تصورات الغرب لمستقبل العراق سر مشكلاته

نهوض العراق يمر بتكامل مكوناته السياسية والاجتماعية

العراق يمر بمنعطف خطر بعد فشل الجيش في طرد «داعش» أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

العراق يواجه خطر التداعي تحت أنظار العالم المرتعب. وغالبية مناطق الشمال والغرب تقع تحت سيطرة «داعش». أما شمال شرقي البلاد حيث الإقليم الكردي فشكل منطقة ذات حكم ذاتي لأكثر من عقدين من الزمن. ويرجح بحكم الأمر الواقع أن يبقى الجنوب ضمن أي دولة عراقية وحدويّة، ومن المؤكد تقريباً أن يتجه نحو الوقوع تحت التأثير الأجنبي.

تكمن معضلة العراق في أنه طالما كان على الصعيدين الثقافي والاجتماعي منقسماً إلى ثلاثة كيانات.

يتوزع النسيج المجتمعي للبلاد على ثلاث مجموعات أساسية تتألف من العرب الشيعة، والعرب السنة، والأكراد (ذوي الغالبية السنية). ولكل من هؤلاء تاريخ مختلف ومسار آخذ في التباين إلى حدٍّ بعيد اليوم.

ستون في المئة على الأقل من سكان العراق هم من أبناء الطائفة الشيعية، التي كان لها تاريخ مليء بالتعقيدات في العراق. فيما يشكل العرب السنة ثاني أكبر طائفة دينية/سياسية، ويشكلون، على الرغم من أن نسبتهم لا تتعدى 19 في المئة من سكان العراق، الفريق الذي حكم البلاد لأجيال متعاقبة، انتهت مع سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على يد الغرب عام 2003.

ولطالما احتل العراق، بالنسبة لدول الغرب، أهمية جوهرية لغناه بالموارد النفطية. فعلى الرغم من الاستقلال الرسمي الذي كانت البلاد تتمتع به في ظل النظام الملكي العراقي، الذي امتد من العام 1932 حتى 1958، بقيت الصناعة النفطية بجزء كبير منها خاضعة لسيطرة الشركات البريطانية. كما اعتادت القوات العسكرية البريطانية التأكد من بقاء النظام الملكي الحاكم الموالي لها في السلطة.

عام 1958، أطاح الجمهوريون اليساريون بالنظام الملكي العراقي. وأقلق الواقع الجديد الغرب، ودفع بوكالة سي.آي.إيه الأميركية إلى مساندة مجموعة سياسية بعثية معادية للشيوعية. نجحت قيادة حزب البعث ذي الغالبية السنية في الإطاحة عام 1963 بالحكومة اليسارية، وحكمت العراق حتى عام 2003 الذي شهد سقوط نظام صدام حسين.

ومنذ ذلك الحين، تسيطر أغلبية شيعية على حكومة العراق، التي عمدت في السنوات الأخيرة إلى انتهاج حكم طائفي الطابع استبعد المناطق الغربية للبلاد، حيث تتمركز غالبية العرب السنة.

أما الأكراد الذين يشكلون أصغر الجماعات الثقافية/السياسية الثلاث للعراق، ولا تتعدى نسبتهم 17 في المئة من السكان، فيقطنون بشكل أساسي في المناطق الجبلية المنتشرة شمال العراق. وعلى الرغم من غالبيتهم السنية، فإن ثقافتهم جبلية الطابع تختلف كثيراً عن إخوتهم في الدين.

وجاء انخراطهم في العراق الحديث نتيجة للتطورات السياسية الناجمة عن الحرب العالمية الأولى، والمتمثلة بسقوط الإمبراطورية العثمانية، ورغبة بريطانيا في أن يساعد الأكراد السنة على إيجاد توازن ديموغرافي مع الشيعة في العراق. كان الأكراد أنفسهم منقسمين حيال مسألة تأسيس دولة خاصة بهم بناءً على اقتراح من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا. في حين كانت بريطانيا أكثر قلقاً حول السيطرة على الجبال الكردية الشمالية للعراق بوجه تركيا المتجددة بما يبرر لها الدفاع عن السهول العراقية. وقد عانى الأكراد، خلال حقبة حكم حزب البعث للعراق، من هجمات صدام حسين الذي استهدفهم بالغاز السام حينها.

تمكن الأكراد، عام 1991، عقب حرب الخليج من تأسيس إقليم كردي يتمتع بحكم ذاتي بوجه أنصار صدام، فقط حين أعلن الغرب حظر الطيران فوق المناطق الكردية ومنع صدام من قصف المنطقة. ويتبع الإقليم الكردي حالياً، بشكل رسمي، للعراق، ولكن تمثله حكومة خاصة به وإدارة مدنية وقوات مسلحة.

في ظل وقوع الجزء الأكبر من شمال غرب العراق اليوم في أيدي «داعش»، يبقى السؤال الأبرز هو ما إذا كان ممكناً تحقيق نهوض العراق تحت أي شكل من الأشكال، أو ما إذا كان سيظل عرضة لمخاطر الانقسام.

مشكلة أساسية

تم تصميم الجغرافيا السياسية «الرسمية» للمنطقة وفرضها على يد الغرب، عقب تقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها. أدى تجاهل الغرب على نطاق واسع للجغرافيا السياسية/الثقافية الحقيقية للمنطقة، ومحاولته فرض تصوراته لمستقبل العراق، إلى حصول خلل وظيفي يسود منطقة الشرق الأوسط، ويغرقه في معمعة رهيبة.

وتكمن المشكلة الأساسية، في أن الأقليات الكبرى الموجودة في تلك الدول، حيث تتقاطع الحدود المكانية والعرقية والثقافية والدينية، لا تستطيع الدفاع عن مصالحها إلا بالوصول إلى مراكز السلطة والبقاء فيها. في حين أنه بشكل مأساوي، لا يساعد التدخل الغربي وعلى الأغلب أنه لن يساعد في حلّ المشكلات السياسية العميقة التي تضرب المنطقة بأكملها، علماً أنه كان فعلياً، المسبب الأكبر في حصولها في المقام الأول.

Email