العدوان يفضي لمأزق استراتيجي يقلص إمكانية أي تطور سلمي

سكان غزة المحاصرون يعيشون مأساة إنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أظهرت جولة العدوان الأخيرة على غزة كل الدلائل على انغلاق إسرائيل والفلسطينيين في مواقف متشددة لا يمكنهم الهروب منها بسهولة، وجعلت أي تطور لحماس إلى حركة يمكنها القبول بحق إسرائيل في الوجود أمراً مستحيلاً، وجعلت الحياة بالنسبة للفلسطينيين في غزة أكثر صعوبة، ونهايتها مأزق استراتيجي يقلص بدرجة أكبر إمكانية حدوث شكل من أشكال التطور نحو السلام.

ومن الصعب رؤية كيف يمكن أن ينجم عن القتال الأخير أي أثر استراتيجي أكثر ديمومة يعود بالفائدة على الجانبين، بدلاً من تسببه بدورة أخرى من فترات استراحة، فعزل لغزة، ثم جولة مقبلة من القتال.

وبقدر ما هو مأساوي هذا السقوط للضحايا، فإن ذلك لا يشكل سوى جزء صغير من مأساة أعظم وأكثر ديمومة، تؤثر على مجمل سكان غزة التي تتحول باطراد إلى حي ضخم حضري شعبي فقير ومحاصر، يعتمد على المساعدات الخارجية، حتى فيما يتعلق بظروف المعيشة التي تبدو في حدودها الدنيا، وحيث كل جولة جديدة تزيد الأوضاع سوءاً.

أوضاع حرجة

وكان الضغط السكاني حرجاً في تلك المنطقة، حيث المياه شحيحة والمناطق الصالحة للزراعة محدودة، وخطوط الاتصالات ضعيفة والبنى التحتية مترهلة، وحيث هناك العديد من العوائق الداخلية والخارجية.

وتقديرات الأمم المتحدة بشأن مستقبل قطاع غزة، على الرغم من أنها تعود لعام 2012، إلا أنها تبدو صحيحة إلى حد كبير في تقييم الظروف الإنسانية في القطاع والتوقعات المستقبلية لعام 2020، "إذا لم يقع المزيد من القتال"، وهذا أهم ما جاء في التقرير:

بحلول عام 2020 سيرتفع عدد سكان غزة إلى حوالي 2.1 مليون نسمة من عدد يقدر بـ 1.6 مليون نسمة اليوم. ومعدل النمو السكاني الكبير سيضيف ما يقرب من 500 ألف نسمة إلى منطقة محصورة ونسبة التحضر فيها مرتفعة. والبنية التحتية الأساسية في الكهرباء والمياه والصرف الصحي وخدمات البلدية والخدمات الاجتماعية ستصارع من أجل مواكبة احتياجات السكان الذين يزداد عددهم. وبحلول عام 2020، ستكون هناك حاجة لمضاعفة كمية التزويد بالكهرباء في سبيل تلبية الطلب، فيما تكون الأضرار اللاحقة بطبقة المياه الجوفية الساحلية قد وصلت إلى نقطة يتعذر عكسها من دون إجراءات تصحيحية فورية، وستكون هناك حاجة إلى مئات من المدارس الجديدة وإلى توسيع الخدمات الصحية للسكان حيث الأغلبية الساحقة من الشباب. وهناك حاجة إلى مئات الألوف من الوحدات السكانية الآن. وغزة اقتصادها حضري يعتمد اعتماداً كبيراً على التجارة المكثفة والاتصالات وحركة الناس. والمنطقة معزولة أساساً منذ عام 2005، مما يعني أنه على المدى الطويل سيكون اقتصادها غير قابل للحياة في ظل الظروف السائدة حالياً.

ويتم الحفاظ على غزة على قيد الحياة حالياً من خلال التمويل الخارجي واقتصاد الأنفاق. ويبقى أهل غزة في وضع أسوأ مما كانوا عليه في التسعينات. والبطالة مرتفعة وهي تؤثر على النساء والشباب على وجه الخصوص. ومن المتوقع أن ينمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بشكل متواضع في السنوات المقبلة، مما يجعل تأمين سبل العيش الكريم أكثر صعوبة على الغزاويين.

وتصبح التحديات أكثر إلحاحاً إذا استمر الوضع الراهن السياسي الحالي على ما هو عليه. وحتى لو تحسن الوضع السياسي بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، فإن القضايا التي تم تحديدها في هذه الدراسة لا تزال بحاجة إلى معالجة كمسائل ملحة. والضغط الديمغرافي وتدهور البنى التحتية في غزة يستلزم نمواً اقتصادياً ثابتاً بقاعدة عريضة قائماً على التجارة في السلع والخدمات.

وباعتبارها بيئة حضرية مكتظة بمجال ضيق جداً لمزيد من النمو، تحتاج غزة أن تكون مفتوحة ومتاحة للعالم. وقابلية دولة فلسطينية مستقبلية للحياة يعتمد على الربط السليم بين الضفة الغربية والقطاع، وتوفير إمكانية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط للأراضي الفلسطينية المحتلة بأكملها.

وقد توصلت دراسة للأمم المتحدة عام 2012 أيضاً إلى تقديرات أخرى قاتمة بشأن الآفاق المستقبلية لغزة وإلى سلسلة من البيانات التي تنطوي حتماً على أوضاع خطيرة، مما يوضح التأثير الإنساني لاستمرار العدوان والحصار.فقر وتطرف

 

أهم توقعات الأمم المتحدة عام 2012 حول قطاع غزة:

- قطاع غزة لديه كثافة سكانية عالية. في عام 2000، كان معدل التحضر %94.6 مع توقع ارتفاعه إلى %95.5 بحلول 2015.

- حوالي %51 من السكان هم أصغر من 18 عاماً، ومن المتوقع أن تنخفض النسبة بنسبة طفيفة إلى %48 بحلول 2020.

- لهذا تأثيرات عدة. أولاً، نسبة الإعالة في قطاع غزة مرتفعة جداً، وتتفاقم من جراء البطالة والمعدلات المنخفضة لمشاركة النساء بصورة خاصة في قوة العمل. وإذا كان الاقتصاد لا يوفر فرصاً وهناك انسداد أمام الهجرة، فإن العواقب الاجتماعية يمكن أن تكون سلبية لعدم وجود آفاق مجدية، وهذا هو السيناريو في غزة.

- وطالما بقي الحصار، فإن مستوى انعدام الأمن الغذائي سيبقى مرتفعاً، وبصعوبة يستطيع الغزاويون الوصول إلى نسبة %17 من أراضي القطاع التي تشمل %35 من الأراضي الزراعية، وإلى نسبة %15 فقط من المناطق البحرية المتفق عليها وفقاً لاتفاق أوسلو.

Email