سادية جرائمه الإرهابية تضرب جذورها في أبعاد أكثر عمقاً وظلاميةً

«داعش» ازداد اقتراناً بالشر بعد الجمعة الدامية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تقاسمت فرنسا وتونس والكويت المشهد الإرهابي الذي ضرب في يوم واحد أمن كل منها، وهو مشهد أشبه بالمزاد العلني الشنيع الذي تتبارى إعلاناته الوحشية في شد انتباه العالم. وجاء افتتاح المزايدات من مدينة ليون الفرنسية بالاعتداء على أحد مصانعها، حيث تم العثور على رأس المدير منفصلاً عن جسده الذي حفرت عليه رسالة ما، وفق ما أعلنه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

ومن المنتجع التونسي في سوسة، بث المصطافون صوراً مرعبة عبر حساباتهم على تويتر التقطت من غرف الفندق، وأرفقوها بتغريدات تصف كيفية هروبهم من الشاطئ، بعد سماع أصوات ظنوا أنها مفرقعات نهارية، ليتبين لهم لاحقاً أنها عيارات نارية مسؤولة عن مجزرة مروعة. أما العرض النهائي الذي تفوق على سابقيه فكانت مسرحه مدينة الكويت، حيث دخل انتحاري إلى مسجد يغص بألفي مصلّ، وضغط زر التفجير آملاً أن يودي بحياة الجموع.

الإرهاب المعاصر

أبعدت تلك الأحداث بهمجيتها أنظار العالم عن حادثة أخرى، أمل المعتدون الداعشيون حتماً أن تضاهي مثيلاتها، حيث عرضوا، أخيراً، مقطع فيديو مثيراً للغضب، ظهر فيه خمسة رجال يرتدون زياً على طراز معتقلي غوانتانامو. وقد وضعوا في قفص تم إغراقه في حوض للسباحة. وعمدت بعد ذلك الكاميرات المتطورة للتنظيم إلى تصوير اللحظات الأخيرة للمعدمين خنقاً.

ماذا عسانا نستخلص من تلك الأحداث؟ وماذا عسانا نفعل بما شهدنا؟ سيبحث الخبراء عن روابط واتصالات، عن أرضية مشتركة، وستصدر مطالبات بإلقاء المسؤوليات. لقد سبق صيت «داعش» جريمة الكويت، وستبرز تحليلات كثيرة حول موقعه، والرد العالمي على المجزرة التي نفذها، وطبيعة الإرهاب المعاصر.

ويساعد غزو العراق عام 2003 في توضيح قدرات القتلة، واستعدادهم للتسبب بهذا العنف، وقد تمكنوا من حكم نينوى لأن القوات ذات القيادة الأميركية قد دمرت الدولة العراقية. إلا أن ذلك لا يبرر سادية المشهد، وقدرة الكائن البشري على التسبب ليس بالموت وحسب، بل بالقتل المذل المحفوف بالعذاب لأخيه الإنسان.

ويكمن أحد الخيارات في النظر إلى تلك الأحداث بعدم اعتبارها مثيرة للحيرة على الإطلاق. وقد كانت هناك أمثلة في التاريخ على مجازر ارتكبها الإنسان بحق أخيه الإنسان، ونادى بتكرارها بناء على مقولة «نظراً لطينة الإنسان» التي تعكس رؤيةً واضحة عن الطبيعة البشرية.

طبيعة الإنسان

إذا كنا نؤمن بأن الإنسان شرير بالفطرة يستمتع بالتسبب بعذاب الآخرين، فلا عجب من محاولة مقاتلي «داعش» الشباب ارتكاب الفظاعات المتتالية، بدءاً بإحراق شخص في قفص، وإعدام الأطفال، وإرغام طفل على إطلاق النار وقتل بالغ، في خطوة تحوّل السادية إلى لعبةٍ تنافسية.

لكن إذا كانت لدينا فكرة مغايرة عن البشر وقدرتهم على المحبة والتسامح، في ظل استمرار «مشكلة الشر»، فيمكننا أن نلجأ لمسألة علم النفس التي تشير أو تأمل بأن يكون المسؤولون عن إثارة الرعب أشخاص غير أسوياء، ومنهارين نفسياً.

أما إذا قررنا أن عقولهم سليمة، فيمكننا البحث في علم نفس الجماعات الذي يقول بأن الإنسان يسبب الأذى تنفيذاً لأوامر سلطات موثوقة.

ويبقى التفسير الأبسط لما يجري بأن سفاحي «داعش» يتبعون تكتيكاً عسكرياً قديم الطراز على نهج جنكيز خان وأمثاله، نهج قائم على مبدأ ترهيب العدو. وهو تفسير مقبول أيضاً.

سيعمد السياح الذين قرروا تمضية عطلتهم في سوسة إلى مغادرتها لفترة من الزمن على الأقل. لكن، وبينما تزرع تلك الجرائم الخوف، فإنها تحفز إلى النفور العام والمشترك. وقد تحدثت، أخيراً، مع أسامة حسن، المثقف الإسلامي والمقاتل السابق، فأعرب لي عن «اشمئزازه» من الشرور المرتكبة في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى مدى ابتعاد أولئك المجرمين عن النص الديني الذي يحرّم تدنيس الجثث.

وقال إن هناك معركة في طريق الوصول إلى الحضارة، معركة ستوحد المجتمعات الكبرى وأديان العالم مجتمعةً من مسيحية وإسلامية وغيرها ضد حلقة الموت المفرغة التي يفرضها عنف الإرهابيين. ويمكن لتلك الحرب أن تكون خاسرة، حيث يعتقد أن الشر في نفوسنا متأصل وأزلي على ما يبدو. لكن علينا ألا نخشى من تسمية الأشياء بمسمياتها.

الشر

أصبحت «مشكلة الشر»، في ظل كل ما يحصل تختزل تحدياً محدداً يعنى بالمؤمنين أينما كان في العالم. إلا أن ما شهدناه، أخيراً، يؤكد أن «مشكلة الشر» تلك ليست إشكاليةً تاريخيةً، بل مشكلةً تتعلق بالزمن الحاضر، وهي لا تستفز مؤمني العالم وحسب، بل تغيظ الجميع؛ كل من يتأمل مسارح الظلم في العالم سواء في شارلستون الأميركية أو الكويت العربية.

أدرك أن هناك تفسيرات متناسقة وجوهرية لكل ما يحدث، تتوزع بين الموروث التاريخي والقوى الجيوسياسية والعوامل المحلية، وهي كلها مرتبطة، لكنها تشطح بعيداً، دون أن تلامس جوهر المسألة المتعلق بإمكانية حصول مثل كل ذلك الرعب.

Email