مصر .. وقائع الانتحار ضحاياها شباب يتصف بالطيش

مترو الأنفاق في مصر البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

«إيه اللي جرى (ماذا حدث) لشباب مصر؟» صرخة أطلقتها (س.م) وهي امرأة خمسينية من إحدى ضواحي شرق القاهرة، بينما تتابع خبري انتحار شاب تحت عجلات مترو أنفاق شبرا الخيمة (شمال القاهرة)، ومحاولة آخر الانتحار تحت عجلات مترو جمال عبد الناصر (وسط القاهرة) في أقل من ساعتين ظهر الأحد 2 سبتمبر 2018.

تقول (س.م) إنها عاصرت العديد من الظروف الصعبة في مصر طيلة حياتها، بينها ظروف اقتصادية ومجتمعية خانقة في سنوات صعبة في وقت سابق وكذا ظروف خاصة بها على امتداد عمرها، لم تسمع كثيرًا عن حوادث انتحار بهذا الشكل المُتكرر هربًا من الظروف الاقتصادية كما يسوق البعض أسباب تلك العمليات.

ولم تفكر ولم يفكر أي من أصحابها في الانتحار، وتردف قائلة: «الناس إيمانها ضعف.. والنت والإعلام ملوا (عبأوا) دماغ الشباب بأفكار بتخليهم (تجعلهم) يعملوا حاجات يخسروا بيها دنيتهم وآخرتهم».

الحالتان اللتان علقت عليهما السيدة الخمسينية المصرية بشكل عفوي، ليستا الوحيدتين، فبخلاف حوادث الانتحار التي تشهدها مصر من آن لآخر بوسائل مختلفة، هناك حالات أثارت الكثير من الجدل لجهة قسوة وسيلة الانتحار وبشاعتها، من خلال إلقاء المُنتحر نفسه تحت عجلات مترو الأنفاق.

فئة الشباب

واللافت في وقائع الانتحار تحت عجلات المترو في مصر أن ضحاياها هم من فئة الشباب، وهو ما لفتت إليه أستاذة علم الاجتماع بالقاهرة د. سامية خضر، والتي شدّدت على أن تلك المرحلة (مرحلة الشباب) تتصف بالطيش واتخاذ قرارات متهورة في غياب الوازع الديني من أجل التخلص من الأزمات والمشكلات.

تثير تلك الوقائع لغطًا ممزوجًا بالرعب في الأوساط المصرية، وكانت الواقعة الأبرز هي واقعة انتحار فتاة عشرينية تُدعى أميرة كانت على خلاف مع أشقائها بعد وفاة والدتها، فقررت الانتحار بعد تلك الضغوط النفسية التي تعاني منها، وألقت بنفسها تحت عجلات المترو في الشهر السابع من العام الجاري.

وفي الشهر نفسه وبالطريقة نفسها انتحر شابان، أحدهما في 30 يوليو قام بإلقاء نفسه تحت عجلات مترو أنفاق أحمد عرابي بالقاهرة، والثاني قبله بأيام قليلة تحت عجلات مترو أنفاق المرج (شرق القاهرة) لشاب جامعي.

ولا توجد إحصاءات رسمية حديثة تحصر عدد حالات الانتحار في مصر في السنوات الأخيرة. لكن دراسة لمنظمة الصحة العالمية وضعت مصر في المرتبة 96 على مستوى العالم من حيث حالات الانتحار في 1987. وفي العام 2007 كشف المركز القومي للسموم (مركز تابع لجامعة القاهرة) عن 2355 حالة انتحار بين الشباب في الفئة العمرية من 22 إلى 23 عامًا فقط خلال عام.

وفي 2009 قدّر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حالات الانتحار بـ 104 آلاف حالة. وفي 2011 بلغت الحالات نحو 18 ألف حالة بحسب مركز السموم، أما عن الأسباب فقد ذكر المركز القومي للسموم في وقت سابق أنها تتوزع بين (البطالة والعنوسة).

وسيلة سهلة

بينما تعتبر «عجلات المترو» أحدث صيحة في أساليب الانتحار التي يقدم عليها يائسون، وذلك قد يكون راجعًا في المقام الأول لاعتقاد المُنتحر بأن ذلك وسيلة سهلة للتخلص من حياته بشكل سريع، على رغم قسوة وبشاعة العملية، حسبما يؤكد استشاري الطبي النفسي والأعصاب د. كريم درويش، في تصريحات له أخيرًا، منبهًا في السياق ذاته لضرورة الحوار واحتواء المريض النفسي أو الشخص الذي يعاني من ضغوط نفسية.

وعدم تجاهله. وخلقت تلك الحوادث البشعة لغطًا واسعًا عبر ردهات مواقع التواصل الاجتماعي تخلله الكثير من الأفكار والحلول الخاصة للتعامل مع أزمات الشباب المصري، بداية من توصيف الأسباب ووضع الحلول، وتنوعت الأسباب ما بين ذاتية وعامة، من بين الأسباب الذاتية التي ساقها البعض ضمن التعليقات ما يتعلق بالوضع الأسري والحياة الشخصية، والأسباب العامة المرتبطة بالوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.

السيدة (س.م) تعتقد بأن الظروف الخاصة وحتى العامة ليست مبررًا أبدًا لأن يخسر أيهم دنيته وآخرته، فالانتحار ليس حلًا وتلك القرارات المتهورة هي من باب «الطيش الشبابي»، وتقول: «الأزهر والكنيسة والمدارس والجامعات ليهم دور لازم يتحركوا وياخدوا الشباب دول في حضنهم قبل الموضوع ما يتحول لظاهرة منعرفش (لا نستطيع) نسيطر عليها».

بالأرقام


88

تكشف أحدث الإحصاءات المتاحة على الموقع الالكتروني لمنظمة الصحة العالمية، أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، علماً أن عدد سكان مصر يبلغ 100 مليون نسمة.

وهناك قرابة 88 ألف شخص ينتحرون كل عام. ومنذ عام 2015 تتجدد التساؤلات حول تزايد حالات الانتحار بمصر من حين لآخر، لكن السلطات المصرية لا تتعامل بشفافية مع هذه الظاهرة، ولا تصدر وزارة الصحة إحصاءات واضحة بعدد الحالات، لتفتح بذلك المجال واسعا أمام التقديرات الجزافية.

وتشير أرقام غير رسمية إلى ارتفاع معدلات الانتحار في مصر خلال السنوات القليلة الماضية. وبينما لا إحصاءات رسمية عن الانتحار بمصر، كشفت دراسة لوزارة الصحة في القاهرة، أن 21.7% من طلبة الثانوية العامة يفكرون في الانتحار. وشهدت الأسابيع القليلة الماضية العديد من حالات الانتحار بين طلاب المدارس الثانوية والإعدادية.

 


 

 

 

Email