التمسك بإطاحة النظام كشرط مسبق يؤدي إلى استمرار الصراع

الحلول العملية حتمية لإنهاء الحرب في سوريا

اجتماع فيينا غابت عنه الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو

ت + ت - الحجم الطبيعي

مئة عام مضت على توقيع بريطانيا وفرنسا اتفاقية سرية صاغت «محاور النفوذ» وولد من رحمها الشرق الأوسط الجديد. إلا أن أحداً لا يحتفل بمرور الذكرى المئوية للاتفاقية في ظل اجتماع وزير خارجية أميركا جون كيري ونظرائه من أوروبا وإيران والدول العربية في فيينا، في أحدث المساعي الدولية لوضع حدّ للحرب الأهلية في سوريا.

عملية الانتقال السياسي

ومن المفترض أن تدفع تلك المساعي باتجاه ما اتفق على توصيفه بعملية «الانتقال السياسي» التي من شأنها تنحية الرئيس السوري بشار الأسد، التي تشكل هدف الحلفاء الغربيين والدول العربية على الأقل، باعتبار أن الإيرانيين والروس لديهم نظرة مغايرة للموضوع.

وفيما ترتقي اتفاقية سايكس بيكو والخارطة التي أنتجتها إلى مستوى المساعي الاستعمارية للتلاعب بشؤون المنطقة، لاتزال آثار الاتفاقية تهدد كل ما يقوم به كيري ونظراؤه اليوم.

في أكتوبر الماضي، اتفق الوزراء الذين شكلوا ما يسمى «المجموعة الدولية لدعم سوريا» على أن «وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها العلماني أمر جوهري»، إلا أن بعض الفاعلين الأساسيين في المسعى البطيء للتوصل لحكومة انتقال في سورية يعتقدون أن الوحدة وسلامة الأراضي أمران مستبعدان.

وقد تنبّه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني للذكرى المئوية، فغرد عبر حسابه على تويتر بالقول: «في الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو، أصبحت الحدود والسيادة بلا معنى. سايكس بيكو انتهت».

ربما يعتبر كلامه صحيحاً، إلا أن أخذ الفكرة بعين الاعتبار في فيينا يشكل انتهاكاً صارخاً للياقات الدبلوماسية. وشدد أحد المسؤولين الأميركيين على أن تقسيم سوريا ليس وارداً، وأن الطرح يتضمن شكلاً من أشكال اللامركزية التي تتيح لمختلف المجموعات بعض الاستقلالية من الأكراد وحكومة الأسد والمعارضة، مؤكداً أن الهدف هو الحفاظ على سلامة سوريا.

ومن المؤكد أن التصريح بموقف مغاير يرادف حتماً خسارة بعض الأعضاء المهمين في مجموعة الدعم بدايةً من تركيا، التي تخشى أن يؤدي انسلاخ كردستان إلى المطالبة بالأراضي التركية. ويعير البعض الأهمية الأكبر للإطاحة بالأسد على حساب الحفاظ على الحدود السورية. وفي حين أن الموقف الأميركي الرسمي يشير إلى ضرورة رحيل الأسد، فإن قلة في واشنطن على عجل لتحقيق ذلك، لأن آخر ما يريدونه هو إيجاد فراغ في دمشق يسعى تنظيم «داعش» لملئه.

وقال ستيفن كوك وعمر ليهيتا من مجلس العلاقات الخارجية: «يشكل التركيز على اتفاقية سايكس بيكو مزيجاً من التاريخ البائس والعلوم الاجتماعية البالية، ويهيئ أميركا للفشل مجدداً في الشرق الأوسط».

التقسيم وإعادة الهيكلة

يقال إن المنطقة قد تخضع في السنوات القليلة المقبلة للتقسيم وإعادة الهيكلة، إلا أنه يخطىء كل من يفكر بأن الخطوط سيتم رسمها بما يرضي المطالب القبلية والعرقية. ويقول كوك وليهيتا: «ليس هناك من أمر طبيعي أكثر حول النظام الجديد مما كان عليه واقع الحال على مدى قرن، وليست سايكس بيكو سوى خرافة إما لتبرير حالة تفكك الشرق الأوسط، أو لتأييد مسعىً دولي لإعادة رسم خارطة المنطقة».

ويشكك مسؤولون في البيت الأبيض بحصول ذلك، ويعتبرون أن الحظ سيكون حليفهم فيما لو تمكنوا من تخفيف حدة العنف، وتمرير أزمة التوصل إلى اتفاق سياسي إلى خَلَف أوباما. ويشير بعض المستشارين السابقين إلى أن الوقت قد حان لخفض سقف التوقعات والتوجه إلى حلول أكثر عملية.

وقال فيليب غوردون، كبير مستشاري أوباما لمنطقة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي: «إن النهج الذي دأبنا عليه لعدد من السنوات لا ينجح، وهو غير مرجح للنجاح». وأشار إلى أن أميركا ليست مستعدة للالتزام بالقوة العسكرية الضرورية للإطاحة بالأسد قريباً، وأن الانقسام الحاد يشوب شركاءها في مجموعة الدعم الدولية حول القضية.

وأضاف غوردون في موضوع الإطاحة بالأسد:«لن نتفق حول المسألة لا مع النظام ولا الروس ولا الإيرانيين، وإن التمسك بها كشرط مسبق لنزع فتيل النزاع لن يؤدي إلا إلى استمراره، وفق ما أثبتت الوقائع إلى اليوم».

نقاش

ليس مفاجئاً أن يبرز النقاش المحموم حيال تسبب الأرستقراطي سايكس والدبلوماسي المحامي بيكو في دفع الشرق الأوسط إلى قرنٍ من الفوضى، أو القول بأن تدخلهما في شؤون المنطقة كان أقل ضرراً مما يتم تعليمه لطلاب الثانويات والجامعات اليوم. تمكّن البريطانيون من انتداب فلسطين والعراق فيما حكم الفرنسيون ما يعرف بسوريا اليوم، علماً أن المناطق التي تشهد أعنف المعارك كالموصل كانت في ظل مملكة العراق.

ويدافع بعض الخبراء في العلاقات الخارجية عن سايكس وبيكو بالزعم إن الوقت قد حان لمنح القوتين الاستعماريتين فرصة لأن ما يحصل في المنطقة ليس خطأهما .

Email