أميركا بحاجة لاستراتيجية واضحة للتعامل مع «داعش» وسوريا والعراق

استراتيجية واشنطن سجينة تذبذب الرؤية والتخطيط

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

 لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن انهيار استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية ضد «داعش»، إلا أن التساؤل عن احتمال ذلك سرعان ما سيطرح نفسه. في الواقع، ليس هناك وضوح حول ما إذا كانت استراتيجية الولايات المتحدة قد خططت أساساً للتعامل مع التعقيدات التي برزت منذ إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن جزء مما تنطوي عليه الاستراتيجية فعلياً.

في مواجهة «داعش»

بادئ ذي بدء، لطالما كان الهدف الأساسي المتعلق بإضعاف تنظيم «داعش وتدميره أمراً محدود الأهمية. ولطالما كان واضحاً أن شكلاً من أشكال التشدد العنيف سيبقى بعد الهجمات الجوية الأميركية، والجهود العراقية لتطهير العراق، والقدرات المحدودة للجيش السوري الحرّ.

وقد أمعن في الواقع كبار مسؤولي الدفاع والجيش الأميركي في توضيح هذه المسألة من خلال حصر هدف العملية بـ «إضعاف» التنظيم، والإشارة إلى أن الصراع ضد التشدد قد يطول لسنوات، إن لم يكن لعقود.

يشير تكاثر الجماعات المتشددة وانتشارها، ببساطة، إلى أنه على الرغم من إمكانية «القضاء» على تنظيم «داعش» بدلاً من «إضعافه» وحسب، فإن أي استراتيجية تقتصر على تلك الغاية، ولا ترتكز إلى استراتيجية شاملة ومجموعة شراكات تحارب العنف والتشدد، تبقى خالية من أي معنى في سوريا. ليس لدى أميركا، في الوقت الراهن سوى استراتيجية جزئية، أو بالأحرى لا استراتيجية تواجه بها عدواً معلناً في «الحرب على الإرهاب».

تحتاج أميركا للانتقال من وضع التقارير إلى الانخراط الفعلي في القتال، وفق مجموعة محددة من الأولويات، وإقامة شراكات دقيقة مع الدول المعنية الأساسية، ووضع استراتيجية شاملة تسطر بوضوح نمط الممارسة والمصادر الكفيلة بتطبيقها، واعتماد مقاييس شفافة لضبط مستوى التقدم.

التعامل مع سوريا

صبّ العديد ممن صاغوا استراتيجية التعامل مع «داعش» تركيزهم على العراق، بحيث ظنوا حتماً أنهم يستطيعون فصل حملة إضعاف «داعش» وإخراجه من المناطق المكتظة في العراق، عن تحقيق أي هدف على نطاق أوسع في سوريا، يشمل هزيمة الرئيس السوري بشار الأسد أو تشكيل قوة فاعلة من المتمردين المعتدلين.

تواجه الولايات المتحدة الكثير من التحديات الاستراتيجية، لكنها تحتاج لقرارات واضحة وصارمة حيال دورها الاستراتيجي المستقبلي في سوريا.

الاستراتيجية الملتبسة في العراق

تشكل استراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع العراق الركيزة الثالثة والأهم في الحملة العالمية الفعلية ضد تنظيم داعش. كان لا بدّ من إزاحة رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي، على الرغم من عدم الإعلان عن الأمر صراحةً لأسباب سياسية واضحة. كما تعين تشكيل حكومة وطنية فاعلة وبناء قوات عراقية قادرة على الإمساك بزمام الأمور.

في الوقت عينه، كان لا بدّ من تأمين الدول العربية ضد التمدد «الداعشي» نحو المنطقة المصدّرة للنفط، المهمة لسير واستقرار الاقتصاد العالمي، الذي يشكل مصلحة أمنية قومية حيوية للولايات المتحدة الأميركية.

تجمع الحكومة العراقية الجديدة مزيجاً غريباً من الأطياف، إلا أنها تتمتع بما يكفي من الوحدة. ونشرت الولايات المتحدة بين 1600 إلى 1900 عنصر من الجنود على الأرض، ويسمح لمعظمهم بالتوغل في الوحول العراقية. وقد ساعدت العراق على تأسيس مراكز قيادية عملية في بغداد وأربيل. إلا أنها لم توفر المستوى المطلوب من الدعم الجوي المقرر أساساً، وحولت انتباهها إلى مدينة عين العرب.

يتعين على الولايات المتحدة، على المستوى السياسي أن تظهر حتمية دعمها للسنة والشيعة في العراق لتوصل الحكومة المركزية والأكراد إلى مجموعة فاعلة من التسويات. كما أنها تحتاج لتطوير استراتيجية أكثر واقعية على المستوى العسكري.

يسلط هذا الضوء على الحاجة للشفافية في نقل العنصر الأساسي للحرب على (داعش)، لكل من الشعب الأميركي، والكونغرس، والإعلام، والحلفاء. وإن كان هناك من درسٍ يجب تعلمه من فشل حربَي إدارتي الحزبين الأميركيين، فهو أن خوض حرب مبنية على اللف والدوران لا يحصد نقداً صادقاً، ولا يشكل استراتيجية فاعلة، ولا ينم عن أداء فعال في حرب لا بدّ من الفوز بها.

رؤية مشوشة

لا يمكن لأحد تجاهل حقيقة تشكيل «داعش» التهديد الأساسي. لكن من الجوهري الإشارة إلى أنه في حال عدم تمكّن تنظيم داعش من النجاة ككيان في كل من سوريا والعراق، فإن تقديرات إحدى الدول العربية الاستخبارية الحليفة تحصي ثلاثين مجموعة مسلحة في سوريا بمفردها.

نظراً للقيود الصارمة على حجم القوة الجوية واستخدامها، ومستوى الحضور الاستشاري الفاعل على الأرض، والقرار الاستراتيجي السابق بترك الأمور تتفاقم في سوريا، بدا من المنطقي التحدث عن مستوى رمزي من التدريب الجديد لثوار سوريين..

وتقديم تمويل وتسليح إضافي غير محدد، والتغاضي عما يحدث في سوريا، والتعاون بشكل أفضل مع الحلفاء العرب الأساسيين. إلا أن أياً من ذلك لم يفلح، سيما بعد أن تحولت الحملة الجوية الأميركية إلى فوضى عارمة ومشتتة.

Email