أزمات الكهرباء رفيق ثقيل يزيد سخونة الصيف العربي (1-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه المواطنين في دول الوطن العربي ضغوطٌ حياتية عدّة.. لكن فصل الصيف باتت تلازمه أزمة مستعصية على الحل، تزيد من وطأة الصيف ولهيبه.. وهي غياب الكهرباء.

المشكلات المزمنة المرتبطة بالطاقة، من استشراء غلاء الوقود، وارتفاع فواتير الكهرباء وانقطاعها المبرمج، والغاز واختفاء اسطواناته، وصفوف البنزين التي تمتد طويلاً في حالة الشح.. باتت رفيقاً ثقيلاً للعديد من مواطني الدول العربية، وبعضها للأسف غني الموارد، لكن الحل المرجو بات عصياً.

كلها أمور ومنغصات تُثقل كاهل المواطن العربي بصورة عامة، وتُضيف إلى أزماته المزيد من الأزمات، بينما تظل خيارات عدة كحلول لعددٍ من أزمات الطاقة مطروحة على مائدة الحكومات المتعاقبة في دول كثيرة تراوح مكانها دون إيجاد حلول جذرية لها.

ومعظم الدول العربية والخليجية على وجه التحديد أمامها فرصة تاريخية لإيجاد بدائل نظيفة للطاقة، خاصة وكلفة استخدام الطاقة تشكّل عبئاً على المستخدم وعلى وجه الخصوص الشرائح الفقيرة سواء أكان ذلك في استهلاك الكهرباء أو تعبئة البنزين من محطات الوقود أو شراء الغاز للطبخ أو التدفئة.

وهناك مشكلة تواجه بعض الدول ذات الموارد المحدودة تتمثل في الكلفة العالية لاستيراد البترول، وسعيها لإبقاء دعم الطاقة لمواطنيها رغم ما يكلفها من مبالغ طائلة ترهق الموازنة العامة، لتصبح المعادلة صعبة في ظل غياب البدائل.

معاناة مصرية مستمرة وكارثة اجتماعية

زادت ساعات انقطاع التيار الكهربائي في محافظات مصر خلال شهر رمضان الكريم الذي مضى قبل أيام، بالتزامن مع شدة ارتفاع درجات حرارة الجو لتصل في بعض الأحيان إلى أربع ساعات يومياً، فيما ازدادت فترات انقطاعها إلى ست مرات في بعض المحافظات، وسط استياء شديد من قِبل المواطنين، الذي يشكون تعطل أجهزتهم الكهربائية وفساد منتجاتهم الغذائية، بخلاف تعرضهم للحبس اليومي في المصاعد الكهربائية.

ولم تتوقف معاناة المواطنين عند انقطاع الكهرباء فقط، بل تتعداها إلى انقطاع المياه عن المنازل والمحال والمصانع طوال فترة انقطاع الكهرباء، فحسبما يؤكد هاني رجب من محافظة الجيزة فإنه وأهل المنطقة التي يقطن بها لا يجدون مياهاً للاستخدام نتيجة انقطاع الكهرباء بالإضافة إلى أن المياه الجارية لا تصعد للأدوار العادية لتوقف "مواتير" المياه.

حد الكارثة

وفيما اكتفت وزارة الكهرباء والطاقة بمناشدة المواطنين ضرورة ترشيد استهلاك الكهرباء لتقليل فصل التيار الكهربي وعدم استخدام أجهزة التكييف إلا في حالة الضرورة فقط، إلا أن تفاقم المشكلة دفع الخبراء للتحذير من خطورتها ليس على المواطن العادي فقط، بل على جميع مناحي الحياة في المجتمع، وبشكل خاص الصناعة والسياحة والصحة.

وفي هذا السياق، تؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة القـــاهرة د.عــالية المهدي أن أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مصر وصلت إلى حد الكارثة. وتقول إنّ «خسائر هذه الظاهرة باتت تهدد المواطن البسيط بإتلاف أجهزته الكهربائية غالية الثمن ما يؤثر بدوره على الحالة النفسية والاجتماعية» خصوصاً إذا كانت حالته المادية بسيطة لم تسمح له بشراء أجهزة بديلة.

بالإضافة إلى ذلك فإن تعرض المصانع لهذا الانقطاع المتكرر للكهرباء، يُعرض الآلات والمعدات للعطل خلال عملية التشغيل، ما يؤثر على العملية الإنتاجية، هذا بخلاف ما يسببه انقطاع التيار الكهربائي من مخاطر صحية على المرضى قد تصل للوفاة في المستشفيات وبشكل خاص في غرف العمليات والحضانات والطوارئ.

أزمة حقيقية

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي د. رشاد عبده إنّ «الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي يُمثل أزمة حقيقية في المجتمع المصري، حيث ينعكس تأثير هذه الأزمة اجتماعياً واقتصادياً على محال المنتجات الغذائية، فمن الطبيعي أن تفسد منتجات اللحوم والدواجن وكل المنتجات الغذائية والتي يستلزم الحفاظ على صلاحيتها وضعها تحت درجات حرارة منخفضة، ومع انقطاع الكهرباء لساعات ومع ارتفاع درجة حرارة الصيف، يزداد تعرض هذه المنتجات للفساد، ما يُمثل خسارة مالية كبيرة لأصحاب هذه المحال، مما يدفع أصحابها لبيعها تالفة، الأمر الذي ينعكس سلباً على صحة المواطنين».

وتوقع د. عبده أن تشهد الفترة المقبلة تزايد حالات التسمم بسبب تلف السلع، إضافة إلى ما تتعرض له المنتجات الغذائية في البيوت المصرية من التلف والفساد، ويقول إنّ «هناك من الأسر التي تسمح إمكانياتها المادية بالتخلص من كل المنتجات المشكوك في صلاحيتها بعد انقطاع الكهرباء لساعات، بينما هناك أسر أخرى فقيرة قد لا تسعفهم حالتهم المادية للتخلص من هذه المنتجات، فيضطرون لتناولها، ما قد يزيد من حالات تعرضهم للتسمم الغذائي».

تأثير على السياحة

أما عن التأثيرات الأخرى، فيرى عبده أن انقطاع التيار الكهربائي يؤثر بالطبع سلبياً حركة السياحة ويتسبب في طرد السياح من مصر، لما تشهده القرى السياحية من انقطاع للكهرباء يدوم لساعات عدة وما يصاحبه من انقطاع في التكييفات، ما يؤثر على الدخل والاقتصاد القومي، بخلاف أنه يعطي انطباعاً سلبياً عالمياً عن مصر.

واقع

انقطاع الكهرباء رفيق الكويتيين في صيفهم

ما أن يأتي موسم الصيف في الكويت حتى أطلت أزمة الكهرباء والتي أصبحت هاجساً يؤرق الجميع سواء المستهلكين أو القائمين على إمدادات الطاقة الذين يقفون عاجزين عن توفير الطلبات المتزايدة على الكهرباء لا سيما للمناطق أو المشاريع الجديدة.

وعلى الرغم من الإعلان المتواصل من قبل مسؤولي وزارة الكهرباء والماء وتأكيدهم اتخاذ الاستعدادات اللازمة لمواجهة الأزمة المتكررة كل عام، إلا أن أحدا لم يضع خطة ناجعة، تقي القطع المبرمج للتيار الكهربائي، والذي تلجأ إليه الوزارة عند بلوغ الاستهلاك الحد المسموح به. ولعل أبرز الجوانب لمشكلة الكهرباء تكمن في عدم وجود خطة جادة لمواجهة العجز الكهربائي الذي ظلت الكويت تعانيه منذ سنوات ولا تزال، بسبب ان المعالجة عادة ما تكون وقتية، يتم نسيانها مع انخفاض درجات الحرارة، والدليل عدم الشروع أو تأسيس محطات كهربائية جديدة حتى الآن، رغم إنشاء مناطق حضرية جديدة وهو ما ينذر بـ «كارثة حقيقية».

ورغم تأكيد قيادات وزارة الكهرباء وعلى رأسهم الوزير بأنهم يسعون إلى «الفائض المريح» وذلك للاستعانة به وقت الحاجة، بعيدا عن القطع المبرمج التي أصبحت هاجسا يخافه الكويتيون، إلا إن تاريخ الوزارة باللجوء إلى القطع المبرمج لم يخلق ثقة بما أعلنه المسؤولون الحكوميون، الذين بدؤوا يعولون على الربط الكهربائي الخليجي بالإضافة إلى ترشيد الاستهلاك لتجنب الانقطاع.

هدر كبير

بدوره، أكد مدير إدارة العلاقات العامة في وزارة الكهرباء والماء محمد الملا ان الوزارة ماضية في تنفيذ حملات إعلامية لتوجيه المواطنين والمقيمين إلى شراء الأجهزة الكهربائية والتكييف الموفرة للطاقة من خلال الإعلان عن مواصفات هذه الأجهزة، لافتا إلى ان البلاد تواجه أزمة هدر كبيرة، ولكن بالإمكان حلها إذ انه لا توجد مشكلة إنتاج فالطاقة المولدة والمياه المقطرة كافية للعدد السكاني حاليا في البلاد.

وكشف الملا عن آلية بالتعاون مع مؤسســـات الدولة من أجـــل استخدام بعض الأدوات التي تساهم بهدر الكهرباء والماء، مشــيرا إلى انه لا بد من ان تحل ثقافة وسلوك التوفير محل الهدر، وأضاف ان هناك مـــساءلة قانونية عبر عملـــية الضبطية القضائية لكل مستهلك يقوم بهدر الطاقة.

مصاف مهدّدة

ولم تسلم مصافي النفط الكويتية هي الأخرى من أزمة الكهرباء، إذ باتت أكثر عرضة للإغلاق بسبب مشاكل إمدادها بالطاقة الكهربائية التي لم تعد أنظمتها تلائم الوضع الحالي في ظل النمو السريع في الطلب على الكهرباء ونقص الاستثمارات، ولم يتضح حتى الآن سبب تعطل إمدادات الكهرباء لمصافي النفط الثلاثة في الكويت مطلع العام الحالي وهو الأمر الذي تسبب في إغلاقها بشكل كامل.

إحصاءات

وبناء على دراسة أجرتها جهات رسمية بيّنت أن الحد الأعلى للطلب المحلي على الكهرباء سيقترب من 25 ميغاوات ألف العام 2025، وقد يصل إلى 30 ألف ميغاوات في العام 2030، مقارنة بطاقة مركبة مقدرة بحوالي 13 ألف ميغاوات قبل عامي (في 2012)، وهو ما يعكس نمواً سنوياً يقدر بين أربعة إلى خمــسة في المئة ابتداء من العام 2008.

ووفق بيانات ميزانية العام 2013 – 2014، يبلغ دعم الكهرباء والماء سنويا حوالي 2.7 مليار دينار، هذا بالإضافة إلى دعم إضافي يقدر بحوالي 640 مليون دينار، لدعم أسعار منتجات النفط المكررة، أي أن مجموع الدعم المتصل باستهلاك الطاقة وصل في ميزانية (2013- 2014) إلى ما يقرب من 3.4 مليارات دينار سنويا، أي حوالي 60 في المئة من حجم الدعم الإجمالي الوارد في تلك الموازنة، أو 16 في المئة من إجمالي المصروفات المقدرة في الميزانية، والبالغة 21.3 مليار دينار.

كابوس

الكهرباء مشكلة الصيف العراقي المزمنة

الكهرباء هي عصب الحياة في العالم، المتمدن وحتى المتخلف، والعراق ليس من هذا ولا من ذاك، فهو من «العالم المرعب»، ولعل الشيء الأكثر إرهاقا للعراقيين، بعد الموت المتربص في كل زاوية، وفي كل ثانية، هو موضوع الكهرباء، الذي بات يشكّل معاناة تقارب الموت البطيء، ولاسيما مع حرارة الصيف العراقي اللاهبة، وانعدام أية فسحة لترويح النفس، في أماكن كانت تسمى متنزهات وحدائق وإطلالات على مياه النهر، بما تبعثه من رذاذ رقيق ونسائم مترفة.

والآن، مع اختناق الناس بين الجدران الكونكريتية التي تغلق الشوارع والأزقة، وجدران البيوت المعتمة، أصبحت الكهرباء من الأحلام، كالعراقيين أنفسهم!!، ولا احد يستطيع الإجابة عن السؤال الكبير المحيّر.. أين ذهبت الكهرباء..؟ وكيف تبخرت عشرات المليارات من الدولار لإعادة الشحيح منها!؟

هناك من يقول إن الأعمال التخريبية هي التي «ضربت الكهرباء»!!، ولكن سائق سيارة الأجرة كامل الطائي يرى غير ذلك، فالمسؤولون لا ينفكون عن الإشادة بأنفسهم وبمنجزاتهم الأمنية، وفي الوقت نفسه يعترفون بأجزاء من الحقيقة، عندما يتبادلون التهم بينهم، فتقول وزارة الكهرباء إن وزارة النفط لم تزودها بالوقود لتشغيل المحطات الكهربائية، وتقول وزارة النفط إن وزارة الكهرباء لم تزودها بالطاقة لتشغيل المصافي، وتقول الوزارتان إن المحافظات تستحوذ على القسم الأكبر من الطاقة، بينما تقول المحافظات إن بغداد متخمة بالكهرباء على حساب المحافظات، حيث يصل نصيب العاصمة أحيانا إلى أكثر من ضعف ما تحصل عليه أية محافظة.. والحديث عن المدن الأخرى والقرى، كارثي، كأبسط تعبير.

ويضيف الطائي: إنّ هناك مواقع الكترونية معروفة تنشر بلاغات وبيانات الجماعات المسلحة، ولم يذكر أي منها، في يوم من الأيام، أنها استهدفت الكهرباء، أو أعلنت مسؤوليتها عن ذلك، بينما أكدت الحكومة مسؤوليتها من خلال التصريحات الكثيرة التي تحدثت عن استشراء الفساد الإداري والمالي والسرقات والإهمال، و"الاستعاضة عن الكفاءات الفنية بالكفاءات الطائفية»، وما إلى ذلك من عيوب.

ويقول عبدالهادي سمير صاحب محل في السيدية: «كنا نشتري ونبيع أنواع البضائع والأغذية واللحوم المجمدة، وكانت مخازننا عامرة، أما الآن فينبغي علينا شراء وبيع المواد سريعة الاستهلاك فقط، ويوما بيوم، بسبب انقطاع الكهرباء، وحتى هذه المواد لا نستطيع في أحيان كثيرة جلبها بسبب صعوبة الانتقال من منطقة إلى أخرى، ناهيك عن المخاطر التي نتعرض لها جراء عمليات الابتزاز والخطف والقتل والمفخخات والاشتباكات المفاجئة، وهي كثيرة..

ويتابع سمير أنّه لم يمر العراق بأزمة كالتي نعيشها الآن، بينما الساسة منشغلون في التنافس على المناصب، والصراع من اجل جني الأرباح والمكاسب الفئوية والشخصية.. متناسين أن قضية الكهرباء، إلى جانب الوقود، هي الأهم الآن من كل القرارات السياسية، لأنها تعني حياة الناس وتطور المجتمع ونموه اقتصاديا.. أي أن قطع الكهرباء يعني التعمّد في عرقلة النمو الاقتصادي للبلد، وبالتالي تخلفه في المجالات الأخرى.

الكهرباء عصب الحياة

وحسب المهندس الكهربائي جمعة توفيق السعدي «سئم الناس أكاذيب المسؤولين، الذين يعرفون أن الناس لا تخفى عليهم الحقائق»، ولاسيما عندما يصرح بعضهم أن إنتاج الطاقة الكهربائية تجاوز المعدلات التي تسد الحاجة، وهذا أمر مضحك.. حيث استطاعت «الدولة الجديدة»، كما يقولون، إضافة 10000 ميغاواط، بمبالغ لا يتصورها العقل، عشرات المليارات من الدولارات، وحتى هذه الإضافة أكذوبة.

ويعلل ذلك بقوله: «إذا كان أولئك المسؤولون يصدقون أكاذيبهم، فلا احد غيرهم يصدق ذلك، لأن الكهرباء كانت متوفرة في السنوات الأخيرة قبل حرب 2003 بمعدل 20 إلى 22 ساعة في اليوم للمواطنين، وهذه الكمية لا تشكل إلا نسبة 20 في المئة من الإنتاج، الذي يذهب معظمه للصناعات الحربية والمدنية، والورش المنتشرة في كل مكان، ولإنارة الشوارع، والقصور الرئاسية ومجمعات الوزارات، والمحال والمطاعم والكازينوهات، التي تعمل على مدار اليوم.. وهذه كلها شبه متوقفة الآن.. فأين تذهب إذاً الكميات الكهربائية التي يتحدثون عنها!؟.

اغتيال!

تحدث العسكري المتقاعد صباح طه عن هموم الكهرباء بحسرة قائلاً: «نحن في العراق الغني المتطور، وليس في بلد متخلف.. وها أصبحنا أكثر تخلفا من أي بلد». ويتابع القول: «إنهم يتحدثون عن الديمقراطية وعن العراق الجديد.. فأية ديمقراطية بائسة هذه المبنية على الجثث، وأي عراق جديد، وهم أعادونا إلى القرون الوسطى، وربما إلى العصر الحجري!».

ويؤكد طه أن «الكهرباء اغتيلت»، ولسبب معلوم، هو تدمير وإيقاف البنى التحتية.
 

Email