الخدمة المدنية.. تقاعس وفساد يعوق التنميــة ويرهق الاقتصاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرُ عقبات تعترض طريق أداء الخدمة المدنية دورها وإسهامها المنوط في الارتقاء والنهوض بالأوطان وتحقيق التنمية المنشودة، لعل أبرزها البيروقراطية التي تعتبر العقبة الكؤود، فضلاً عن الترهل الذي يستنزف الموارد ويثقل كاهل الموازنات، وغول الفساد الذي تعاني منه دول كثيرة، بما يتسبب فيه من إفراغ لخزائنها وتبديد أموالها، إلى جانب انتشار المحسوبية التي تفضل أهل الولاء على الكفاءة، الأمر الذي يؤّدي إلى تردّي الخدمة المقدمة للجمهور.

ولا تقدّم الكثير من المؤّسسات خدمات مرضية لجمهورها بتقاعس موظفيها وهيمنة الغياب والتأخّر على مواعيد العمل لانعدام المحاسبة والعقاب الرادع، فيما يتذرّع الموظفون بضعف الرواتب وانعدام الحافز، ما خلق الكثير من الممارسات المضرّة باقتصاد الدول ومصالح الناس عبر الخروج من العمل قبل انتهاء الدوام والشجار مع طالبي الخدمة مرّده وفق مراقبين اطمئنان الموظفين إلى أنّه لا رقيب ولا حسيب، ما يجعل طالب الخدمة ضحية هوى الموظّف ومزاجيته.

ولعل ثقافة المجتمع تلعب دوراً بارزاً ومحورياً في كل الإشكالات التي تعانيها الخدمة المدنية، الأمر الذي يحتّم العمل على تغيير المفاهيم السائدة عبر انتهاج سياسات مغايرة من قبل السلطات وغرس قيم مغايرة، والعمل على إدخال هذه المفاهيم حتى في مناهج التعليم في المدارس، يتربى عليها النشء منذ نعومة أظافرهم.

السودان

سياسة التمكين تشرّد الكفاءات الغير موالية

واقعٌ مرير تعانيه الخدمة المدنية في السودان، بعد سياسة التمكين التي فرضتها حكومة الإنقاذ منذ مطلع التسعينيات بتشريد الكوادر غير الموالين وإحلال أصحاب الولاء دون الكفاءة، لتنهار الخدمة المدنية وفق الخبراء، لافتين إلى أنّ تفشي المحسوبية وغياب المحاسبة كان له القدح المعلا في إطلاق رصاصة الرحمة لصمام أمان الدولة المتعددة الاثنيات والقبائل.

وفي محاولات للإصلاح انتهجت الدولة عدة إجراءات عقب اعتراف الرئيس البشير بما ادخلته سياسة التمكين من خلل، وظهور الرشوة واللا مبالاة في الخدمة المقدمة للمواطن الذي ظل يجأر بالشكوى من البيروقراطية و«الجرجرة»، حتى فقد الأمل في الإصلاح.

صمام أمان

ويقول عبد الرحمن المهدي مساعد الرئيس السوداني ورئيس لجنة إصلاح الخدمة المدنية، إنّ «الإصلاح صمام أمان تحقيق الاستقرار الشامل»، لافتاً إلى أنّ اللجنة «حصرت سبعة محاور لعمل الإصلاح تتمثل في التوظيف والأجور والترقي والتدريب والتحفيز وترقية القدرات والإصلاح الاداري والقانوني»، مؤكداً أنّه «لا تمكين ولا تعيين إلا عبر لجنة الاختيار والارتقاء بالنظم المؤسسية واعتماد التخطيط الاستراتيجي».

وأوضح المهدي ان لجنته أوصت التزام معايير العدالة والمساواة والتنافس الحر، وربط الترقي بالتدريب وترقية آليات التدريب وتحسين الأجور وإحكام التنسيق بين مستويات الحكم، مع تطوير نظم الحكم المحلي وبناء هيكل راتبي يعتمد الأجر المتساوي، وترقية القدرات والتحول نحو الرقمية وانشاء قاعدة بيانات موحدة وتقديم مبادرات مبدعة لإعادة يوم الخدمة المدنية وجائزة الدولة للعامل المثالي، مشيراً إلى أنّ «هذه التوصيات تحتاج إرادة سياسية».

غول الفساد

بدوره، يرى الخبير الإداري والدستوري بروفسور بركات الحواتي، أن «فشل الخدمة المدنية يعني فشل الحكومة»، مشيرا إلى أنّ «مظاهر القصور والخلل يتمثل أبرزها في الفساد والمحسوبية وشخصنة الوظيفة وتحويلها إلى ملكية خاصة، ما أهدر قيمة القانون وضوابط الأداء وشجّع على سرقة المال العام وتقريب الأشخاص وفق المزاج وغابت المساءلة والعقاب، بجانب ظهور المؤسسات والأجهزة المماثلة لنشاط قائم، ما أدى إلى تغييب دور الأجهزة الأصل نتيجة تداخل الاختصاصات، وبالتالي في المسؤولية، وترهّل وظيفي بسبب ازدواج النشاط، وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وضعف القيادة الإدارية، ما أدى إلى الاستهتار في التعامل مع ثوابت الخدمة المدنية في احترام الوقت ومعايير الأداء بجانب الجمود الفكري وغياب الإبداع وضعف التدريب، وغياب الولاء في مواجهة الإحساس بالانتماء السياسي والقبلي والطائفي والجهوي.

دولة هشّة

وأبان الحواتي أنّ «الوضع الراهن يتطلب دراسة متأنية بهدف العلاج الناجع للانهيار»، لافتاً إلى أنّه وفي غياب الحل ينعكس الأمر على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليرسم في وضوح ومباشرة نموذج الدولة الهشة».

ودعا الحواتي إلى ثورة تقضي على كل أنماط اللامبالاة والتسيب والجمود والفساد، معتبراً أن «التدهور هو نتاج الصراع السياسي الحاد واعتماد نظام تعيين أهل الولاء وغياب التطبيق العادل والحازم للتشريعات التي تنظم المساءلة التأديبية والجنائية وغياب دور الحوافز الإيجابية للكفاية الإنتاجية، وضعف الرواتب في مواجهة الغلاء الفاحش، ما أدى إلى الفساد وكل أسباب سرقة المال العام.

إعادة تنظيم

يتساءل الوكيل السابق لوزارة العمل الطيب مختار حول: هل الخدمة المدنية من أجل الأداء الطيب أم لخدمة المواطن أم انها (معيشة)، مضيفاً: «الخدمة المدنية الآن أصبحت معيشة ميتة، فالرواتب غير كافية، كما أن العاملين غير مؤهلين للأداء، فالحل في إعادة التنظيم».

قرارات

صخرة البيروقراطية تعطّل مصالح الناس في مصر

تصطدم الخدمة المدنية في مصر بصخرة البيروقراطية التي تتحطم على عتباتها الكثير من المظاهر الإيجابية المفترضة للخدمة المدنية، ما دفع السلطات لاتخاذ قرارات وتحركات لضبط وتيرة الأوضاع، كان آخرها قانون الخدمة المدنية الأخير.

ويصطدم قانون الخدمة المدنية الجديد الذي أعدته الحكومة للثورة على دولاب العمل الوظيفي المتعارف عليه على مدى قرن من الزمان، بأصوات رافضة من بعض الموظفين أنصار النظام الوظيفي القديم، معتبرين القانون الجديد بمثابة السيف المسلط على رقابهم، والذي من شأنه أن يطيح بهم في أي لحظة بخلاف النظام القديم الذي يكفل لهم توريث الوظائف جيلاً بعد آخر.

6 ملايين

وكشف رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء اللواء أبوبكر الجندي، عن نسبة الموظفين في مصر، مؤكداً أنها تبلغ موظفاً لكل 14 مواطناً، حيث إن عدد العاملين بالدولة تعدى 6 ملايين، والغالبية العظمى منهم لا يؤدون العمل المطلوب منهم على الوجه الأكمل، موضحاً أن «معظم الوظائف باتت قاصرة على أبناء العاملين».

وانتقد الجندي تضاعف موظفي الدولة بهذا الشكل المترهل، مؤكداً أن «التقسيم الإداري لهذه الأعداد يمثل عبئاً قوياً على موازنة الدولة، لاسيما أن هناك 8760 مديراً عاماً و2140 وكيل وزارة و530 وكيل أول وزارة و219657 كبير موظفين، إضافة إلى 4.84 ملايين موظف كادر عام، ومليون موظف آخر كادر خاص، بخلاف 600 ألف موظف مقيدين على الصناديق الخاصة».

10 أضعاف

بدوره، أكد مستشار وزير التخطيط طارق الحصري، أن «هذه الأعداد المهولة من الموظفين تمثل عشرة أضعاف العدد المثالي للموظفين، إذ يُفترض أن تبلغ النسبة موظفاً واحداً لكل 140 مواطناً»، موضحاً أن «رواتب الموظفين تبتلع ربع الموازنة العامة للدولة بنسبة بلغت 26 في المئة، حيث يتقاضون نحو 207 مليارات جنيه وهو أضعاف المخصص للتعليم والصحة».

ثورة وتمرد

إلى ذلك، يؤكد وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري أشرف العربي، أن «قانون الخدمة المدنية الجديد رغم مواجهته بحملة رفض عاتية من قبل الموظفين، إلا أنه يشكل ثورة حقيقية على الجهاز الإداري للدولة ويكرِّس تصعيد الكفاءات دون أي اعتبارات للوساطة أو المحسوبية وتوريث الوظيفة وتفعيل نظام الترقيات»، موضحاً أن نحو 90 في المئة من بنود القانون تصب في مصلحة تطوير الهيكل الإداري، رغم التحفظات على الملابسات العامة لتطبيقه».

ترهل

بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي د. رضا عيسى أن «الجهاز الإداري المصري بشكل عام يعاني من مشكلات وأزمات عدة، بل يمكن وصفه بأنه معطل ولا يعمل بالفعالية المنتظرة منه، ومن الأسباب المهمة التي أدت إلى ذلك أن الدولة أهملت الجهاز ولم تضع رؤى وخططاً لتطويره لعشرات الأعوام السابقة، حتى أصبح الجهاز بالفعل عبئاً على الدولة».

وتابع: «لقد تحول إلى وحش يلتهم ربع الموازنة العامة دون إنتاج مقابل، وكان على الدولة منذ فترة طويلة أن تنتبه لانتشار ظاهرة المحسوبية وتوريث الوظائف وشراء المناصب في الهيكل الإداري المدني للدولة، والآن على القيادة السياسية للبلاد أن تعمل على عقد دورات تتسم بالجدية لتطوير مهارات الموظفين وتنمية قدراتهم في التعامل مع المواطنين، وإنجاز العمل بأعلى جودة وأقل وقت ممكن أن يستغرقه».

خطوة

أوضح أستاذ الإدارة الاستراتيجية والموارد البشرية أحمد صقر عاشور، أن «إدارة الهيكل الإداري بدأت تسير صوب الاتجاه الصحيح، بعد أن بدأت الدولة بوضع خطط لمواجهة تضاعف الموظفين، والبيروقراطية والفساد». واستدرك: «لكن تلك الخطط ليست سوى جانب فقط، وهناك جوانب أخرى عدة لهذا الإصلاح، فحتى لو تم تقليص أعداد العاملين دون وضع أسس للعدالة في توزيع الأجور، فستكون حالة من اللف في حلقة مفرغة.

التعليم والصحّة بؤرتا تردي الخدمات في الجزائر

تنطوي منظومة الخدمة المدنية في الجزائر على نقاط ظلّ عديدة تطبع القطاعين العام والخاص بفعل إشكالات الاستخدام المؤقت والإدماج والرواتب، ما حال وفق فعاليات تحدثت لـ «البيان» دون الارتقاء بالخدمة المدنية إلى المستوى المأمول. واستنادا إلى إحصائيات حديثة حصلت عليها «البيان»، فإنّ قطاعي التعليم والصحة يستوعبان العدد الأكبر من الموظفين، إلا أنهما ظلا بؤرة التوتر الكبرى، في وقت برزت ميادين جديدة بسخونتها على منوال: التضامن، النقل، والمناجم، وأتى تسويغ جميع الإضرابات المتعاقبة بالوضع الهش للمستخدمين، وبقاء سلّم الرواتب منخفضاً مقارنة بدول الجوار.

إجحاف

يشير عبد الكريم بوجناح الأمين العام لنقابة عمال التربية، إلى أنّ «المادة 56 من الدستور تنص على الحق في ممارسة العمل النقابي، لكنها مجحفة وغير واضحة»، مسجّلا أنّ القانون 14/90 سقط في العموميات، ما حرم الموظفين من عدة حقوق.

بدوره، شرح مزيان مريان الناطق باسم تنسيقية نقابات الوظيف العمومي، أنّ «شبكة الرواتب مليئة بالتناقضات»، مشيراً إلى أنّ النقطة الاستدلالية المعتمدة في شبكة الرواتب ظالمة، ولا تستجيب لتطلعات جمهور مواطنيه، تبعا لعدم ممايزتها بين خصوصيات بعض الوظائف، فيما انتقد النقابي إلياس مرابط، أن تكون رواتب موظفي الجزائر أقل بثلاث مرات عن رواتب نظرائهم في تونس والمغرب.

ويشير الحقوقي حسين زهوان إلى أنّ نشطاء الخدمة المدنية استفادوا من زيادات معتبرة، إلاّ أنّ اتساع التضخم جعل الأمر أقرب إلى نكتة جحا الشهيرة حول القط والشواء، وهو ما يربطه بما يسميه "سوء التسيير وفوضى الميدان".

فزّاعة

دأبت السلطات على الاستنجاد بالقضاء لإرغام الأطباء والمدرسين وغيرهم على إيقاف سائر الاحتجاجات، واستخدام العصا الغليظة لمتابعة الغاضبين وهو ما يعتبره هؤلاء «فزّاعة».

ويقول منذر «36 سنة» الموظف بإحدى الإدارات العمومية: «أنت هنا تلهث بشكل دائم وراء لقمة العيش، وسط ظرف اجتماعي سيئ وانغلاق أفق»، وتؤيده حفصة «44 عاما» ربة بيت والموظفة بمصلحة للضرائب: «لا أخفي عليكم سرا، إذا قلت لكم إني أقترض كثيرا، طالما أنّ راتبي يتلاشى خلال أيام». بالمقابل، تشهد الجزائر وجود 132 ألف عامل أجنبي مقيم بطريقة قانونية في البلاد، ينتمون إلى 105 جنسيات بينها عربية وآسيوية وأوروبية، ويستفيدون من الحماية التي يكفلها القانون الجزائري لليد العاملة الأجنبية.

تقاعس

لا تتحرج الكثير من الإدارات في تقديم خدمات متدنية، وأفرز هذا التقاعس عصفاً بمصالح المواطنين جرّاء هيمنة لغة الغيابات، التأخرات والشجارات التي لم تستثن مؤسسات حيوية، بما فجّر ولا يزال تساؤلات حول ماهية الخدمة النوعية.

ولأسباب متداخلة تغيب الخدمة الجيّدة وتصير عنواناً يطبع فئة غير قليلة من الموظفين الذين يفضل قطاع منهم التغيب أو استهلاك تأخيرات قياسية، في وقت من وُجد منهم يفضلون عدم ممارسة واجبهم المهني على الوجه الأكمل، مبررين تقاعسهم بضعف الراتب وغياب الحافز.

استنزاف

يقرّ المحامي المخضرم مصطفى فاروق قسنطيني أنّ «البيروقراطية أصبحت علامة مميزة للجزائر، وأفرزت أضراراً كبيرة بالاقتصاد والاستثمار والخدمات العامة، وأجهضت أشياء كثيرة ما أفرز عدم حصول الموظفين على أبسط حقوقهم». من جهته، أقرّ الوزير الأول عبد المالك سلال بآفة البيروقراطية، وخاطب ولاة الجمهورية: «كفانا بيروقراطية»، وأمر بتوخي المرونة بعدما أصبح المواطن في واد والإدارة في واد آخر، مشيراً إلى أن «استعادة ثقة المواطن في الإدارة العمومية يمر عبر تسريع تطهير الإدارة من البيروقراطية»، متوعداً بعزل مسؤولي الإدارات الذين يرفضون التواصل مع مواطنيه.

تعمّد

كشف مستفيدون أنّ الكثير من الموظّفين يتعمدون عدم خدمتهم ويطلبون منهم الرجوع في اليوم التالي لأسباب قد تختلف من حالة إلى أخرى، لافتين إلى خروج الموظّفين من مكاتبهم قبل المواعيد المقرّرة. وتتفشّى ظاهرة الغياب عن المكاتب ونشوب الشجارات بين الموظفين المواطنين لأسباب لا تخرج في مجملها عن رفض البعض إتمام ملف ما يؤدّي أحياناً إلى نشوب شجار يكون سببه في بعض الأحايين خروج الموظف قبل انتهاء دوامه.

مثال

سويسرا شفافية وانضباط واحترام للإنسان

لا تذكر الخدمة المدنية في سويسرا إلا وتذكر معها الساعة السويسرية دلالة على الانضباط والشفافية والتفاني في العمل. وتعتبر سويسرا من الدول التي تتميز بخدمة مدنية منقطعة النظير ومثالاً يحتذى في كل دول العالم، لما تتمتع من سلاسة وتبسيط ودقة وسرعة في الإجراءات، فضلاً عن التنسيق والتعاون المشترك بين الدوائر والمؤسسات، الأمر الذي يسهل على المواطن. وتتبع سويسر أسلوباً ونهجاً متحضراً منذ عقود طويلة يستند على احترام حقوق المواطن وسيادة القانون ويدرك موظف الخدمة المدنية حقوقه وواجباته جيداً ولا يمكن أن يخرج من دائرة اختصاصه.

وتتيح المؤسسات والدوائر الرسمية خدمة صندوق الشكاوى وسياسة الباب المفتوح لمقابلة المسؤولين للاستماع إلى مشكلات المواطنين وإيجاد الحلول اللازمة لها، وهنالك أيضاً نظام المحاسبة للموظف أو المسؤول داخل مؤسسته على ما يصدر منه من مخالفات وتجاوزات تجاه العملاء، وما يساعد كذلك في انسياب دولاب العمل في الخدمة المدنية الاعتماد بصورة أساسية على خدمات البريد في المراسلات والمخاطبات الرسمية، فضلاً عن التعامل الإلكتروني في كل المعاملات في العمل التنفيذي.

احترام الوقت

ومما يلفت الانتباه في سويسرا احترام قيمة الوقت وقدسية العمل، فالتأخير المتعمد والغياب المستمر والأعذار الواهية يمكن أن تفقد الموظف وظيفته، ففي كل الأوقات هنالك مرونة وخيارات متوفّرة ومتاحة تخضع للدراسة والنقد لمعالجة أوجه القصور الذي يؤثر بدوره على مسار العمل التنفيذي داخل هذه المؤسسات وهنالك التزام صارم بالمواعيد في شبكة المواصلات، وتدرك الدولة أهمية النقل والمواصلات في أداء وترقية الخدمة المدنية فحسب الدراسات والبحوث أن الموظف الذي يصل إلى مكان عمله في موعده المحدد ويدرك قيمة الوقت يحقق إنتاجية عالية في عمله ويساهم في نجاح مؤسسته وبالتالي في الاقتصاد العام، وعند وقوع الحوادث المرورية والأعطال بسبب الأحوال الجوية هنالك حلول عاجلة وبديلة توفرها هيئة المواصلات لضمان وصول الموظف إلى مكان عمله بأسرع ما يمكن، فالوقت والمواصلات والأداء المتميز ركائز أساسية في تحسن الخدمة المدنية في سويسرا.

لا رشوة

تكاد تكون الرشوة معدومة في سويسرا لعوامل كثيرة منها الأخلاقية والمادية، فالموظف السويسري لا ينقصه المال حتى يقبل الرشوة، فالراتب مجز والأخلاق والضمير لا يسمحان له بالمساهمة بتفشي مثل هذا النوع من الممارسات في بلاده، وإلّا ستكون فضيحته بجلاجل وعواقبها وخيمة، ولا تتهاون السلطات السويسرية مع المتورطين في الرشاوى وتفرض عليهم عقوبات رادعة، وبالطبع لا يمكن الجزم قطعاً بعدم وجود بعض الحالات الشاذة فلكل قاعدة شواذ وإن كانت غير معروفة أو معلن عنها.

ضجر وشكوك

وتكاد لا تخلو بلد من البيروقراطية مهما بلغ مستوى الأداء في الخدمة المدنية من تميز وتقدم، إذ إنّ هناك دائماً شكاوى ومنغصات وعدم رضا بالخدمات المقدمة للمواطنين التي يرون أنها تأخذ أوقاتاً طويلة لإنجازها وتواجه بتعقيدات كثيرة.

ويشتكي الأجانب على وجه الخصوص في سويسرا من معاناتهم مع البيروقراطية، حيث تخضع المعاملات التي تخص الأجانب في غالب الأحيان إلى المزيد من التدقيق والمستندات والانتظار نسبه لانعدام الثقة تجاه الأجنبي من ناحية، وعدم التبسيط والتشدد في الإجراءات لأجندة ذات صلة بالعرق والديانة ومنعاً للهجرة وتدفق دخول الأجانب إلى سويسرا من ناحية أخرى، في ظل وجود أغراض سياسية لدى البعض وتفشي ظاهرة العنصرية وكراهية الأجانب الذين يستغلون الثغرات القانونية ومواقعهم ووظائفهم في الخدمة المدنية خلف الأبواب المغلقة لممارسة البيروقراطية تحت غطاء القانون، الأمر الذي يثير ضجر وشكوك المقيمين تجاه عدد من المؤسسات الرسمية التي يصفونها بأنها تمارس الاستهداف المتعمد والاغتيال المعنوي وسلب الحقوق معهم.

سخط

أجمع عدد من المقيمين في سويسرا في إفادات لـ «البيان» على أن العمل التنفيذي رغم ما يتميز به من شفافية في سويسرا إلا أنهم يشعرون كأجانب بهضم حقوقهم وعدم المساواة وتفضيل المواطنين عليهم في كثير المعاملات رغم الشعارات التي ترفعها الدولة والتي تنادي بالمساواة وحقوق الإنسان وتطالب بترسيخها في أوساط المجتمع بأن الجميع متساوون بالقانون في الحقوق والواجبات.

Email