اسرائيل لن تفتح المعابر الا بوجود جهة تحمي أمنها

وقف النار الدائم يقتضي عودة «السلطة» إلى غزة

جهود التهدئة في غزة لم تحقق نجاحاً حتى الآن أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

أوقفت اتفاقية وقف إطلاق النار الهشة أعمال العنف في غزة أخيراً، وما لبث القتال أن تجدد. وقد بذل الوفدان الفلسطيني والإسرائيلي جهداً للتفاوض على إيجاد حلٍّ أكثر ديمومة. وتكمن الطريقة الوحيدة للنجاح في ذلك بالسماح للسلطة الفلسطينية وقوى الأمن الخاصة بها بالعودة إلى غزة.

وكانت حماس قد أخرجت السلطة الفلسطينية من غزة عام 2007. إلا أنه في الضفة الغربية، أثبتت القوى الأمنية الخاصة بالسلطة الفلسطينية فعاليتها نسبياً في الحفاظ على الأمن. وتم إحراز تقدم ملحوظ على مستوى بناء المؤسسات الحكومية للدولة الفلسطينية المرتقبة.

وقد اتسم حكم حماس لغزة بالطابع الكارثي بالنسبة لسكان القطاع، حيث أدى إلى فشل اقتصادي، وسيطرة ضارية، ووجود مشقات على الصعيد الإنساني، وانعدام الأمل بمستقبل أفضل، إضافة إلى قيام ثلاثة حروب مع إسرائيل في غضون ست سنوات.

مطالب متبادلة

طرفا النزاع الأخير في غزة لهما مطالب بالنسبة لتحقيق السلام. فإسرائيل تريد وقف الهجمات الصاروخية من غزة، وحفر الخنادق، ونزع سلاح حماس والفصائل الأخرى. في حين تسعى حماس لفتح المعابر مع كل من مصر وإسرائيل، وإطلاق سراح الأسرى، وإعادة إنشاء البنى التحتية في غزة بما في ذلك إعادة بناء المطار وإنشاء مرفأ بحري.

لا يمكن تحقيق تلك المطالب إلا بعودة السلطة الفلسطينية وقوى الأمن إلى غزة، مدعومة من المجتمع الدولي. ولا بد لحماس أن تدرك أن إسرائيل لن تفتح المعابر إلا بوجود جهة موثوقة تضمن عدم وصول مواد إلى غزة تستخدم في إعادة بناء الأنفاق والبنى التحتية للفصائل الفلسطينية.

والجهة الوحيدة التي يحتمل قبول حماس بها هي السلطة الفلسطينية، معززة ربما بحضور دولي. لا شك أن الأمر صعب على حماس، لكن عزلتها الدولية، واستياء الغزيين منها، والحاجة إلى إنهاض الاقتصاد، كل تلك قد تشكل أسباباً مقنعة بما يكفي. إضافة إلى بعض حفظ ماء الوجه الذي تؤمنه الاتفاقية الموقعة في أبريل الماضي بين حماس وفتح، وحكومة الوحدة التي تشكلت في يونيو الماضي.

ينبغي على حكومة الوحدة للسلطة الفلسطينية أن تعين فريقاً وزارياً يشرف على إعادة بناء المساكن، والمصانع، والمرافق العامة التي دمرتها الحرب. كما يتعين عليه، في الوقت عينه، أن يتولى إصلاح المؤسسات الحكومية وجعلها أكثر فعالية، وخضوعاً للمساءلة على غرار تلك الموجودة في الضفة الغربية.

تعتبر المفاوضات المباشرة بين كل من الفلسطينيين والإسرائيليين عملية شاقة للغاية على الصعيد السياسي لكلا الطرفين في الوقت الراهن. لكن يمكن لإسرائيل اتخاذ خطوات عملية على الأرض بتنسيق وثيق وهادئ مع السلطة الفلسطينية يؤدي ليس فقط إلى الحفاظ على هدف قيام دولتين، بل المضي قدماً نحو تحقيقه. يمكن لإسرائيل وقف العمليات الأمنية في مناطق الضفة الغربية، حيث تتولى السلطة الفلسطينية زمام الأمور.

كما يمكن السماح بقيام المزيد من الأعمال والنشاطات التجارية الفلسطينية في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة إسرائيل. حتى أنه يمكن نقل بعض المناطق من سيطرة النفوذ الإسرائيلي إلى نفوذ السلطة الفلسطينية. وتستطيع إسرائيل كذلك سحب قواتها العسكرية تدريجياً إلى المواقع التي كانت تتمركز فيها قبل انتفاضة عام 2000.

مصالح وغايات

لماذا يتوجب على إسرائيل اتخاذ خطوات أحادية الجانب؟ أولاً، لأنها لن تكون أحادية بالفعل، حيث ستعمد القوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية إلى الحفاظ على الهدوء في غزة والاضطلاع بالمزيد من المسؤوليات الأمنية في الضفة الغربية.

ثانياً، هناك مصلحة لإسرائيل في أن تتولى السلطة الفلسطينية زمام الأمور. حيث سيعزز ذلك ثقة الفلسطينيين بإمكانية أن يصبح حل قيام الدولتين أمراً واقعاً ويزيد من احتمال نجاح فتح، بدلاً من حماس، في الانتخابات الفلسطينية المقبلة.

لقد كانت تلك فترة مرهقة للفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء، بما يغري على التراجع عن القيام بأبسط الخطوات. إلا أن المراوحة في ظل ظروف الشرق الأوسط الراهنة تعتبر مرادفاً للتراجع.

الأمل الأكبر

تشكل عودة السلطة الفلسطينية، بالنسبة لإسرائيل، الأمل الأكبر بتفادي استئناف الهجمات بالقذائف والصواريخ وحفر الأنفاق. حيث تسيطر القوى الأمنية للسلطة الفلسطينية، مع مرور الوقت، على الأسلحة الثقيلة الموجودة لدى حماس وتبدأ بحلّ الميليشيات، بشكل يتوافق مع هدف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الرامي إلى سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد.

كما يتيح تطبيق وقف إطلاق النار الدائم فرصاً أكثر في الضفة الغربية، حيث اكتسبت حماس شعبية كونها تغلبت على إسرائيل. وتتمثل الخطوة الأهم اليوم في تعزيز موقع عباس وقادة السلطة الفلسطينية المناهضين للعنف في الضفة الغربية، بما يعزز إمكانية قيام دولتين تعيشان جنباً إلى جنب في أجواء تعمها السلام والأمن.

كما يرسخ، في حالة تعمق عدم الثقة، دعم الغالبية من الطرفين الهدف المنشود عينه. وفي المقابل، فإن أي أسرى توافق إسرائيل على إطلاقهم سيتم تسليمهم إلى السلطة الفلسطينية وليس لحماس.

Email