حميدة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن أعمالها ونتائجها عرضة لقياسها، وفقاً لذلك، إلا أن مزاعمها اللافتة للنظر بأنها قوة أخلاقية تدعو لاتهامها بالنفاق.

هناك سبب آخر أكثر مباشرة لاعتبار إسرائيل حالة خاصة، يتمثل في كونها مثالاً حياً على دولة محتلة واستيطانية. ولا وجود لغيرها من الدول التي نصبت نفسها على أساس النمط الغربي، تزعم أن أراضي شعب آخر ملكاً لها، أو تقوم بتنفيذ مشروع استعماري على نطاق واسع، من خلال توزيع شعبها بطريقة غير مشروعة على أراضٍ أخرى. وتلك واقعة فريدة من نوعها في القرن الواحد والعشرين.

لم تؤسس أي دولة على النمط الغربي قوانينها وممارساتها السياسية على الفوارق العرقية أو الدينية. كما لم تحدد أي من مثل تلك الدول الأخرى حصصاً عرقية، كالحفاظ على نسبة اليهود أو العرب، وذلك للقدس أو «للتهويد»، أو ناهيك عن رفض فكرة كونها «دولة لكل الشعب».

تتحمل القوى السياسية النشطة في الغرب، عموماً، مسؤولية خاصة عن إنشاء إسرائيل، فضلاً عن الإجراءات التي تلت ذلك. وقد تم تعزيز الأمر بحقيقة استمرار جميع الحكومات الغربية الرئيسة، ومعظم القوى السياسية السائدة، في تأكيد دعمها لإسرائيل، وما تمثله ظاهرياً، بغض النظر عن تصرفاتها، حتى عند إغفالها للقيم المعلنة للحكومات.

تقع على عاتق بريطانيا، مسؤولية خاصة، نظراً للدور الكبير والمهم الذي لعبته في تشريد الفلسطينيين عبر وعد بلفور الجائر، وشروط الانتداب الذي فرضته، والانسحاب من فلسطين عام 1948. ومن خلال قبول شروط الانتداب، لإيجاد وطن قومي لليهود، تولت بريطانيا المسؤولية بالنسبة إلى مصير الفلسطينيين.

اعتراف

مع اقترابنا من الذكرى السنوية المئة لوعد بلفور، العام المقبل، فإنه يتعين على بريطانيا، التي أعلن قادتها، بدءاً بونستون تشرشل ووصولاً إلى جوردن براون وديفيد كاميرون، أنهم صهاينة، الاعتراف بدورها في تشريد الفلسطينيين، مثلما يجب عليها الوقوف كجهة دفاع شرعية ضد آفة معاداة السامية.

ليست هناك حاجة لتجميل القضية الفلسطينية من خلال المقارنات الزائفة والمضللة، عبر السماح لمؤيدي إسرائيل بتعزيز تهمة معاداة السامية، إذ يشتت ذلك التشبيه انتباه العالم عن البؤس الذي لحق بالفلسطينيين. وتستند القضية الفلسطينية إلى خصائصها المعنوية والسياسية.

Email