مؤثرات الاغتراب والتشتت والتكيف تنعكس على مفاصل عام حاسم

3 مفاهيم أساسية تختزل الانتخابات الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال التكهنات والتخمينات تلف هوية الفائزين بترشيحات الحزبين الجمهوري والديمقراطي النهائية، إلا أن الانتخابات التحضيرية في آيوا حددت ثلاثة مفاهيم من المرجح أن تطبع الحملة لبقية العام، وهي الاغتراب والتشتت والتكيف.

وفي إيضاح لتلك المفاهيم نرى أن النظام السياسي الأميركي زعزعه غضب ناخبي الطبقات الوسطى المشككين بدجل ساسة النخبة السياسية، وتحريض المرشحين المندفعين، والحجج الشعبوية المضادة، وترك تأثيراً ذا طابع اختلالي لدى كلا الحزبين، غير أن الردود الأكثر تطرفاً وغوغائية لم تتقبلها على ما يبدو القاعدة الانتخابية المتكيفة المطواعة.

لكن كيف يمكن لتلك الحملة المشاكسة أن تبدو بعيون من هم خارج أميركا الذين يتعطشون للقيادة الأميركية من جهة، ويرتابون حيال بقائها في موقع القيادة من جهة أخرى؟ آمل أن يدرك الخارج أن الولايات المتحدة تمر بمرحلة ضرورية من التجدد الداخلي وإعادة الإنعاش. إنها تتصدى للمسألة ذاتها التي تجابه جميع الاقتصادات المتقدمة، والمتمثلة بإعادة إحياء عملية النمو وتوزيع ثمارها بعدالة أكبر، وتتجه إلى معالجة تلك المشكلة بشكل مباشر، والمساعدة ربما في عودة تعافي الاقتصاد العالمي المصاب بالركود.

ولا بد كذلك للمخاوف من الانهيار الأميركي الداخلي أن تختفي، سيما أن احتمال بروز المرشح الطنان المتحذلق دونالد ترامب كفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة قد تضاءل، أخيراً، بعد أن أثار موجات من الدهشة من جانب أصدقاء أميركا الأوروبيين تحديداً.

ويخطئ، بعد انتخابات آيوا، من يدعي أن الناخبين لا يشعرون بالغضب إزاء الحلول التقليدية المجتزأة، وأنهم باتوا مستعدين للاستماع إلى حلول بعيدة عن المألوف. وتلك كانت رسالة نجاح المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز في معركته ضد منافسته هيلاري كلينتون، حيث أتت نتائج الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي متقاربةً جداً بين الطرفين.

كما يخطئ من يظن أنه لو استطاعت كلينتون أو ماركو روبيو الجمهوري طرح الخطوط السياسية العريضة بشكل أفضل لكانت أمور البلاد استوت. فالرئيس العتيد لن يتقدم بخطوات عرجاء نحو البيت الأبيض باعتماد نسخة رثة من الماضي، معاد هندامها.

وتتمثل الفكرة المسببة للاختلال هذا العام، بحسب وصف الصحافي الليبرالي ديفيد كورن من مجلة «موذر جونز» السياسية، في أن النظام لا يفلح بما يكفي للحفاظ على المستوى المعيشي للسواد الأعظم من الأميركيين في كل أنحاء البلاد. ولا يعني ذلك أن ساندرز كان يملك الأجوبة، إذ إننا نستخلص مما شهدناه حتى الآن من مقترحات تدعو إلى مجانية التعليم الجامعي والرعاية الصحية العالمية، أنها طروحات قد تدفع البلاد أكثر نحو التعثر المالي والانقسام، بدلاً من تسييرها نحو الازدهار والوحدة، علماً بأنه يتعامل مع القضايا التي تهم البلاد بطريقة واضحة وبناءة.

لا يمكن القول عن ساندرز إنه مجرد مزهو عابر، أو مجرد مرشح وليد الصدفة، لأنه يجسد شيئاً حقيقياً، وقد حقق لحظة مفصلية، حين طلب إلى إحدى الناخبات وصف العيش على حافة خط الفقر.

وفي ردّ على السؤال عن الدروس الأخرى التي يمكن تعلمها من انتخابات آيوا، أشار بعض المراقبين إلى رغبتهم في حذف ترامب من لائحة المرشحين كرجل لا «يستطيع إتمام الصفقة»، على حدّ قول الصحافي توم بيفان من مجموعة الأخبار الأميركية «ريل كلير بوليتيكس».

تستشعر الهيئات الناخبة حالة الكساد في الركود الاقتصادي، وهي مسألةٌ تحدث عنها كثيراً على مدى السنوات الثلاث الماضية لورنس سامرز، وزير المالية السابق والمؤيد العتيق لعائلة كلينتون. وناقش سامرز ومحللون اقتصاديون آخرون جملةً من الأفكار الراديكالية، التي تدفع عجلة النمو وتعزز المساواة على نحو يتخطى المنظومة الثلاثية التقليدية القائمة على التجارة والتكنولوجيا والمدفوعات التحويلية. وتعتبر هيلاري اليوم مطالبة بقوة لتبني تلك الأفكار.

يمكن للولايات المتحدة المفعمة بمشاعر الغضب أن تنجر إلى حوار متحضر، إنما مختل التوازن، حول التغيير السياسي والإصلاحات. تلك هي الرسالة الإيجابية التي يمكن استنتاجها من انتخابات آيوا في أميركا وخارجها.

دروس

أكدت انتخابات آيوا أن أسلوب الترويج المفعم بالتباهي التي اتبعها دونالد ترامب لم تنجح في استقطاب قاعدة الناخبين الجمهوريين في آيوا، التي يشكل المحافظون البروتستانت 46 بالمئة من عناصرها. وافترضت الاستطلاعات أن الناخبين قد يتأثرون بتفاخر ترامب المتواصل بأنه «الفائز» ويتجاهلون الخطأ الفادح الذي ارتكبه بحقهم، لكن الواقع أثبت خلاف ذلك.

وتشمل الدروس التي يمكن تعلمها عقب انتخابات آيوا ضرورة تطور هيلاري كلينتون لتغدو مرشحة أفضل . ويتعين حتماً عليها اليوم أن تتطرق بشكل أكبر إلى القضايا الاقتصادية، التي من شأنها أن تحرك القواعد الجماهيرية الناخبة لكل من بيرني ساندرز، وتيد كروز ودونالد ترامب.

Email