الموصل مرشحة للتحول إلى بؤرة الاقتتال التالية بين المتصارعين

خطر الحرب الأهلية يتفاقم في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت محافظة الأنبار أبرز المعارك الأميركية في العراق. وتكبدت القوات الأميركية الكثير من الخسائر لاستعادة مدينة الفلوجة في نهاية عام 2004، إلى جانب مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار في عامي 2006 و2007.

وهذا النجاح الأخير حققه تحالف غير مسبوق بين القوات الأميركية ومقاتلين من القبائل العراقية، الذين قلبوا ما كان حربا خاسرة، وعملوا على انجاح ما بات يعرف بـ"التدفق". وبحلول عام 2009، كان العنف قد تراجع بنسبة فاقت 90%، مما أوجد فرصة غير متوقعة لبناء دولة مستقرة وديمقراطية ومزدهرة في قلب الشرق الأوسط.

ومن الواضح الآن أن هذه الفرصة قد تبددت، مع نتائج تراجيدية بالنسبة لكامل المنطقة. وفي الأيام الأخيرة بدا الجيش العراقي وكأنه قد أُخرج من مدينتي الفلوجة والرمادي، ولو بشكل مؤقت على الأقل، بفعل ميليشيات القاعدة في العراق.

دور القبائل

ويتأرجح حسم النصر في المعركة التي تهدف إلى السيطرة على محافظة الأنبار بفعل دعم بعض مقاتلي القبائل للحكومة، ودعم آخرين لقوات القاعدة. وقد تكون الموصل وهي المدينة الرئيسية شمالي العراق، والتي كانت مرتعا لنشاطات القاعدة، الهدف الثاني الذي سيسقط بأيدي القاعدة. وإذا ما تم ذلك فإن القاعدة ستتمكن من السيطرة بفعالية على المثلث السني الممتد شمالي غربي بغداد، والذي يوازي حجمه حجم "نيو إنجلاند"، بالولايات المتحدة الأميركية.

وستتمدد سيطرة القاعدة إلى أبعد من المثلث السني بسبب فرعها المتمثل بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش"، والذي يسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية على امتداد الحدود، الأمر الذي قد يوجد مخاوف حقيقية تتمثل في السيطرة على شمالي سوريا وغربي العراق.

وحتى لو لم يُمرر هذا السيناريو الأسوأ من نوعه- على اعتبار المحافظة على الموصل ونجاح الجيش العراقي في إعادة سيطرته على الرمادي والفلوجة- فإن احتمالات تورط العراق في حرب أهلية شاملة كما هي الحال في سوريا تنمو يوما بعد يوم.

وبات العراق على شفا حفرة من ذلك، فتقارير الأمم المتحدة أفادت بمقتل 8.868 عراقيا العام الماضي، وهذا الرقم الأعلى منذ ما اصطُلح على تسميتها بالأيام المظلمة عام 2008. فتفجيرات السيارات المفخخة باتت حدثا منتظما يصنع الأخبار تقريبا.

تدهور الأوضاع

لكن ما الذي حدث؟ كيف تداعى العراق من الحالة الجيدة نسبيا إلى السيئة بهذا الشكل خلال العامين الأخيرين؟

المتهم الأساسي هو تنظيم القاعدة، الذي على الرغم من إظهاره لبعض العشوائية إلا أنه برهن على قدرة لافتة على إعادة سيطرته على زمام الأمور قبيل هزيمة محتملة قد يتعرض لها. إلا أنه ما كان ليستطيع النجاح بذلك دون تمتعه بدعم الجمهور السني في محافظات الأنبار ونينوى وديالا وأخرى غيرها. وعندما فقدت الجماعة ذلك الدعم عام 2007، تراجع القادة الميدانيون للقاعدة. أما اليوم فهم يتمتعون بحرية المناورة بسبب دعم أطراف سنية عديدة، والتي أصبحت تعتقد بأنها تحميها من الحكومة الطائفية الجشعة في البلاد.

ولا يجدر برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن يلوم أحدا سوى نفسه. فلو أنه احتضن حركة الصحوة السنية لكان العراق يعيش حالة سلام نسبية. إلا أنه فعل العكس تماما، فلدى ترك القوات الأميركية للعراق بدأ باضطهاد قادة سنة بارزين.

وفي ديسمبر عام 2011، أرسل المالكي قوات الأمن للقبض على نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، الذي هرب، وتم الحكم عليه غيابيا بالإعدام اعتمادا على شهادات أدلى بها حراسه الشخصيون، والتي قيل أنها انتزعت منهم تحت التعذيب. وفي ديسمبر عام 2012 اعتقلت قوات الأمن الحرس الشخصي لوزير المالية السابق رافع العيساوي وعددا من القيادات السياسية السنية الأخرى. إلا أن العيساوي استطاع بالكاد الإفلات من الانتهاء في السجن. وذلك بينما اعتقل عضو البرلمان السني البارز أحمد الراوي قبيل أيام من مقتل أخيه في عملية تبادل لإطلاق النار بين حرسه الخاص وقوات الأمن العراقية.

الحل في العراق

ما يحتاجه العراق الآن هو ما شهده عام 2007، عندما صمم الجنرال ديفيد بيتراوس استراتيجية كاملة لمكافحة المقاتلين. فمثل هذه الاستراتيجية تحوي على الكثير من الحقائق وأهمها ما سمي بـ "خط العمليات"، السياسي، تعزيز المصالحة بين رئيس الوزراء العراقي وشيوخ القبائل في محافظة الأنبار.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد فقدت معظم نفوذها للقيام بتلك المهمة بعد الخطوة الساذجة التي أقدمت عليها لدى إخراجها لقواتها من العراق أواخر عام 2011، إثر فشلها في المفاوضات الفاترة التي أجرتها على يد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن. والاقتصار على بيع العراق صواريخ "هيل فاير".

يتعين على واشنطن أن توضح أن المساعدة العسكرية والاستخبارية التي طلبتها بغداد ستصلها فقط عندما يمد المالكي يده مبسوطة للسنة في بلاده وليست مقبوضة بالعداء.

Email