العرب.. استهلاك ببذخ تفاخري وقلة في الإنتاج وغياب الاستثمار المشترك

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يعاني الوطن العربي منذ فترة ليست بالقصيرة من حمّى الاستهلاك البذخي التفاخري، ليس في محيط الدول ذات الوفرة، بل حتى تلك التي تعيش الندرة، وعدد كبير من مواطنيها تحت خط الفقر، والأدهى والأكثر مرارة أن معظم الأقطار العربية تعاني تدنياً ملحوظاً في الإنتاج، مايجعلها تستورد ليس الضروريات فحسب، بل حتى أدنى أنواع الكماليات، إذا قارنا حالنا بدول مثل النمور الآسيوية، والتي لاتزخر بموارد ضخمة، وقد خطت خطوات مقدرة في الإنتاج لدرجة أوصلتها حد الاكتفاء الذاتي، بل وشجعتها على التصدير واحتلال مكانة مرموقة بين دول العالم الآخر.

والسؤال الذي يفرض نفسه دائماً، لماذا يسجل التعاون المشترك بين دولنا العربية غياباً تاماً، وإن وجد ففي حدود ضيقة، وبشكل خجول. واذا أردنا أن نلقي ولو بعض الضوء بشأن الاستثمارات المالية البينية بين كل أقطارنا سوف نجدها بمثابة قطرة في محيط. رغم وجود المساحات الكبيرة الصالحة للزراعة والأيدي العاملة المدربة والمؤهلة، والأموال الكثيرة التي تذهب إلى الغرب.

وبلاشك فإن غياب الخطط العلمية، وعدم وضوح الرؤى، والاستراتيجية المستقبلية، كلها عوامل أدت لتراجع معظم أقطارنا وزيادة معدلات الاستهلاك، خاصة البذخي منه.

نفتح هنا هذا الملف، رغم قناعاتنا بأن المسميات العديدة مثل السوق العربية المشتركة والتعاون في مجالات الاستثمار والإعفاءات الجمركية وغيرها، لم تشفع ولم تنفع في تحقيق الأمل المنشود، وإشباع ملايين البطون الخاوية، ومنع الكثيرين من السقوط في الهاوية.

تباينت الآراء وتنوعت المقترحات واختلفت التصورات بشأن الكيفية التي يمكن عبرها الخروج من عنق الزجاجة، وتحقيق ولو الحد الأدنى من الطموحات في تعاون مشترك واستثمارات بينية، تحقق نهضة عربية في مجالات الإنتاج، وتحد بشكل ما من الاستهلاك، الذي وقعنا في حبائله ولم نتخلص من شراكه.

 

مصر.. تناقضات اقتصادية وتقلبات سياسية فجرت الأوضاع

 

يعاني المصريون تناقضات اقتصادية هائلة، ففي الوقت الذي تقل فيه نسب الإنتاج، تتزايد في المقابل معدلات الاستهلاك، وخاصة في اوساط الطبقة الغنية، التي ترتفع معدلات انفاقها من آن لآخر على السلع الفاخرة، واستيرادها من الخارج.. وعلى الرغم من نجاح ثورة 25 يناير في الحد قليلاً من معدلات الاستهلاك البذخي، لكنها لم تنجح حتى الآن في زيادة الإنتاج الذي راح يتعطل ويتعثر يوما بعد آخر.

وتذكر آخر الإحصائيات الرسمية في مصر، للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فيما يخص إنفاق الأسر المصرية، أن متوسط الإنفاق الكلي للأسرة الواحدة خلال العام المالي 2010 ـ 2011 بلغ 19.3 ألف جنيه، مقارنة بـ17.6 ألف جنيه في العام الذي سبقه، وقد بلغ عدد الأسر المصرية في نهاية العام الماضي 18.5 مليون أسرة، منهم 8.5 ملايين في الحضر، بنسبة 46% من إجمالي الأسر و10 ملايين أسرة في الريف، بنسبة 54% من الإجمالي العام.

وكشف الجهاز أن 90% من الأسر تمتلك تليفزيونا ملونا، و6.1% منها تمتلك سيارة، و٪91.2 تمتلك ثلاجة، و40.5% من الأسر مشتركة في التليفون الأرضي، و20.6% تمتلك غسالة ملابس أوتوماتيكية، و85.8% تمتلك تليفونا محمولا، و6.5% تمتلك جهاز تكييف ونحو 22.1% من الأسر تمتلك كمبيوترا أو لاب توب. و43.1% من الأسر لديهم سخان مياه و7.9% منها تتعامل مع الإنترنت، فيما يمتلك 18.8% مكنسة كهربائية.

في السياق ذاته، كشف تقرير صادر عن الإدارة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات، أن المصريين ينفقون أكثر من 4 مليارات دولار سنويا لاستيراد "ورق العنب" من جنيف، ولحم الطاووس من إيران، وأسماك الكافيار الأحمر والجمبري الجامبو والاستاكوزا، كما يتم إنفاق أكثر من 41 مليون جنيه لاستيراد آيس كريم وجيلاتي من الأنواع الفاخرة.

ولفت التقرير إلى أنه يتم إنفاق أكثر من مليوني دولار سنويا لاستيراد أطعمة للكلاب والقطط، وأن واردات مصر من السلع الاستهلاكية والترفيهية المعمرة وغير المعمرة قد قاربت 5.4 مليارات دولار، وهو ما يمثل 8.16% من إجمالي الواردات، كما ينفقون ما قيمته مليار جنيه سنويا على الفياجرا، و15 مليار جنيه على المخدرات، و13 مليارا على الدروس الخصوصية، و3 مليارات على الكتب الخارجية.

وتشير توقعات مؤسسة بيزنس مونيتور البريطانية إلى ارتفاع مبيعات أجهزة الحاسب الآلي في مصر بنسبة 12% في العام 2014، بالإضافة إلى زيادة معدل انتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصي من 7% حاليا إلى 19% خلال العام الحالي. ويرتفع إنفاق المصريين على الهواتف المحمولة بنسبة 11% سنويا؛ ليصل إلى 3.2 مليارات دولار بحلول 2014.

وفي ظل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك في العالم العربي، يقول الخبير الاقتصادي دكتور حمدي عبد العظيم، إن ثقافة شره الشراء مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمجتمعات العربية، التي تستهلك نحو ما يقرب من ثلث إنتاج العالم كله، في حين أن إنتاجها أقل من ذلك، وهناك العديد من الأسباب التي تجعل المواطن العربي صاحب الاستهلاك الأكبر والاستيراد، أبرزها قلة المياه في كثير من تلك الدولة، والتي منها دول فيها مناطق صحراوية شاسعة. ومعدلات الاستهلاك والإنفاق تختلف من فئة لفئة، ومن طبقة لطبقة، بل ومن دولة الى أخرى.

وبالنسبة إلى الوضع في مصر، فإن الطبقة المرتبطة في الأساس بالإنتاج يزداد معدل دخلها مقارنة بغيرها ممن لا يرتبط بالإنتاج بصورة مباشرة، مثل القطاع العام وقطاع الأعمال، والذي يحصل فيه العامل على أجره القليل في حالة مكسب أو خسارة الشركة، وذلك يبرهن استمرار استيراد وشراء المواد الترفيهية أو الترفيه من قبل بعض المصريين عقب الثورة، وهم طبقة محددة من الأغنياء وأصحاب الأعمال الذين يضخون لخزانة الدولة ضرائب كبيرة، مقارنة بغيرهم.

مشيرا إلى أن تلك الطبقة التي تدفع ضرائب أكثر من فئة أصحاب الأعمال هم من يقومون بالاعتماد على الإنفاق البذخي في بعض المواد الترفيهية، فيما تتركز نفقات الطبقة الأقل على الإنفاق البذخي في مواد مثل الفياجرا والمنشطات الجنسية.

أوضح أن المجتمع المصري تحوّل من خلال عدة أطوار ليصبح مجتمعا استهلاكيا، فخلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان المجتمع يعتمد أساسا على الإنتاج، وأراد بعد ذلك أنور السادات أن يعيش الشعب حياة مترفة بعد الحروب التي خاضها، فاتبع سياسة الانفتاح، ما دفع الشارع المصري للاعتماد على الاستهلاك بصورة أكبر من الإنتاج، وقد تبع ذلك عمليات خصخصة شملت كبرى الشركات العامة في مصر.

ونوّه الخبير الاقتصادي دكتور عبد الحافظ الصاوي، أن ارتفاع الإنفاق المحلي على السلع الفاخرة ناتج في الأساس عن كون طبقة نسبتها قليلة جدا لا تتجاوز الـ10% في المجتمع المصري تتحكم في الاقتصاد بأكمله، وتمتلك النسبة الأكبر من ثروات المجتمع، بما أسهم في تركز البذخ والإنفاق على السلع الفاخرة في طبقة، وتراجعها في طبقة أخرى، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن حجم الإنفاق على السلع غير الأساسية يختلف من طبقة لأخرى، وعلى حسب الجودة أو نوع السلعة.

وكانت تقارير دولية عن الأوضاع في مصر قد كشفت أن الأمور تغيّرت عقب الثورة، وخلال المرحلة الانتقالية الحالية، إذ إن 65% من المصريين أعادوا النظر في معدلات إنفاقهم، وراح 49% منهم يقللون من الإنفاق على الوجبات الجاهزة، و41% يقللون من الترفيه والخروج للتنزه، و45٪ يقللون من الإسراف في شراء الملابس الجاهزة، و11% يقللون في استخدام سياراتهم.

وأكد المرشح الخاسر بسباق الانتخابات الرئاسية، خالد علي، أن أحد أسباب التناقض في أداء المستهلك المصري هو أن الفقراء يزدادون فقرا، والأغنياء يزدادون غنى، في ظل الأسلوب الفوضوي في التعامل مع السياسات الاقتصادية المختلفة. وعليه يجب احترام القانون، والحق في المعرفة والشفافية، وحرية تداول المعلومات، وضمان التنافسية، ووضع خطة لبناء الاقتصاد، تضمن عدم تهميش الإنتاج المحلي والاعتماد على الاستيراد، وذلك من خلال تدخل الدولة في الاقتصاد، وخاصة أن الدولة لها العديد من المزايا، ومن الممكن أن تقوم بعمل مشروعات عملاقة وضخمة، أو الدخول في استثمارات مشتركة مع الدول العربية للحد من مشكلات كثيرة مُتعلقة بالإنتاج.. لافتا أن الإنتاج المحلي من شركات القطاع العام والشركات الخاصة المحلية تهاوى بسبب سياسات الحكومات السابقة في دعم المستثمرين الأجانب على حساب المحليين، بما أوجد قلة في الإنتاج المحلي.

 

السعودية.. 19 مليون كوب شاي يومياً

كشفت دراسة حديثة تعنى باستهلاك الشاي في العالم عن أن السعودية تحتل المركز الثاني في العالم العربي بعد مصر من ناحية استهلاك الشاي بأكثر من 19 مليون كوب يومياً. وتتجاوز تجارة الشاي في المملكة 638 مليون ريال، حيث ان مصروفات الشاي للفرد تتراوح بين 22 و24 ريالا سنوياً، ويعود ذلك لارتباط الشاي بمفهوم اللقاء والتواصل الذي يعتبر ابرز معالم النسيج الاجتماعي السعودي، بالإضافة إلى العادات الصحية التي يحرص عليها أفراد المجتمع في ممارسة حياتهم اليومية، حيث يعتبر الشاي واحدا من ابرز المشروبات الصحية، ما يجعله الأكثر استهلاكاً بعد الماء.

مسؤولية الشركة

وقال مدير قسم تسويق المأكولات والمشروبات لدى شركة يونيليفر في المملكة توفيق الاخرس انهم يأخذون على عواتقهم مسؤولية تعريف المستهلكين بكيفية صناعة الشاي، وتأثيره في البيئة وفوائده الصحيّة، حيث يشهد العالم تطورا ملحوظاً في البحوث حول فوائد الشاي، وقد أجريت العديد من الدراسات التي تتناول كل ما يتعلق في هذه الصناعة بما يخدم مزارعي الشاي في أرجاء العالم ومستهلكي ومحبي الشاي على حدٍ سواء. وأظهرت الدراسات أن العالم يستهلك أكثر من 24.5 مليار كوب من الشاي أسبوعياً .

مادة الثيانين

وتعد أوراق الشاي غنية بمادة الثيانين وهي عبارة عن حمض أميني غير بروتيني موجودة طبيعياً في أوراق الشاي الجافة، في حين يندر وجودها في الأطعمة الأخرى، ويحتوى الكوب الواحد من الشاي ما بين 14 18 ملجم من الثيانين.

ويساهم الثيانين الموجود في الشاي بشكل إيجابي في تعزيز الحالة النفسية وصفاء الذهن لمن يحتسيه، فجميع أنواع الشاي، تحتوي على الثيانين الطبيعي، وقد تمّ دراسة نتائج الثيانين الإيجابية في جامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة ومؤسسة ناتان كلاين في نيويورك وفي مؤسسات علمية أخرى رائدة في العالم. وتأكد أن للثيانين القدرة على العبور من خلال الحواجز الدموية المخية ويعمل على تحسين وظائف المخ، ويساعد على الشعور بالارتياح وتحسين قدرة التفكير والتركيز، وقد وجد أن شرب من اثنين إلى ثلاثة أكواب من الشاي يومياً يحسّن الأداء الفكري، ويعتقد بأن للثيانين دوراً أساسياً في ذلك.

 

العراق.. أرقام فلكيّة تكلفة الاعتماد على الاستيراد

تكاد الأسواق العراقية تخلو من المنتجات المحلية، الصناعية والزراعية والاستهلاكية، وغيرها، بسبب غياب التخطيط الاقتصادي، وتراجع خطط إعادة الإعمار، في السنوات التسع بعد الغزو والاحتلال، والتوجه المسبق لإلغاء دور القطاع العام، الذي كان الموجه للاقتصاد قبل الاحتلال، مع انعدام البديل، حيث تفتقر البلاد للاقتصاد الخاص، الذي يمكنه من الدخول في تنافس مع المستورد. فمنذ تسع سنوات، وحتى الآن، أغلقت المنشآت الإنتاجية، وسرقت محتوياتها، بحيث أصبحت عملية إعادتها إلى الحياة شبه مستحيلة، خاصة مع تفشي وباء الفساد الإداري والمالي، والحديث عن استيراد الكماليات، يثير الاستغراب.. فبلد النفط يستورد المشتقات النفطية، بمئات المليارات من الدولارات، ومنها تلك التي تدخل في تشغيل محطات الكهرباء، شبه المفقودة في منذ تسع سنوات. وعند الحديث عن الكهرباء، يجب الإشارة إلى أن الزراعة تعتمد أيضا عليها في مضخات سحب المياه من الأنهار، وزادت مناسيبها في مواسم الأمطار.

ويصدق في هذا الصدد قول الشاعر بدر شاكر السيّاب في قصيدته الشهيرة "أنشودة المطر".(مطر.. مطر.. وفي العراق جوع... ما مرّ عام والعراق ليس فيه يهطل المطر.. ما مرّ عام والعراق ليس فيه جوع).

والعراق، الذي يعتمد الآن في 95% من موازنته على النفط، ينفق مليارات لا تحصى على النفط الأبيض المستورد، والبنزين المستورد، والغازوئيل "المازوت" الذي يستخدم في تشغيل مولدات الكهرباء الحكومية والأهلية، في وقت تؤكد المصادر العالمية أن تكلفة إنتاج ألف ميجاواط من الكهرباء، لا تزيد على مليار دولار.. ولا أحد يعلم شيئا عن مصير عشرات المليارات، التي أنفقت في عقود إنشاء محطات التوليد الكهربائية "العملاقة"، إضافة إلى عقود استيراد الكهرباء والوقود من دول الجوار. وفي هذا الصدد، أجرى مكتب المرجع الديني الشيخ قاسم الطائي دراسة موقعية للشبكة الكهربائية، بينت أن باستطاعة العراق سد النقص في الطاقة الكهربائية بمبلغ إجمالي يقدر بـ 20 مليار دولار.

والرقم يعني إدخال 20 ألف ميجاواط جديدة إلى الخدمة، إضافة إلى الإنتاج الحالي، الذي تتضارب المعطيات حوله، والذي يقترب من 5 - 6 آلاف ميجاواط، أي ما يقارب إنتاج الكهرباء في سنوات الحصار، قبل الغزو الأميركي، وكان التجهيز يقارب العشرين ساعة يوميا، مع وجود المعامل والتصنيع العسكري، والحركة التجارية والكازينوهات وما إلى ذلك. ويعتبر الرقم 20 مليار دولار "باهتاً"، مقارنة بما ينفقه العراق والعراقيون على الكهرباء التي ما زالت مفقودة. وأظهرت الدراسة أن إجمالي صرف المؤسسات الحكومية، والشعب العراقي، بما يستهلكه من مولدات وملحقات أخرى، يصل سنويا بحدود أكثر من 151 تريليون دينار (نحو 135 مليار دولار)".

 

فلسطين.. نمط ترفي يتناقض مع واقع مرير

يجمع خبراء اقتصاديون عديدون على ان هناك تزايداً ملحوظاً في معدلات الاستهلاك عند العرب بشكل عام، في وقت يغيب فيه الاستثمار المشترك بين دول المنطقة ويتدنى فيه مستوى الإنتاجية مقارنة مع حجم الاستهلاك والاستيراد المرتفعين يوماً بعد يوم.

ويقول الدكتور عمر شعبان مدير مركز بال ثينك للدراسات الإستراتيجية في غزة ان هذا الموضوع ينطبق على معظم بلدان الوطن العربي الذي يستهلك أكثر مما ينتج، ففاتورة الغذاء حتى في الدول العربية التي تتحضن اراضي زراعية واسعة كمصر، والعراق، والجزائر، والمغرب، تعتمد بشكل كبير على الخارج في توريد الكثير من السلع والحاجات، فعلى سبيل المثال، مصر تنتج 9 ملايين طن من القمح سنويا وتستورد نحو ثلثي حاجتها منه من الخارج، وهناك الكثير من الانتقادات حول هذه القضية وتساؤل عن سبب عدم الوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي في الوطن العربي، على الاقل من السلع الاساسية.

وحتى الدول الفقيرة تستهلك سلعا ترفيهية بذخية ليست بحاجتها من وجهة نظر الناس العاديين، ففي مدينة رام الله يوجد نمط استهلاكي ترفي لا يتلاءم مع الواقع الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، حيث يتم الاعتماد بنسبة 60% في اقتصاده على الخارج، وتتلقى السلطة الفلسطينية ملياري دولار كمساعدات سنوية، فعدد السيارات الفارهة التي تجوب شوارع رام الله تصدم الزائرين وتتناقض مع الواقع الحياتي، فغالبية الشعب لا تتحمل التكاليف الباهظة ويضطر المواطن للعمل في عدة وظائف ليتمكن من تلبية حاجات اسرته، كما وتشير مؤشرات البنك الدولي التي ظهرت قبل أشهر قليلة الى ان مستوى الإنتاجية الفلسطينية ينخفض وانتاجية القطاع الحكومي اكثر قسوة، وكفاءته اقل من السابق.

والاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية يعتمد على المساعدات الخارجية، بينما يعتمد اقتصاد غزة على الإنفاق، وكما هو الحال في رام الله فإن الواقع في غزة أكثر قسوة في ظل مجتمع يعيش نحو ثلثيه تحت خط الفقر، بينما توجد انماط استهلاكية لا تتلاءم تماما مع واقع الحصار الاسرائيلي الذي يسيطر على القطاع منذ سنوات، حيث السيارات الفخمة والعادات الاستهلاكية التي لا تعكس حقيقة الواقع.

والغريب ان حجم الاستثمارات البينية بين الدول العربية لا يتجاوز 6 ـ 8% وهو منخفض جدا، ولا يعزز التكامل الاقتصادي المنشود، مقارنة مع حجم استثماراتها مع الدول الغربية.

ويؤكد المحاضر في جامعة بيرزيت والخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور نصر عبد الكريم أنه منذ سنوات وحجم الاستهلاك الفلسطيني يفوق حجم الناتج المحلي الاجمالي بكثير، وهذا الامر أحدث تفاقما وعجزا في الميزان التجاري. وجزء من الموضوع يرتبط بعادات وتقاليد استهلاكية واجتماعية يمارسها الفرد، وخاصة في المناسبات التي ترهق الجيوب، اضافة الى أن معدل الاستهلاك يرتفع مقابل بقاء أوضاع المواطنين ومستوى دخلهم ثابتاً ولا يحدث أي تغيير عليه، ليتواءم مع حجم غلاء السلع والخدمات، واشار عبد الكريم الى ان حجم الاستهلاك يفوق مستوى الناتج المحلي بنسبة تقدر بنحو 120%.

دخل مرتفع

وأكد ان مستوى الاستهلاك البذخي يمكن تسجيله في الدول العربية الغنية وبالتحديد الدول النفطية التي يوجد فيها نصيب دخل مرتفع للفرد، ولدى الفئات والطبقات ذات المستوى المرتفع اقتصاديا وماليا واجتماعيا، فالسلوك البذخي يعتمد على مستوى الدخل، لكن عبد الكريم اشار الى ان المجتمعات العربية تشهد مستويات بطالة وفقر مرتفعة تعاني التهميش، خاصة في فئتي الشباب وخريجي الجامعات، ولا يمكن تعميم السلوك البذخي عند جميع الناس.

وقال رئيس المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي الدكتور نبيل كوكالي ان الشعب العربي شعب مستهلك بالدرجة الأولى، فاستيراد السلع الكبير من الخارج يؤدي الى عجز في الميزان التجاري المحلي، وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة وندرة فرص العمل خاصة في صفوف الشباب والخريجين الجدد، وأكد كوكالي ان مجمل القطاعات الفلسطينية "الصناعة التقليدية، والزراعة، والتجارة.. إلخ" قد تأثرت بشكل كبير بسبب الاستيراد الخارجي.

حيث اغلق العديد من اصحاب المصانع مصانعهم واصبحوا يستوردون البضائع والصناعات الصينية ويبيعونها لزبائنهم، وهذا أدى الى تفشي البطالة وقلة فرص العمل، فمثلا: المصنع الذي كان يعمل فيه 50 ـ 60 عاملا اصبح اليوم يديره عامل أو اثنان، لأنه لا يوجد فيه انتاج وصناعة، بل عملية استيراد وبيع، كما أن استيراد السلع غير مقتصر على سلعة دون أخرى، فهناك استيراد لسلع ثمينة كالسيارات والأثاث، فعملية الاستيراد تتم بناء على رغبة التاجر وليس وفقاً للمواصفات والمقاييس والجودة المطلوبة، حيث توجد أيضا الكثير من السلع والصناعات التي تكون جودتها أقل من جودة المنتج الوطني، لكنها تشهد حالة اقبال وطلب عليها من قبل المواطنين.

حماية السلع

وطالب الجهات المختصة بحماية السلع والصناعات المحلية وتوفير بيئة استثمارية جاذبة تمكن المستثمرين من فتح مشاريع، توفر فرص عمل للمواطنين وصناعات ذات جودة عالية.

وبحسب بيانات لجهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني فإن مستوى الأسعار في القدس سجل ارتفاعاً طفيفاً خلال شهر مايو الماضي بنسبة 0.07%، نتج هذا الارتفاع بصورة رئيسية عن ارتفاع أسعار مجموعة المشروبات الكحولية والتبغ بنسبة 2.00%، وأسعار الأثاث والمفروشات والسلع المنزلية بنسبة 1.43%، وخدمات المطاعم والمقاهي والفنادق بنسبة 0.42%، رغم انخفاض أسعار الخدمات الطبية بمقدار 1.38%، وأسعار مجموعة السلع والخدمات المتنوعة بمقدار 0.63%، وأسعار مجموعة المواد الغذائية والمشروبات المرطبة بمقدار 0.16٪.

كما سجلت الأسعار في الضفة الغربية ارتفاعاً بنسبة 0.18% خلال شهر مايو 2012، نتج هذا الارتفاع بصورة رئيسية عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات المرطبة بنسبة 0.47%، والخدمات الطبية بنسبة 0.29%، وأسعار خدمات المطاعم والمقاهي والفنادق بنسبة 0.18%.

 

البحرين.. الشعوب العربية مطالبة بتنفيذ برامج للاكتفاء الذاتي

 

المواطن العربي وفي الخليج بالأخص يعيش حالة من البذخ في الاستهلاك سواء على مستوى الجماعة أو الفرد، ويمكن ملاحظة ذلك في اعداد المطاعم السريعة التي أصبحت في أغلب المدن العربية وطوابير المستهلكين في جميع مطاعم الوجبات الرئيسية من الإفطار حتى العشاء، وجميع المطاعم تعتمد اعتماداً كلياً على استيراد موادها الغذائية من الخارج، وعربات التسوق بعد استلام الراتب الشهري تظهر عربات التسوق ما يدل على البذخ والإسراف في المشتريات، ونهاية الإسراف في المشتريات مصيره مكب القمامة لعدم ملاءمة حجم المشتريات مع حاجة الفرد.

هكذا بدأ الناشط خالد موسى البلوشي حديثه وفي الوقت نفسه أبدى أسفه لعدم تمكن أغلب الدول من التمويل الذاتي للسلع الاستهلاكية كحد أدنى، مع الاعتماد الكلي على الاستيراد من الخارج، ما يجعل أسعارالسلع الاستهلاكية متذبذبة ويبقى توافرها بناء على الأوضاع الاقتصادية مثل أسعار النفط التي تؤثر على زيادة سعر النقل فتزيد تكلفة السلعة.

ومن أهم الأمور التي لابد أن تركز عليها دولنا خصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية والمعيشية التي تعيشها في ظل الربيع العربي أن تتجه إلى الاستثمار في الإنتاج المحلي الذي يغطي الطلب من السلع الاستهلاكية، وتوظيف كافة الموارد البشرية بكل مستوياتها العلمية والعملية، والأهم من ذلك توجيه أموال الاستثمارات العربية في الصناعات المحلية بدل الاستثمار الخارجي.

واختتم البلوشي رأيه بالتأكيد على أن الدور الأكبر يقع على الحكومات العربية التي يجب عليها الالتفات إلى الاكتفاء الذاتي في كافة احتياجاتها الاستهلاكية، كما أن هذه العملية ستساهم في حل العديد من المشاكل التي تعاني منها الدول من بطالة وركود في التجارة المحلية، وقلة الغذاء في عدد من الأقطار العربية، ويجب على المواطن العربي ضرورة تهذيب سلوكه الاستهلاكي بحيث يقوم بفرز المشتريات الشهرية وتقليصها باستبعاد المواد التي تتكدس إلى أن تلقى مصيرها بين ركام القمامة.

بدوره قال الإعلامي عصام الخياط إن الدول العربية تعتبر حسب تصنيف الأمم المتحدة من الأقطار النامية المستهلكة والمنطقة كانت مزدهرة حضارياً وعلمياً في أواسط القرن الماضي في الفترة التي تسمى عصور الظلام بالنسبة لأوروبا وذلك نتيجة لانفتاح الدولة الإسلامية التي كانت تحكم المنطقة العربية كأرض واحدة، وطور علماء المسلمين المنفتحون العديد من العلوم والنظريات والقواعد التي لا تزال تدرس في أعرق جامعات أوروبا، وكنتيجة طبيعية عندما تكون الأراضي والشعوب موحدة تزدهر الحضارة وتتكامل فيما بينها.

وبعد تحول الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة وانقسامها إلى أقاليم وسيطرة الدول المستعمرة على خيراتها تحولت الشعوب العربية إلى مستهلك من الدرجة الأولى، فباتت خيراتها ومواردها الطبيعية والتي تخرج من أراضيها تُستخدم في الصناعات التحويلة بالدول الصناعية لتعود إلى المستهلك العربي على شكل بضائع أساسية وترفيهية وكمالية.

 

 

 

قطر.. «الدين... شين» حملة لمكافحة الديون الاستهلاكية

 

شهدت القروض الاستهلاكية زيادة مستمرة في المجتمع القطري وتضاعفت بشكل كبير خلال السنوات الست الأخيرة، فوفقا لتقارير فإن حجم القروض الشخصية بلغ نحو 56,7 مليار ريال في نهاية العام الماضي. وتقول أرقام المصرف المركزي إن حجم القروض الاستهلاكية بلغ نحو 13,1 مليار ريال في نهاية 2004 ثم ارتفع خلال 2005 الى 24,7 مليارا، وخلال عام 2006 الى 35 مليار ريال، ثم زادت الى 56,7 مليار ريال في نهاية 2008 ، لتشهد تراجعا ملحوظا خلال 2009 لتصل الى نحو 53,2 مليار ريال بسبب الأزمة المالية العالمية واحجام البنوك عن الإقراض بشكل واسع. إلا أن هذه القروض عاودت ارتفاعها مرة أخرى لتصل الى حوالي 56,7 مليار ريال في نهاية العام الماضي.

و يميل العديد من القطريين إلى الحصول على القروض المصرفية من أجل الإنفاق على مظاهر ترف ورفاهية.حيث تعيش %75 من العائلات القطرية في ظل الديون المصرفية، وتستدين كل منها ما يزيد على 250 ألف ريال، وفقا لما أوردته إستراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016.و بذلت جهودا حثيثة للحد من الظاهرة، واطلقت حملة الدَّين شين، وجمعت خلالها التبرعات للمساعدة في دفع الأموال المستحقة على المدينين سواء في السجون أو من المهددين بإجراءات جنائية.

ودشنت مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية «راف» الحملة والموجهة إلى القطريين كأولوية في مرحلتها الأولى.وقد سلكت مسارين: الأول توعوي، والغرض منه إعادة صياغة الثقافة الاستهلاكية ذات الارتباط بالدين بحيث سيتم من خلال الحملة تحذير المجتمع من الإفراط في الاستدانة لأسباب غير ملحة، ومع «الدين.. شين»، فالثاني تسويقي، بحيث سيتم تكوين صندوق مالي، يتم التسويق له، وتصرف مبالغه في تسديد ديون السجناء أو من رفعت ضدهم قضايا في المحاكم أو المهددين بالسجن.

وتهدف الحملة إلى دعم فئة المدينين بسداد الدين عنهم ومكافحة الثقافة الاستهلاكية التي تدفع بصاحبها للاستدانة لأغراض غير ضرورية ونشر مبدأ التكافل الاجتماعي والرقي بمدلولاته ليصبح ثقافة مجتمعية والحفاظ على نسيج الأسر وتماسكها من خلال رفع الدين عن معيليها وتوجيه عناية مؤدي الزكاة إلى هذه الفئة من فئات مصارفها الثمانية وتجسيد المعاني السامية التي يشكلها الموروث الروحي والعقائدي في بعده الاجتماعي.

قطر شهدت في السنوات الأخيرة تحولات عديدة فيما يتعلق بنمط الاستهلاك سواء كان لتوفير الاحتياجات الضرورية أو غيرها والذي أصبح في كثير من الأحيان يتجاوز الإمكانيات المادية للمستهلك .حيث تعمل الكثير من الجهات التمويلية (بنوك ومؤسسات مالية) على جذب المستهلكين نحو منتجاتهم وخلق حاجات جديدة قد لا تكون معروفة من قبل، مثل شراء تذاكر السفر أو حجز الفنادق ونظرا لعدم كفاية دخل الفرد في معظم الأحيان لهذه المتطلبات فإن المستهلك يحاول إشباع تلك الحاجات المتنوعة عن طريق القروض وبالمقابل يؤدي ذلك إلى زيادة الأعباء المالية على الأفراد.

ويتجه الكثير من العملاء إلى المؤسسات المالية للحصول على قروض، وفي كثير من الأحيان يتم التركيز على المبلغ دون الالتفات إلى الفائدة أو العمولة أو المدة مما يؤثر سلباً على التخطيط المستقبلي للأفراد أو أي التزامات جديدة ممكن أن تنشأ في المستقبل وتحتاج إلى تمويل. والذي يحصل فعلياً في الكثير من الأحيان هو الحصول على قرض، ثم بعد فترة زمنية يحصل على قرض آخر ، لحين الوصول إلى عدم القدرة حتى على سد احتياجاته اليومية من أكل وشرب ومصروف يومي.

 

Email