فشلها يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وتعقيد الموقف في سوريا

قضيتان أساسيتان تستقطبان اهتمام منظمي «جنيف3»

ت + ت - الحجم الطبيعي

علقت، أخيراً، محادثات السلام في جنيف حتى الخامس والعشرين من فبراير، بعد أن كان من المقرر انعقادها بحضور ممثلين عن النظام والمعارضة السوريين.

وتتجلى فائدة محادثات «جنيف 3» في أنها تحت مظلة إجماع دولي توصلت إليه في نوفمبر الماضي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ويسعى هذا الاتفاق الجماعي إلى التوصل إلى تسوية في سوريا تضع حداً للمعاناة الإنسانية للمدنيين، وقد أصبح أكثر قوة بفعل وحدة الفصائل المعارضة حول المسار السياسي المتبع.

وأصبحت «جنيف 3» بالتالي تشكل دافعاً لحل الصراع، الممكن صراحة، علماً بأن فشلها سيؤدي حتماً إلى تفاقم حدة الأوضاع على الأرض وتعزيز موقع القوات المتناحرة، الرافضة أصلاً لتلك المباحثات والمنتقدة لدخولها طرفاً فيها.

ولا بد للمجتمع الدولي من تركيز اهتمامه على مسألتين أساسيتين، إذا أراد إحراز التقدم. وتتمحور المسألة الأولى حول البحث في نظرة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الصراع وطريقة إدارته، المتمثلة باتباع استراتيجية فرض الحصار والتجويع ومواصلة القصف، اعتقاداً منه أنه السبيل لإنهاء الصراع.

ولا يزال يؤمن بأن مثل هذا التكتيك يمده بالسطوة الكافية لإرغام المقاتلين على الاستسلام أو الانسحاب.

إلا أنه من الممكن تغيير حسابات النظام، وقد ظهرت في الواقع بعض المؤشرات التي تؤكد أن داعمي الحكومة السورية في موسكو وطهران قد حاولوا في بعض المرات عقد صفقةٍ مع المقاتلين بشكل مستقل، بعيداً عن حليفهم القابع في دمشق، على غرار ما حدث في الزبداني والغوطة الشرقية. وينبغي على محادثات «جنيف 3» أن تعمل على تعزيز مثل هذا النوع من التفكير داخل النظام.

كما يمكن للتقدم على الجبهة الإنسانية أن يشكل مفتاح نجاح المباحثات، حيث إن التركيز على مسألة الحوكمة غير القابلة للحل، أو على العملية السياسية نفسها بدلاً من جوهر الأمور سيكون مصيره الفشل.

لا شك أن تغيير طريقة تعامل النظام مع المناطق المدنية مهمة صعبة، لكنها ليست أكثر تعقيداً من الدفع باتجاه التوصل إلى تسوية حيال مسائل تتعلق بمصير الأسد أو المؤسسات العسكرية والأمنية. ويمكن لمثل هذا التغيير في التكتيكات أن يخلق بيئة أفضل لأي محادثات مستقبلية.

أما المسألة الثانية التي يتعين على منظمي محادثات «جنيف 3» التركيز عليها فتتعلق بكيفية تعزيز القوى الوطنية، على الرغم من استعار نار الحرب.

وتتطلب هذه المسألة كذلك تبديل النهج الذي يعتمده حالياً النظام وروسيا وإيران، حيث إن استهداف عناصر تلك القوى الوطنية موثق، ومرفق بتقديرات أميركية وبريطانية، تشير إلى أن بين 80 و90 بالمئة من الضربات الروسية الجوية تستهدف المقاتلين المعتدلين المناوئين لتنظيم «داعش».

وعلى جانب موازٍ في الأهمية، يميل النظام إلى عقد صفقات مع القوى المتشددة بدلاً من المعتدلة كجزء من استراتيجية إضعاف القوى الوطنية، التي تشكل بديلاً محتملاً لحكمه.

صب التدخل الروسي تركيزه على ثلاثة محاور منذ سبتمبر الماضي، وأحرز تقدماً على الجبهة الساحلية فقط، في حين أن النظام يسيطر على 30 بالمئة من مساحة البلاد، وهو على الرغم من المكاسب الجدية لا يزال مشتتاً وأضعف من أن يسيطر على مناطق جديدة.

وتهدف استراتيجية النظام التي تتعمد استهداف مناطق المدنيين وإضعاف القوى الوطنية لإرغام المعارضين على الاستسلام وإقناع العالم بأنه الخيار الوحيد الممكن. ولا بد لمنظمي «جنيف 3» أن يدركوا أن استراتيجية الحكومة القائمة على التجويع، والقصف العشوائي، وإنهاك قوات المقاتلين المعتدلين هي لبّ المسألة وجوهرها.

كما لا بدّ للتركيز اليوم أن يصب على سبل منع أو تقويض تلك الاستراتيجية الدنيئة التي زادت الأمور سوءاً، بدلاً من المصادقة عليها من خلال عملية محادثات غير متقنة، تقول للنظام إن العالم يمارس، أخيراً، ضغوطاً متزايدة على المعارضة.

رؤية

طالب قرار مجلس الأمن الذي يحمل الرقم 2254، بوضع حد للحملة العسكرية في البندين 12 و13، كجزء من اتفاقية التفاهم الدولية التي استهلت محادثات «جنيف 3».

إلا أن هذين البندين بالنسبة لقوات النظام على الأقل تقدم العربة على الجواد، بمعنى أنها تتجاهل مدى مركزية تلك التكتيكات بالنسبة لرؤية الحكومة العامة ونظرتها إلى الصراع. وواهم من يعتقد أن النظام سيتوقف، كبادرة حسن نية، عن قصف الأحياء المدنية في سوريا، وفرض الحصار عليها.

وفي حين أنه يرجح للمحادثات ألا تحقق أهدافها، فإن العملية بحد ذاتها قد تؤدي إلى إحداث تغيير مهم، إذا انتهز المنظمون الفرص لتبديل مجرى الأحداث على الأرض، كخطوة أولية أساسية.

Email