قمة كامب ديفيد هدفت للتوصل إلى أرضية مشتركة في مواجهة التشدد

التسامح والانفتاح الدواء الشافي من مرض «داعش»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في كامب ديفيد، على وقع مناقشة الإدارة الأميركية الهادئ ومراجعتها استراتيجية التصدي لتنظيم «داعش»، بما يعكس اعتقاد الولايات المتحدة بمدى التهديد الذي يفرضه التنظيم على الساحة العالمية.

ويأمل المسؤولون الأميركيون، في ظل دوامة التحديات والتهديدات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، أن تفضي الاجتماعات السياسية، كقمة كامب ديفيد الأخيرة في واشنطن، إلى التوصل لأرضية مشتركة تنبري لمواجهة التشدد في المنطقة بوجهيه السني والشيعي. إلا أن أحد كبار هؤلاء المسؤولين المشاركين في التحالف المناوئ لتنظيم «داعش» أبدى قلقاً حيال محدودية المصادر وقال: «لا يسعنا قتال (داعش)، وخوض حربٍ في اليمن في آنٍ واحد.»

صبت السعودية والدول العربية الأخرى اهتمامها على متمردي اليمن المدعومين من إيران، فخفّ وهج الصراع ضد «داعش» في المرحلة الأخيرة. إلا أن دائرة دعم السنة في العراق وسوريا لا تنفك تتسع. وهناك حوالي بضع عشرات من الأميركيين المنتمين للتنظيم الذي بات يرفرف علمه الأسود والأبيض في حوالي 70 بلدا، ولو بشكل خفي، على الأقل، مما يجعله نداً لتنظيم «القاعدة»، من حيث نطاق انتشاره وحجم التهديد الذي يفرضه.

البدائل الفاعلة

لكن كيف يمكن للتحالف بقيادة أميركا أن يقاتل التنظيم من دون أن يسبغ المزيد من المجد على قضيته في عقول المجندين الشباب المنضوين تحت رايته؟ هناك بعض الأفكار الاستباقية المستقاة من أحاديث مع كبار المحللين الاستراتيجيين المختصين بمكافحة الإرهاب.

ويشير أحد المحللين إلى أن مناهضة تنظيم «داعش» مسألة «نفسية لا ثيولوجية»، ويتفق اختصاصيو الاتصالات الاستراتيجية مع الباحث الفرنسي أوليفييه روي حول أن الرسائل المضادة للجهاد التي يطلقها المشايخ والأئمة غير مثمرة. وفي حين أن الدين قد يوفر غطاءً «يشرعن» السلوك العنفي لمجندي التنظيم، إلا أنه لا يشكل الحافز الذي يتمحور حول أحد الأشكال المتطرفة للاعتداء العاطفي المستهتر الذي يشوب أوساط المراهقين في كل مكان.

تشكل «الأسئلة الوجودية» المتعلقة بجوهر الأمور ومعاني الانتماء الدافع الأساسي للمقاتلين الشباب، بحسب رأي أحد المحللين المتابعين لمسألة التطرف منذ أكثر من عقد من الزمن، ويقول إن الوازع يكمن على غرار الأسئلة، في شعور المقاتلين العدائي المتزعزع إزاء الشخصيات النافذة، والسعي للفت الانتباه وحب الاستعراض، أكثر مما يقتصر على الأيديولوجيا بذاتها. ويحذر بأن السياسات الحكيمة لمناهضة الإرهاب ينبغي أن تحجب ما أسماه بـ«المستقبلات» المؤدية للعدوانية من خلال تعزيز مبدأ التسامح وبث الشعور بإنهاء الأزمة. ولا تعتبر محاولة التنظير على المقاتلين سوى مضيعة للوقت، حتى أنه في حينها، قد يكون الأوان قد فات على ذلك.

وتر التظلمات

ويوضح المحللون أن تنظيم «داعش» يمثل برأي بعض الناس «العلامة التجارية» الأقوى في العالم، فيعمل من خلال تذكية الشعور بالظلم، وتأجيج المشاعر عبر رواية قصص تعكس معاناة المسلمين وإذلالهم، على جرّ الشباب إلى هوة محاربة حكومات الفساد والقمع والطغيان.« ويحذر المحللون من أن ممارسة الضغوط على المسلمين وحضهم على الاستنفار ومناهضة إغراء الانضمام للتنظيم قد تتسبب بأثر عكسي، حيث إنها تولي الأهمية للتيار السائد لدى المسلمين وليس لدى المتشددين.

أما ناديا عويدات المحللة الأردنية المولد في مؤسسة »نيو أميركا« فتقول إن السلاح الأقوى ضد الانتشار الفيروسي للمقاتلين على صفحات التواصل الاجتماعي العربية يكمن في البديل الذي يحتفي بالحرية، حيث لاحظت على موقعي »فيسبوك« و»يوتيوب« فورة من الأفكار التي أنتجتها أحداث »الربيع العربي«، والتي تطغى بنفحتها التفاؤلية على صورة المقاتلين النزقة والقاتمة الأكثر عدائية. وركزت مباحثات كامب ديفيد على جبهات القتال القائمة لمحاربة التشدد في الشرق الأوسط، لكن الآمال معقودة على تفكير القادة العرب في إطار عمل يضم مجتمعات قائمة على التسامح والانفتاح، كما هو واقع الحال في بعض دول المنطقة. هذا هو الدواء الحقيقي للشفاء من العنف.

إشارات

أظهرت المحللة ناديا عويدات عشرات صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تحمل عدداً من الرسائل التحررية، وتحصد ملايين المشاركات وإشارات الإعجاب، فتتفوق بذلك على المواقع المنادية بالقتال والتشدد.

ويتجلى أحد المؤشرات الأخرى الدالة على أن الأفكار الليبرالية في الشرق الأوسط لا تزال مفعمة بالحياة في دراسة حديثة استطلعت رأي الشباب العربي، وقامت بها شركة العلاقات العامة بيرسون مارستيلر. وارتكزت الدراسة على مقابلات أجريت في 16 بلدا عربيا، مع 3500 شاب وفتاة تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً. وتبين أن 73 في المئة من المستطلعة آراؤهم أبدوا تخوفاً من بروز تنظيم »داعش« وانتشاره.

Email