تعدد الأزمات على الجبهتين الداخلية والخارجية قد يدفع جوبا نحو الحل

العقوبات ملاذ أخير لفرض اتفاق في جنوب السودان

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تأرجحت المفاوضات الدائرة بين حكومة جنوب السودان والمتمردين، بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار، بين التعليق والاستئناف لحوالي عام كامل، من دون أن يحقق الطرفان أي تقدم ملموس. وقد يكون التهديد بفرض عقوبات على الأطراف المتصارعة، ملاذا أخيرا للوصول إلى حل.

وكانت أعمال العنف قد بدأت في ديسمبر 2013، عقب صراع على السلطة بين مشار ورئيس جنوب السودان سيلفا كير، سرعان ما تطورت إلى حرب أهلية. وتواصلت الهجمات المتبادلة بين المتقاتلين، على الرغم من توقيع اتفاقيتي وقف إطلاق النار في شهري يناير ومايو 2014. وأسفر ذلك عن مقتل عشرات الألوف من الأشخاص، وتهجير ما يقارب المليوني شخص، في حين بات جنوب السودان يتصدر لائحة صندوق السلام لمؤشر الدول الهشة.

تجمدت محادثات السلام، التي أدت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا «إيغاد» دوراً بارزا فيها، واتفق كل من مشار وكير مبدئيا على تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، إلا أن الخلاف قد وقع حول إعادة توزيع الوزارات السيادية، وكيفية التعامل مع القبائل التي ينتمي إليها الزعيمان المتنازعان. كما أخفقت المفاوضات نتيجة لوقوع شقاق بين أعضاء «إيغاد» أنفسهم.

ضرورة التسوية

ومن المتوقع أن تعقد «إيغاد» قريباً قمةً خاصة تجمع بين رؤساء الدول الأعضاء، مع احتمال مشاركة قادة أفارقة آخرين. وتشكل القمة فرصة لكسر الجمود الحاصل في جنوب السودان، حيث الفصائل المتقاتلة وداعميها منهكةً أكثر من أي وقت مضى، وتقترح وضع تسوية مقبولة تحت تهديد العقوبات الاقتصادية، التي قد ترغم الجميع في النهاية على منح عملية السلام الأولوية.

يضم جنوب السودان حوالي 60 قبيلةً لا تحظى بخبرة واسعة في مجال الحكم الذاتي، ومع انهيار قوات الأمن النظامية، انتشرت الميليشيات المستقلة، وشاعت الفوضى. ويشكل المدنيون من قبيلة نوير غالبية المتمردين المقاتلين في صف مشار، في حين تشكل قبيلة الدنكة الشريحة الأوسع من القوات التابعة للحكومة. استؤنفت أعمال القتال، أخيراً، في جنوبي السودان، وهي مرشحة للتصاعد مع بداية موسم الجفاف.

وأظهرت «إيغاد» حتى اليوم عدم فعاليتها، حيث أبدت كل من جيبوتي وإثيوبيا وإريتريا وكينيا والصومال، حيادية حيال الصراع، في حين حارب الجيش الأوغندي إلى جانب قوات كير، ودعمت السودان مقاتلي مشار.

ويذكر أن بين السودان وأوغندا عداوة قديمة وعادات الاقتتال بالتفويض، إلا أن مصالح هذين الطرفين قد تتبدل اليوم على ضوء الأزمة، التي تهدد بوقف إنتاج النفط في جنوب السودان، مما يعني خسائر أكبر في عائداته وعائدات السودان. وتحل المشكلات الاقتصادية في توقيت سيئ لكل من رئيسي السودان وأوغندا، اللذين يواجهان الانتخابات خلال العامين المقبلين، مما يوفر حافزاً أكبر لـ«إيغاد» للتوصل إلى تسوية بين كير ومشار.

اتفاق شائك

وكان الطرفان قد اتفقا على استحداث منصب رئيس الوزراء لمشار، إلا أن اقتراح أوساط كير بجعل المنصب غير تنفيذي، وحصر السلطات برئيس الجمهورية، دفع بأوساط مشار إلى اقتراح تحويل الرئاسة الأولى إلى منصب تشريفي، وإلغاء منصب نائب الرئيس. ويمكن كسر هذا الجمود عبر إعادة توزيع السلطات بين الطرفين، علماً بأن مسألة المقاتلين تبقى موضع خلاف، في ظل اقتراح الحكومة إعادة دمج المنشقين السابقين في الجيش، باستثناء المؤيدين لمشار، ورغبة المتمردين بأن يبقي الطرفان على جيشين وقيادتين منفصلتين، إلا أن النزعة القبلية المشاكسة، التي تسيطر على جنوب السودان لن تسمح بنجاح أي من الخيارين المطروحين.

وتبرز الحاجة إلى إحداث تغيير جذري في قطاع الأمن، الذي ينبغي أن يصبح خدمة مهنية تعكس التنوع في البلاد.

يتعين على «إيغاد» أن تحث الأطراف المتناحرة على قبول التسوية تحت تهديد العقوبات، التي قد تحظى وفقاً للمعطيات بفرصة للنجاح، رغم عدم فعاليتها عموماً. يعتمد جنوبي السودان اليوم بشكل مقلق على كل من أوغندة وكينيا للحصول على الطعام، وعلى السودان لتصدير النفط، وعلى كينيا لاستيراد المحروقات.

يقوض الحظر على النفط أو المحروقات شبكات محسوبيات كل من كير ومشار، اللذين حققا من خلال الفساد، ثروات مخبأة في بلدان «إيغاد» يسهل تحديدها، وتجميدها ومصادرتها. أبدت الفصائل المتناحرة في جنوبي السودان حتى اليوم عدم مبالاة بالنداءات الإنسانية المطالبة بحل النزاع. لذا فإن الوقت قد حان لتختبر «إيغاد» مدى اكتراثها بالضغوط الاقتصادية المفروضة.

أولوية المصالح

يقع اقتصاد جنوبي السودان المعتمد على النفط، على شفير الكارثة، في ظل تراجع إنتاج النفط الخام حوالي 35 في المئة، منذ بدء الصراع. ويزيد الوضع سوءاً انخفاض سعر النفط العالمي إلى حوالي 45 في المئة منذ الصيف الماضي، مما يعني تقلصاً هائلاً في عائدات الحكومة من النفط، وازدياد الضغوط المالية والخاصة بالموازنة.

كما تلقت التجارة والسياسة النقدية للبلاد ضربةً هي الأخرى، وارتفعت أسعار المواد المستوردة، وبات من الصعب الحصول على عملات أجنبية. ويعيش جنوبي السودان أزمة محروقات، لاعتماده على المستورد منها بغياب مصافٍ للتكرير. وتعتبر تلك الضغوط الاقتصادية مصدر عدم استقرار، إلا أنها تشكل فرصةً أمام «إيغاد» لتوظيفها في التوصل إلى اتفاق سلام.

Email