الظلم الإسرائيلي لن ينتهي مالم ترتفع كلفته

هدف نتنياهو ضرب المصالحة الفلسطينية

الإعلام الغربي لام الفلسطينيين لردهم على حرب الإبادة الإسرائيلية أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

شنت رابع أكبر قوة عسكرية في العالم عدوانا شاملا على واحدة من أكثر الأراضي حرمانا واكتظاظا بالسكان، وذلك للمرة الثالثة في غضون خمس سنوات. وخلال أسبوعين من بدء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، استشهد عدة مئات من الفلسطينيين، شكل المدنيون حوالي نسبة 80% منهم، فيما قتل 27 جنديا إسرائيليا على الأقل على الجهة المقابلة من الحاجز، الذي يجعل غزة المحاصرة أكبر سجن مفتوح في العالم.

لكن بدلا من المطالبة بوقف الحملة الإسرائيلية من العقاب الجماعي ضد أراض لا تزال محتلة بشكل غير قانوني، فإن القوى الغربية ألقت باللائمة على الضحايا لردهم على الحملة. وصرح الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو ما رددته وسائل الإعلام المذعنة: «لا يمكن لدولة على وجه الأرض أن تتسامح مع الصواريخ التي تمطر مواطنيها من خارج حدودها». ولا يثير الاستغراب أن تأخذ دول سبق أن غزت واحتلت سلسلة من الدول العربية والإسلامية في العقد الماضي جانب محتل آخر تقوم بتسليحه وتمويله إلى أقصى حدود.

لكن فكرة أن إسرائيل تقوم بالرد على وابل من الصواريخ يطلق اعتباطاً تأخذ شكل «السرد المفبرك»، بما يتجاوز الخيال. في الواقع، بعد الاتفاق الذي أنهى العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2012، انخفض إطلاق الصواريخ من غزة إلى أدنى مستوى له منذ 12 عاما.

ومن المفترض أن العدوان الأخير أثارته عملية اختطاف وقتل ثلاثة إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة في يونيو الماضي، وهو الأمر الذي نفت حركة حماس أي مسؤولية عنه، لكن منبعه في الأصل يكمن بشكل واضح في انهيار المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق نهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الربيع الماضي.

هدف العدوان

وقد أعقب ذلك تشكيل حكومة «مصالحة وطنية» من قبل حركتي فتح وحماس اللتين كان انقسامهما الدعامة الأساسية للسياسة الإسرائيلية الأميركية، وتصعيد لعمليات التوغل والقتل الإسرائيليين، بما في ذلك الهجمات على المدنيين الفلسطينيين من جانب مستوطنين مسلحين في الضفة الغربية. ومن الواضح الآن أن الحكومة الإسرائيلية علمت من البداية بأن الإسرائيليين الثلاثة قتلوا في غضون ساعات من اختطافهم. لكن تم حظر الأخبار، فيما كان يجري تصعيد نغمة حملة «أعيدوا لنا أبناءنا»، وتشن حملة واسعة ضد حماس في مختلف أنحاء الضفة الغربية. وهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان بوضوح الإشارة إلى أن الاتفاق الذي قامت حماس بالتوقيع عليه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يكون مقبولا أبدا من جانب إسرائيل.

ولم تكن لقطاع غزة أي علاقة بعملية الاختطاف، لكن الهجمات الإسرائيلية شنت أيضا على القطاع، وقتلت نشطاء لحركة حماس. ومقتل أولئك والحملة العسكرية على الضفة الغربية كانا سبباً لاستئناف «حماس» هجماتها بالصواريخ، وبدوره إلى القصف الإسرائيلي المدمر.

والفكرة القائلة إن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد هجمات غير مستفزة من خارج حدودها هي محض سخافة. فعلى الرغم من انسحاب إسرائيل من مستوطنات وقواعد القطاع في عام 2005، تبقى غزة محتلة سواء في واقع الحال أو في القانون الدولي، حيث تسيطر إسرائيل على حدودها ومياهها الساحلية، ومواردها، ومجالها الجوي، وإمدادات الطاقة إليها.

شعب محتل

وبالتالي، فإن الفلسطينيين في غزة شعب محتل، مثل الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية، ولهم الحق في المقاومة بالقوة إذا اختاروا إلى ذلك سبيلا، لكن من دون تعمد استهداف المدنيين. لكن إسرائيل ليس لها حق الدفاع عن نفسها في الأراضي التي تحتلها بصورة غير قانونية، بل واجب عليها الانسحاب. وهذا الاحتلال المدعوم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها يدخل الآن عامه الـ 48. ومعظم الفلسطينيين البالغ عددهم 1.8 مليون الذين تحملوا القصف المتواصل في غزة هم انفسهم لاجئون أو أحفاد أولئك اللاجئين الذين طردوا أو هربوا من مدن مثل يافا منذ 66 عاما عندما تم إنشاء إسرائيل.

ولا يمكن أن يقال جدياً إن رفض إسرائيل الانسحاب من الردف المتبقي من تلك الأراضي التي صوتت الأمم المتحدة لإقامة دولة فلسطينية عليها في عام 1947 هو بسبب اطلاق الصواريخ. وفي النهاية، حكومة إسرائيل هي من رفضت العام الماضي خلال فترة الهدوء الخطة الأميركية، حتى ورقة التوت لحل الدولتين، وقامت بتصعيد الاستيطان غير القانوني. وكما أوضح نتنياهو، أخيرا، لا يمكن أن يكون هناك «أي اتفاق نتخلى فيه عن السيطرة الأمنية» في الضفة الغربية. وبذلك، يتبقى خيار حل الدولة الواحدة، الذي يسير على خطوط من التمييز العرقي على غرار نظام الفصل العنصري، حيث لا يحظى قسم واسع من السكان برأي حول من يحكمه إلى أجل غير مسمى، لكن من الحماقة تصور أن مثل هذا الظلم المشين سيستمر من دون كلفة متصاعدة على أولئك الذين يفرضونه بالقوة.

الواقع القاسي

غالبا ما يجري انتقاد المقاومة الفلسطينية بأنها عقيمة في ظل اختلال التوازن الشنيع بين الجانبين. لكن حركة حماس التي تجذب المزيد من الدعم على تحديها أكثر مما على نزعتها الإسلامية، تعززت قوتها بسبب الأحداث الأخيرة، حيث أظهرت أن بإمكانها أن ترد في جميع أنحاء إسرائيل، فيما الرئيس الفلسطيني محمود عباس المعتمد على «عملية السلام» المنهارة قد تم إضعافه بدرجة أكبر.

ولم يكن الرأي العام الدولي متعاطفا مع القضية الفلسطينية أكثر مما هو عليه حاليا. لكن الواقع القاسي يفيد بأنه لن تكون هناك نهاية للاحتلال الإسرائيلي حتى يتمكن الفلسطينيون ومؤيدوهم من رفع الثمن على المحتل، بطريقة أو بأخرى، وتغيير ميزان القوى على الأرض.

Email