الود والألفة ينقلبان إلى توترات بعد الاصطدام بهموم الواقع

«القفص الذهبي» في لبنان يتحول إلى حلبة للصراعات

■ الأيام الذهبية سرعان ما تنتهي بين الأزواج في لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن ما ينعته البعض بـ«القفص الذهبي» ليس كذلك في الواقع إذ سرعان ما يتحول حلبة للصراعات والتوترات بين طرفين كان يفترض أن تجمعهما الألفة والود خاصة لدى البعض الذين قرروا دخول هذا القفص بعد سنوات قضوها معاً.

«بدنا نصير نزقّ غراض، ونتقاتل مع النسوان ونلمّ علينا الجيران، ونقعد على الباب نقول: يا ريْت ما تجوّزنا».. هذه الكلمات يغنّيها الشباب في مسرحية «بيّاع الخواتم» للأخوين الرحباني، وتتردّد في أذهان كثيرين صورةً نمطيّة عن الزواج، ولا سيما في المرحلة الأولى من القفص الذهبي، وهي مرحلةٌ انتقاليّة يعبرها بعض الثنائيات بمتعة المستكشفين، والبعض الآخر يضجر منذ الخطوة الأولى.

«يشخر طيلة الليل، ولا يدعني أنام.. لو كنت أعرف ذلك لما تزوجته»، تقول هدى ضاحكةً من سامر، زوجها منذ شهرين.. يقاطعها هو محتدّاً: «كم ساعة تمضين في الاستحمام؟ وكم من الوقت يلزمك لتحضير نفسك قبل أن نخرج في مشوار؟ تحتلّين الحمّام احتلالاً، وتجعلينني أنتظرك ساعات في السيارة، وأنا ساكت وراض».

سيناريو متكرر

مسلسل «ما قبل الزواج وما بعده» هذا، يتكرّر كثيراً في الأدبيات اليوميّة للبنانيين.. وإذا كانت بعض حكاياتهم تصوّر النقلة كعبور من الجنّة إلى النار، وبعضها الآخر يصبغ الحياة الزوجيّة باللّون الوردي، فإن المسألة تبقى في الواقع أكثر تعقيداً، بكل ما فيها من مفاجآت، سارّة وغيرة سارّة.

وفيما يختلف ميزان السلبيات والإيجابيات في التأقلم مع الوضع الجديد بين ثنائي وآخر، تشير أستاذة فلسفة التحليل النفسي في الجامعة اللبنانيّة - الأميركيّة، نجلاء حمادة، إنّ تقاليد النقلة هذه مسألة حسّاسة في المجتمع العربي، واللبناني تحديداً، لكونها «خاضعة لصيغة هجينة تمزج بين النمط العصري التقليدي في الارتباط، والجمع بينهما صعب، ويخلق ازدواجيّة في التعاطي».

أن تكون «عصرياً» مئة في المئة أو تقليدياً مئة في المئة «أسهل بكثير من هذه الخلطة»، وفق تعبير حمادة، فـ«المشكلة تكمن في جمعنا للتقاليد ورغبة الهروب منها في الوقت نفسه، ما يجعل فهمنا لنوعيّة العلاقة قبل الزواج وبعده مبهماً».. وهذا ما نجده بالفعل في تجارب كثيرة من حولنا.

زينة مثلاً، استمرت علاقتها بزوجها 12 عاماً قبل الزواج، لكنّ «العلاقة أصبحت أقوى وأعمق بعد الزواج.. مشاعرنا أصبحت أكثر زخماً، وأنا أصبحت أتدلّع أكثر من السابق».

ورغم العِشرة الطويلة، لم تكتشف زينة أنّ شريك حياتها غسان لا يقول صباح الخير لأحد إلا بعد فنجان «نيسكافيه»، «لكنني أستمتع كثيراً باكتشاف هذه العادات الجديدة، لأنني أحبه كثيراً».

ذوق صعب

وبالنسبة لمنى وفادي، اختلف الحال.. فلطالما تباهت منى بمعرفتها بطباع الحبيب بتفاصيلها المملّة.. «بالغتُ قليلاً»، تقول اليوم بعد أشهر من الزواج.. «ذوقه في الطعام صعب مثلاً، كما أنّه يكره وجود صديقاتي في المنزل، ويجد حجّة للخروج عندما يأتيْن لزيارتي». أمّا هو، فيعلّق: «لم أكن أعرف أنّها تحبّ الثرثرة إلى هذه الدرجة، تمضي ساعات على الهاتف مع أخواتها وبنات خالاتها وبنات الجيران و...».

صدمة

أما سهى، فتزوّجت منذ سنة تقريباً، وأصبحت أماً منذ أسابيع. ليست سعيدة بوضعها الجديد، فزوجها يتركها مع ابنتهما، ويذهب ليسهر مع أصدقائه.. «سمِنت قليلاً. ولذا، أصبح يخجل من الخروج معي أمام أصدقائه».. إلهام وزوجها ناصر، أيضاً، لم يذوقا طعم العبور على مهل، بعدما دفعتهما الظروف إلى السكن في بيت أهله.. «لم أشعر بأنني عروس يوماً، كنت أكتشف عائلته معه. لم أشعر بأنني مرتاحة، لأنّ العيون كانت تلاحقني دائماً»، تقول بخجل، مضيفة: «أفتقد تلك التفاصيل الصغيرة كثيراً، الكثير من الضجيج يلهيني عنها، وهو أيضاً لم ينتبه لي، ولا لعاداتي، وأصبح محرَجاً من مغازلتي حتّى!».

صدمة

تعتقد نجلاء حمادة أن السبب الرئيس في الصدمة ما بعد الزواج يكمن في التوقّعات العالية فوق الواقع، التي ينتظرها الاثنان من بعضهما البعض.

وأضافت أن الاصطدام بهموم الواقع وتفاصيله اليوميّة «يخيّب آمال من كان يتوقّع أن تسير كلّ أموره على خير ما يرام. لذا، يجب أن يبقي من هم على أبواب الزواج أرجلهم على الأرض، وألا يتوقعوا نجاحات خياليّة لمشروعهم الجديد».

Email