«البيان» تفتح نافذة على مأساة المدنيين

الغوطة.. روايات الموت متعددة الوجوه

مدنيون في الغوطة يتعرضون للقصف (أ ف ب)

ت + ت - الحجم الطبيعي

كقصص الكرتون التي تُحكى للأطفال يأتي البطل منقذ سامر أبو عبيدة، من أبطال الدفاع المدني في الغوطة الشرقية، لينقذ هذه الطفلة ذات 3 السنوات من بين أنياب الموت.. هذا الموت الذي عرف كل وجوه أهل الغوطة، يترصد بهم في كل حين وفي كل مكان.

الوحش في هذه الرواية، متعدد الوجوه والأساليب والأغراض، يظهر طائراً حيناً وقذيفة حيناً آخر، يتفنن في كل أنواع الموت، تارة يحمل علم النظام وتارة يحمل علم الميليشيا، وتارة أخرى يحمل أعلاماً غريبة لا يعرفها السوريون.

قصص الخيال التي كان يستمتع بها الأطفال باتوا اليوم يعيشونها واقعاً مؤلماً قد حول طفولتهم الوردية إلى سواد معتم، نصف الأطفال اليوم تحت الأرض في أقبية منهارة قد تتحول إلى مقبرة في أي لحظة، وقسم آخر منهم بين الأنقاض ينتظر أن يسمع صوته فرق الدفاع المدني.

أما المسنون فهم أسوأ حالاً من الأطفال، فلا أحد يقوى على التنقل بهم، والحركة في ظل الغارات المتجددة في كل دقيقة، بينما الشباب هم وقود هذه الحرب التي تعشق قطف أرواحهم.. حتى الآن هناك العديد من الأمهات ومن الأطفال تحت الأنقاض تعجز فرق الدفاع المدني عن تقديم العون لهم وانتشالهم جثثاً كانوا أم أحياء.

موت، هذه الكلمة الأكثر حضوراً في الغوطة الشرقية، كل شيء يهرب من الغوطة إلا الموت، فهو البطل الذي يظهر في كل الأماكن.. يتنقل دون خوف من قذيفة أو طائرة، يتسلل إلى داخل الأقبية وخلف قضبان الحديد.. هو الصديق الأكثر قرباً من أهالي الغوطة.

لا حياة

يقول الناشط السوري عمر عباس من داخل الغوطة في حديث عبر السكايب مع «البيان»، لم يعد الموت مخيفاً أبداً، هو بات صديقاً لأهالي الغوطة، ولكن ما يميت أكثر هو منظر أشلاء الأطفال في شوارع الغوطة، ونداءات الأمهات اللواتي يمتن تحت الأنقاض فيما يجري تصوير الموت مباشرة من أبنائهن.. تلك هي قصص الموت الحقيقية التي لا يحتملها الخيال.

ويضيف عباس لـ «البيان» لا حياة هنا لا أمل لا طعام لا ماء، لا شيء سوى العذاب الذي نعيشه منذ أربع سنوات، واليوم يأتون إلينا بكل أنواع الموت لنكون نحن ملحمة القرن الحادي والعشرين، منادياً كما غيره من الآخرين، أين هذا العالم، هل يعشقون موتنا.

ناشط آخر، في اتصال لـ «البيان» يقول: لا وقت حتى للوداع لا عزاء، ولربما لن تعلم أين تدفن فلذة كبدك وروحك، لا مكان اليوم إلا للموت ولا راحة إلا في القبر، ونحن، نعم أنا وأنت لا عذر لنا إن لم ننصر غوطتنا بكل ما نستطيع.

ويقول: حتى الأكفان لم تعد تكفينا في الغوطة فعداد الموت لا يتوقف في مدينة الجحيم اليومي، فلا ماء نغسل به موتانا ولا مقابر تضم هذه الجثث، إننا نشعر أننا لسنا على هذه الأرض، بل في أرض يطلق عليها أرض الموت فقط.

لا مزايدة

هذه ليست رواية من أجل التأثير في ذات القارئ، وليست مزايدة لغوية يمكن أن يلجأ إليها الكاتب، هذه حقيقة ممزوجة بالدم اليومي من أهالي الغوطة، كل شيء تحول إلى كوابيس، في الغوطة الليل يساوي النهار، والأطفال أرعبتهم أصوات الطائرات، المستشفيات تخرج عن نطاق الخدمة.

Email