علامات استفهام تحاصر الدور الأميركي سورياً

مواجهة «داعش» تحتاج النوايا قبل القوة

سوريا تحولت لكارثة إنسانية نتيجة لامتناع أوباما عن التحرك

ت + ت - الحجم الطبيعي

الهجوم المروع الأخير الذي حدث في سوريا من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأودى بحياة مئة مدني على الأقل، بالإضافة إلى جرح مئات آخرين، أعاد إلى دائرة الضوء ما فعلته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن المأساة السورية.

الأزمة السورية اعتبرت كارثة حقيقية، فكل شيء قاله الليبراليون الداعون إلى التدخل وصقور المحافظين الجدد عن نتائج عدم إبداء رد فعل بشأن الأزمة في سوريا تحقق بصورة فائقة الدموية. وبالنسبة إلى إدارة أوباما فإنها كانت غائبة عن التحرك. وبداية، كان هناك الحديث الواضح عن خط أحمر، ثم كانت هناك دعوات مثل «دعونا ندرب المعارضة السورية» ومن ثم أصبحت هناك مطالبات بـ «دعونا نتعامل مع تنظيم داعش أولا» وبعد ذلك سنصل إلى الرئيس السوري بشار الأسد.

دور واشنطن

ومن خلال التنصل من العمل الميداني، تحولت سوريا إلى كارثة إنسانية وأخلاقية واستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. فقد قتل أكثر من ربع مليون شخص، وشرد ملايين غيرهم ونزحوا داخل البلاد. وفتحت الكارثة الباب واسعا أمام تنظيم «داعش» كي يتوسع في سوريا، ووجد الألم والصدمة والعنف والقتل الطائفي والاغتصاب والعبودية والتعذيب وعشرات من الأوبئة الأخرى التي ستظل على هذه الأرض البائسة لسنوات عدة مقبلة.

وبالنسبة إلى هؤلاء الذين يقيمون هذه الانتهاكات والساعين إلى تقييد الإدارة الأميركية بالمسؤولية كاملة عن وقوع هذه الكارثة، فإن السؤال المطروح هو: ماذا كان بوسع واشنطن أن تفعل؟ أو ماذا عساها تفعل الآن بشكل مختلف بحيث تتمكن من تجنب هذه الظروف المأساوية وأن تضع الأزمة السورية في مسار أفضل.

وقد تكون واشنطن حاولت القيام بأمور كثيرة، عبر إيجاد مناطق حظر جوي ومزيد من القيادة الأميركية في المجال الإنساني والسياسي، وشن غارات عسكرية ضد نظام الأسد، وزيادة عدد القوات الأميركية في العراق أو حتى سوريا أيضا لمواجهة تنظيم «داعش»، أو بذل مزيد من الجهود من أجل توحيد وتدريب قوات المعارضة، إلا أن هذه الجهود للأسف تعتبر افتراضية.

وفي حال مضى المرء في الحكم على إدارة أوباما من خلال فشلها، فيجب أن يضع نصب عينيه استعداد الرئيس الأميركي للعمل وليس قدراته فقط. ويجب التذكر أن تحليل السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط قد لا ينطلق بالضرورة من الشرق الأوسط. وبالنظر إلى اعتقادات الرئيس الأميركي والظروف التي يعمل بها، فإن «فعل شيء ما ولكن ليس كثيرا» هو نهج كالقدر المحتوم في سوريا، ومن هنا يمكن تفسير سبب امتلاك أوباما الكلمة الفصل في هذه المسائل.

وفي حال كان هناك من شك بأن إقدام الرئيس على صراع غير ضروري أمر يضع تصورا جديدا لشكل سياساته وسياسته الخارجية، فمن الضروري النظر إلى الطريقة التي يدافع بها عن الاتفاق النووي الإيراني، ومقارنة هؤلاء الذين يعارضونه بأولئك الذين دعموا الحرب في العراق.

تكلفة القوة العسكرية

وتظهر تداعيات الحرب في العراق وأفغانستان اعتقادا أساسيا يتمسك به الرئيس الأميركي، فالقوة العسكرية والسلطة تتطلبان نتائج تتناسب مع التضحية. وبدت سوريا منذ البداية على أنها فخ للالتزام العسكري اللامتناهي، وذلك لتحقيق نهاية مستقرة تفضي إلى الاعتماد على القوات المحلية والإقليمية التي تتجاوز الإشراف الأميركي، وهو ما يهدد ببذل الولايات المتحدة لكثير من الأرواح والمال والوقت والموارد.

وبالنسبة إلى سوريا والعراق فإن الرئيس الأميركي عانى لتحقيق توازن في تدخله، ولكن بالنظر إلى التدريب الفاتر للمقاتلين في سوريا والضربات الجوية المحدودة، فإن من الواضح أنه لم يحقق التوازن المطلوب.

ومن غير المحتمل بعد أن الرئيس الأميركي سيتجاوز هذه الخطوات، ففي عالم أوباما هناك الكثير من المشكلات، وهذه غالبا لا تحتاج إلى حلول عسكرية، وعلى الرغم من أهمية القوة العسكرية إلا أنها ليست كافية، فالتغيرات السياسية ضرورية، إلا أن أوباما يعتقد أن الولايات المتحدة لا يمكنها تحقيقها.

مخاطرة

في حال كانت هناك فرصة لإظهار مزيد من القوة تجاه نظام الأسد، فإنها ستنتهي عندما تلوح في الأفق معالم المضي قدما بالصفقة التاريخية مع إيران.

وبالنظر إلى توسع تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، فإن قدراته على الإنترنت تحسم مصير أي عمل عسكري ضده. وبالنظر إلى أهمية وقف عنف النظام ضد الشعب السوري وخلع الأسد وإعادة بناء البلاد، فإن قضية مكافحة الإرهاب أصبحت فجأة أمرا يروق للرئيس الأميركي. فآخر ما يريده أوباما هو إضعاف نظام الأسد عبر توسيع تنظيم «داعش». ويعلم الأسد أن مواجهة التنظيم المتطرف يتطلب حلا سياسيا أولا في دمشق، إلا أنه غير قادر على تحقيق ذلك.

Email