تبلور الحقائق يحول دون ارتكاب إدارة أوباما خطأ المحافظين الجدد التاريخي

سقوط الرمادي يكشف صعوبة خيارات أميركا

■ الخيارات الأميركية في قتال «داعش» أحلاها مرّ | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل سقوط الرمادي، عاصمة الأنبار، أكبر محافظات العراق، عقب اندحار الجيش العراقي على يد بضع مئات من مقاتلي «داعش» الذين استخدموا شاحنات مدججة بالقذائف، انتكاسة مؤلمة لسياسة أميركا.

حين أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن وجوب «تفكيك داعش ودحره»، كان يقصد الغاية لا الوسيلة. ويوضح الانسحاب من الرمادي أن الجيش العراقي، على الرغم من مساندة ثلاثة آلاف عنصر من القوات الأميركية له، فإنه لا يستطيع إخراج «داعش» من الأنبار والموصل، ودحره إلى سوريا.

خيارات صعبة

يخشى العديد من سنة الأنبار إنقاذهم من قبل الميليشيات الشيعية أكثر مما يخافون سيطرة «داعش». إلا أن خيارات أميركا في العراق أحلاها مرّ، إذا ما أخذنا التالي بعين الاعتبار. يتمحور الخيار الأول حول إعادة إدخال عشرة آلاف جندي من المشاة والبحرية الأميركية لإعادة السيطرة على الرمادي والأنبار.

والمزيد من الآلاف غيرهم لاستعادة الموصل، وتطهير العراق من قوى «داعش»، أي فورة أخرى تشبه تلك التي حصلت عام 2007.

لكن هل من شأن ذلك أن يحلّ مشكلة «داعش» الذي يمكن أن ينسحب إلى سوريا، وينتظر رحيل الأميركيين من العراق قبل أن يتحرك مجدداً؟

ويتبنى الخيار الثاني سياسة تفكيك التنظيم واحتوائه من خلال مواصلة قصفه بالطائرات في العراق، على أن يتزامن ذلك مع تدريب ومساندة الجيش العراقي والأكراد في الإبقاء على «داعش» خارج بغداد وأربيل.

وينص الخيار الثالث على قبول ما هو محتم، أي التسليم بأن العراق شيعي القيادة الذي أوجدته أميركا من خلال الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، والقضاء على معالم الدولة والجيش بعثيي الطابع، سيدور في فلك إيران. وهي لا تستطيع اليوم، من دون إعادة إدخال قوات أميركية أساسية وغير محدودة، أن تحدث تغييراً في موازين القوى العسكرية والسياسية هناك.

تكرار الخطأ

يتعين على الولايات المتحدة، قبل أن تكرر الخطأ التاريخي الذي ارتكبه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن وجماعة المحافظين الجدد، أن تمعن النظر تماماً في الحقائق المتعلقة بالعراق والمنطقة، بما أنها فشلت في القيام بذلك قبل الاجتياح.

وتتلخص تلك الحقائق في محورين اثنين، يتمخض أولهما عن عجز العراقيين عن إعادة توحيد بلدهم وإحلال السلام فيه بأنفسهم. حيث إن الحفاظ على تماسك العراق يستدعي وجود أعداد هائلة وغير محددة من عناصر الجيش الأميركي. ويبقى السؤال هنا، كم يستحق هذا الخيار من الدماء الأميركية وأموال الخزينة؟

ثانياً، وفي حين أن حلفاء أميركا في الغرب قد يرحبون بإعادة إدخال الجيش الأميركي إلى العراق، فإن قوات حلف «ناتو» لن تكون هناك للمساندة، باعتبار أن العراق مشكلة أميركية بالنسبة للغرب.

كما أن أياً من الدول العربية وتركيا لن ترسل قواتها لمحاربة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا. حيث إن المخاطر الأكبر بالنسبة لهذه الدول على المدى الطويل تكمن في نواحٍ أخرى تتعلق بإيران وحزب الله ونظام الرئيس السوري بشار الأسد وبغداد، والمقاتلين الحوثيين في اليمن، وما يسمى بالهلال الشيعي.

وتبرز على الساحة كذلك حقيقة أخرى تتمثل في عدم أرجحية توصل كل من سوريا أو العراق وليبيا واليمن، في المستقبل المنظور..

لأن تصبح دولاً تتمتع بالوحدة، وتخضع لقيادة حكومة مدعومة من غالبية الشعب. ويبدو من شبه المؤكد أن أي أنظمة تنشأ في عواصم أي من الدول الأربع الوارد ذكرها، سينظر إليها من قبل شريحة كبيرة من الناس على أنها لا تتمتع بالشرعية، وأنها تمثل هدفاً قائماً للثورات وأعمال العنف.

يتجه الشرق الأوسط لأن يصبح كتلةً من الدول الفاشلة، وتكفي نظرة واحدة إلى المنطقة لندرك أن كل دولة تنتظر من سيحل في المرتبة الأولى في هذا المجال.

لقد أشاح الأتراك بنظرهم ما إن دخل المتطوعون إلى سوريا للانضمام إلى «داعش»، ومن ثم سمحوا للأكراد بأن يعبروا إلى سوريا للحيلولة دون دخول التنظيم إلى بلدة عين العرب. أما اليوم..

ووفقاً للأسد، فيعمل الأتراك على مساعدة تنظيم القاعدة (المتمثل بجبهة النصرة) على إنشاء دولته في إدلب. أما الدول العربية الأخرى، وفقاً للأسد كذلك، فقد ساعدت جبهة النصرة في الاستيلاء على إدلب. لكن ماذا عن أميركا في كل ما يجري؟

قلق

يتباهى الجمهوريون بتحميل أوباما مسؤولية انسحاب القوات الأميركية من العراق، باعتبار أنه أوجد فراغاً ملأه التنظيم «الداعشي». ويسهم هذا النقد في تحديد معالم خط الهجوم الجمهوري للعام 2016.

إلا أنه حين تصل الأمور إلى طرح السؤال المتعلق بما إذا كان الحزب الجمهوري يفضل إعادة إدخال المشاة الأميركية إلى العراق لاستعادة الرمادي والموصل، وردّ «داعش» إلى سوريا، فما من مرشح جمهوري رئاسي ينادي بالعودة إلى بلاد ما بين النهرين.

لكن في غياب القيادة والجيش الأميركيين، من سيطرد مقاتلي «داعش»؟ القوات الوحيدة في القادرة على الإقدام على تلك المحاولة هي الميليشيات الشيعية .

Email