ثلاثة محاور للتصدي الدولي لـ «التنظيم»

توجيه الضربات الجوية ضد "داعش" بداية التصدي له أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصف وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، تنظيم «داعش» بأنه «من التعقيد وإجادة التمويل بصورة تفوق أي مجموعة أخرى... وأنه يتخطى كل ما سبق لنا رؤيته». يضم التنظيم ضباطاً عسكريين سابقين قادرين على قيادة طائرات الهليكوبتر، وتوجيه المدفعية، والمناورة في المعارك. ويتصف بأنه تنظيم هجين، فهو يعتبر في جزء منه شبكة متشددة، وجيش حرب عصابات، ونواة كيان.

رأى الرئيس الأميركي باراك أوباما أن على الولايات المتحدة مهاجمة «داعش» الآن، ولو جواً فقط. كان أوباما يمضي إجازته ويلعب الغولف بينما الحملة الجوية المبدئية على العراق تتسع. ولم يكن صريحاً تماماً حيال السبب الذي دفعه للاعتقاد بضرورة المعركة، بعد أن تعهد بإنهاء حرب أميركا المكلفة على العراق. إلا أنه قدم أسباباً مباشرة للحرب توزعت على ثلاثة محاور.

قام تنظيم «داعش» بارتكاب مجازر بحق أقليات دينية من المسيحيين واليزيديين، ويمكن لهجمات أميركا الجوية أن تمنع المزيد من أعمال القتل، وفق كلام الرئيس الأميركي. وعلى محور آخر، يتعين الدفاع عن حكومة إقليم كردستان، حليف أميركا شبه المستقل، والغني بالنفط في شمالي العراق. أما المحور الثالث والأهم، فوصفه أوباما بالدفاع عن النفس وخرق تنظيم «داعش» قبل أن يحاول مهاجمة الأميركيين في المنطقة أو داخل الولايات المتحدة نفسها.

عمد «داعش» إلى قطع رأسي صحافيين غربيين. إلا أن بعض الاختصاصيين في شؤون الإرهاب أشاروا إلى أن التنظيم تستنزفه الحروب الطائفية في كل من العراق وسوريا، وأنه لم يبد أي نية لشن هجمات على الغرب، ولا يملك القدرات اللازمة للقيام بذلك. ومع ذلك، استقطب «داعش» خمسمئة متطوع بريطاني وعدداً من حاملي الجوازات الأوروبية وبعض الأميركيين إلى صفوفه. وقد يتجه هؤلاء إلى لندن، برلين أو نيويورك. وأعلنت السلطات البريطانية أخيراً أن التهديد بهجوم إرهابي على الأراضي البريطانية «متفاقم» نظراً لعدد المقاتلين البريطانيين المتزايد في العراق وسوريا.

ولا يكمن السؤال إزاء استئناف أوباما الحرب في العراق عن المبررات بل عن النتائج. فتوجية ضربات جوية ضد جيش عصابات مجهز جيداً لا يؤثر كثيرا، ما لم ترافقه قوات فاعلة على الأرض. وتفترض السياسة الأميركية أن سياسيي العراق المتنازعين سيحشدون جيشاً شيعي القيادة لمحاربة «داعش» على أرض سنية. إلا أن الدلائل الحديثة تشير إلى عدم واقعية هذه الفرضية. أما في سوريا، فالخيارات تبدو أسوأ. فلطالما كرر الرئيس أوباما أنه لا يؤمن بأن الثوار المعتدلين في سوريا قادرون على الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو هزيمة المقاتلين المتشددين. إلا أن الخيارات البديلة تفتح الباب أمام استشراء العنف في سوريا على حساب أرواح عشرات الألوف من المدنيين، أو تتغاضى ضمنياً عن قيام تحالف مع نظام الأسد.

ليس واضحاً بعد ما إذا كان «داعش» سيبقى مصدر تهديد. ويشكل بروزه دلالةً على وجود زعزعة ما على المستوى الأعمق تتمثل في الفشل باعتماد سياسة دولية في كل من العراق وسوريا. أقر الرئيس أوباما أخيراً أنه «لا يملك استراتيجية بعد» حيال سوريا، علماً أن هناك تحالفاً من دول المنطقة مستعداً لتغيير طموحات «داعش».

إن قيادة تحالف من هذا النوع ليس بالعمل الهين ولا المضمون. وقد نجح الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب في اعتماد تلك السياسة الخارجية، التي يقدرها أوباما كثيراً، وذلك إبان الاستعداد لحرب الخليج عام 1991 من خلال الانخراط الشخصي المكثف. بقي لأوباما أكثر من سنتين في البيت الأبيض. ويتوجب عليه لهزيمة «داعش» والتقليل من مصدر قوتها المخاطرة بمصداقيته بأكثر من هجمات جوية وحسب.

الاستقرار الغائب

لجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما ومستشاروه مراراً إلى منطق تبرئة النفس، بالادعاء أن أميركا لا تستطيع أن تجبر شعوب الدول الأخرى على التوحد حول أجندتها الخاصة، وأنهم إن لم يفعلوا، فأي عواقب تنجم تقع على عاتقهم وحدهم. يثير هذا الشكل من الواقعية، كمهرب من التعجرف الأميركي، الاهتمام، إلا أنه يفشل تماماً في الإسهام في جلب الاستقرار الى منطقة الشرق الأوسط.

Email