المجتمع الدولي يمكنه المزج بين التهديد والتدخل والتوسط في الصراع

ثلاث مهام لإخراج ليبيا من محنتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي تحتاج ليبيا بشكل عاجل إلى مساعدة من حلفائها، تقوم معظم البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، بإخلاء سفاراتها أو تقليص وجودها بشكل كبير.

وفيما يعد الأمن الدبلوماسي أولوية قصوى بشكل مفهوم، لا يتعين على ممثلي المجتمع الدولي مغادرة ليبيا، بل ينبغي أن يحافظ على اتصال مع الجهات الفاعلة الأساسية فيها، إذا رغب في التوسط في حل للصراع.

والعنف الذي يجتاح ليبيا يعود إلى صراع سياسي بين جماعات يمكن وصفها بالمعنى الأوسع بانها إسلامية ومناوئة للجماعات الإسلامية. ومنذ تعاونت هذه الجماعات في إسقاط الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي عام 2011، كانت تتناحر على الغنائم، الأمر الذي أسفر عن اختلالات في الاقتصاد والسياسة الليبية.

وقد شن اللواء السابق في الجيش الليبي خليفة حفتر حملة في مايو الماضي متعهدا بالقضاء على الإسلاميين في شرق ليبيا. وقام بعسكرة الانقسام السياسي من خلال دمجه كل الإسلاميين معا، بدءا من المعتدلين إلى المتطرفين، معلناً أنهم أعداؤه.

ومعظم المناوئين للجماعات الإسلامية وقفوا إلى جانبه، مما دفع الإسلاميين إلى الاعتقاد بأنهم جميعا من المتطرفين ويمكن أن يواجهوا المصير نفسه كما حدث لنظرائهم في مصر. وفي مواجهة هذا التهديد الوجودي اعتمد الإسلاميون على الميزة العســــكرية المتوافرة لديهم لضمان بقائهم.

واندلعت معركة شاملة للسيطرة على مطار طرابلس في منتصف يوليو الماضي. ومن منظور الإسلاميين كان هناك هدفان رئيسيان: عرقلة البرلمان المنتخب حديثا ومنعه من الاجتماع والاضطلاع بمسؤولياته، والسيطرة على الطرق الرئيسية إلى طرابلس وتحويل حركة الناس والسلع إلى مطار ميتيغا الذي يديره الإسلاميون.

ضرورة التوسط

ويعتقد كل من اللواء حفتر والإسلاميين أن بإمكانه الفوز عسكريا. وبالتالي ليس هناك ما يجبرهما على التوجه إلى طاولة المفاوضات. وهذا يجعل دور المجتمع الدولي أساسياً في التوسط في الصراع، وإلا فإنه سيطول.

ومع فشل جهود الوساطة القبلية التقليدية، دعت الحكومة الليبية إلى تدخل دولي. ووزير الخارجية محمد عبدالعزيز طالب »مدربين« لدعم القوات الأمنية الليبية الضعيفة. وقد تكون هذه خطوة أولى، لكنها بالكاد تعتبر كافية.

ويبدو أكثر ترجيحا نجاح مزيج من التهديدات، ثم تدخل دولي محدود، ومفاوضات يجري التوسط فيها. وهذا النهج الثلاثي يجب أن يبدأ بتهديد تصدره الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية بتدخل عسكري محدود لإجبار الأطراف المتحاربة على الانسحاب من المدينتين الرئيسيتين، ووقف إطلاق النار على المدنيين والمنشآت، أما الميليشيات التي تعصي الأمر، فينبغي استهدافها بالضربات الجوية.

ثانيا، يجب أن ينشر المجتمع الدولي قوة حفظ سلام لحماية المدنيين، والمؤسسات الحكومية والمنشآت الحيوية، مثل خزانات المياه وشبكات الكهرباء وحقول النفط.

ثالثا، يجب أن تتوسط الأمم المتحدة بقوة في المفاوضات للتوصل إلى صفقة سياسية كبرى، وهذا يجب أن ينطوي على تشكيل حكومة وحدة وطنية وخارطة طريق متفق عليها لنزع سلاح الميلشيات وإعادة تشغيل الاقتصاد والسماح لعملية الانتقال السياسي بأن تتواصل، بما في ذلك انعقاد البرلمان المنتخب حديثا.

وهذه الخطوات الثلاث سوف تعيد الأمن المادي، وتساعد في تشكيل بيئة مواتية لحوار وطني شامل. وما أن تبدأ الأحزاب المتحاربة في التفاوض، حتى يصبح بإمكان اللجنة التي تم انتخابها في فبراير الماضي أن تبدأ العمل على صياغة الدستور. وممثلو الحكومات الغربية والمنظمات الدولية ينبغي أن يظهروا الآن أن إغلاق مقراتهم الدبلوماسية لا يعني أنهم مغادرون.

 

العالم والمستقبل

 

للمجتمع الدولي مصلحة في مستقبل ليبيا، والكارثة الإنسانية التي تتكشف في البلاد يمكن أن تتحول بسرعة إلى مشكلة رئيسية لأوروبا، التي شهدت تدفقا كبيرا من المهاجرين عبر أراضي ليبيا الشاسعة غير المراقبة. كما يشكل وجود ليبيا كدولة فاشلة تهيمن عليها الميليشيات المتطرفة تهديدا أمنيا للمنطقة وللغرب.

Email