تدخّلات النظام الإيراني المباشرة أسهمت في تعزيز التجاذب الطائفي بالمنطقة

محللون: إصلاح الاتفاق النووي بات ضرورة لردع إيران

ت + ت - الحجم الطبيعي

سعت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون من خلال الاتفاق النووي الإيراني إلى محاولة دمج إيران بالمنظومة العالمية، حيث يقول أحد نصوص الاتفاق «إن التنفيذ الكامل للاتفاق سوف يساهم بشكل إيجابي في الاستقرار والسلام الإقليمي والعالمي».

ولكن تدخلات النظام الإيراني المباشر أو من خلال وكلائه بالمنطقة ساهم بتعزيز التجاذب الطائفي، وحسب جيمس جيفري السفير السابق والباحث في معهد واشنطن للشرق الأدنى فإن إيران ساهمت بشكل غير مباشر في صعود تنظيم داعش بسبب دعمها لكل ما هو سيئ. ويؤكد محللون أنه «حان الوقت الآن لمحاولة إصلاح الاتفاق النووي».

ويقول جيفري إن إيران من خلال دعمها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الأسد، دفعت إلى المزيد من الاقتتال الطائفي في المنطقة، إلى جانب تدخل إيران في اليمن من خلال تسليح الحوثيين.

ويضيف جيفري، «خلال العامين الماضيين، كل القادة العرب الذين تحدثت إليهم في المنطقة، أكدوا أن إيران وليس تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش، هي التهديد الاستراتيجي الأكبر في المنطقة». ويشدد جيفري «أن شركاء أميركا في المنطقة يرون إيران ليس كدولة ولكن كحركة خبيثة في الشرق الأوسط».

تحدي الأمن الإقليمي

ويقول جيفري، على الرغم من أن إيران تتحدى الأمن الإقليمي من اليمن إلى أفغانستان فإن الجبهة الرئيسية هي سوريا والعراق، حيث أثرت طهران منذ فترة طويلة على نظام الأسد والحكومة في بغداد. وفي أعقاب «الربيع العربي» عام 2011، دفع القادة الإيرانيون ووكلاؤهم إلى ممارسة سيطرة أكبر، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الكارثية وساهمت بشكل مباشر في ظهور تنظيم داعش.

ماري دونوفان كبيرة الباحثين في مشروع التهديدات الحرجة بمعهد انتربرايز واشنطن، تقول إن المؤيدين للاتفاق النووي الإيراني والمعارضين له على حد سواء يتفقون على ضرورة مواجهة الأنشطة غير النووية الإيرانية، المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وحول العالم.

وتؤكد دونوفان أنه من أجل مكافحة أنشطة إيران غير النووية المباشرة أو عبر وكلائها في المنطقة يجب أن تكون بمنأى عن الاتفاق النووي الإيراني. وتضيف أن إيران تعتبر برنامج الصواريخ الباليستية قضية مركزية في عقيدة الأمن القومي لطهران. وبالتالي التفاوض حول هذه القضايا لن يكون مجدياً ومصيره الفشل.

مبررات محقة

وحول خطة الرئيس الأميركي بخصوص التعامل مع إيران، تقول دونوفان إن ما ذهب إليه ترامب في خطابه حول استراتيجية مواجهة إيران هي مبررات محقة، التدخل الإيراني في شؤون المنطقة والخطر الذي يشكله الحرس الثوري الإيراني أمور يجب مجابهتها، مضيفة أنه يجب التركيز على السياسات المطلوبة لمواجهة إيران، بعيداً عن التركيز على الاتفاق النووي.

حامد بيغلاري ومن خلال مجلة العلاقات الخارجية يقول إن لدى الولايات المتحدة، ثلاثة خيارات للتعامل مع إيران في السنوات المقبلة. أولاً، محاولة احتواء إيران من خلال العقوبات المكثفة التي تقودها الولايات المتحدة وائتلاف الدول الإقليمية التي تقودها المملكة العربية السعودية.

ثانياً، وهو لا يتعارض مع الخيار الأول وهو السعي إلى تغيير النظام في طهران. وأخيراً هو محاولة الولايات المتحدة الحفاظ على التوازن الإقليمي وإبقاء الأمور على حالها. وهو خيار حسب بيغلاري لا يحظى بشعبية سياسية في واشنطن ويحتاج لمدة زمنية طويلة وسيكون من الصعب تنفيذه.

روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يقول إنه كان لديه تخوف منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني، أن يقوم النظام الإيراني استثمار المبالغ المالية الضخمة التي تلقوها بعد توقيع الاتفاقية لتنفيذ طموحاته الإقليمية مباشرة أو من خلال وكلائهم. وخلال العامين الماضيين قامت طهران بتوسيع برنامجها الصاروخي ومن خلال توجيه الأموال والأسلحة لحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وآلاف الميليشيات من أجل القتال في سوريا والعراق.

استغلال ثغرات الاتفاق

ويضيف ساتلوف أن برنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات هو برنامج إشكالي. الإيرانيون يستغلون الثغرة في الاتفاق والتي سمحت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في قرار مجلس الأمن بشأن استمرار إيران في تطوير قدراتها الصاروخية. «من الخطأ أن يدعي مؤيدو الاتفاق أن الاتفاق قد أوقف أو جمد برنامج إيران النووي»، مؤكداً أن برنامج إيران النووي يسير على قدم وساق باتفاق أو من دون اتفاق.

ويطالب ساتلوف من الإدارة الأميركية فرض عقوبات على إيران مقابل كل دولار يتم صرفه على برنامجها الصاروخي أو حزب الله أو الحوثيين أو غيرهم من الجهات الفاعلة سلباً في المنطقة. وأكد ساتلوف «أن هذه العقوبات غير مرتبطة بالاتفاق النووي نفسه، وبالتالي أن فرضها لا ينتهك الاتفاق الموقع».

ويشدد ساتلوف أنه على غير العادة تتاح للإدارة الأميركية فرصة ثانية لاتخاذ القرار الصحيح، «إذا تم التعامل مع الموضوع بشكل صحيح، ومع قيادة هادفة ودبلوماسية ناضجة. يجب على ترامب وإدارته اقتناص الفرصة لتصحيح صفقة معيبة من قبل سلفه، أن تأتي متأخرة خيراً من أن لا تأتي».

إعادة التفاوض

مارك دوبويتز المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات يقول إنه ضد الانسحاب من الاتفاقية ليس لأن الاتفاقية جيدة، بل سيئة. ولكن يجب إعادة التفاوض على بعض بنود الاتفاق من خلال الاتفاق مع الشركاء الأوروبيين.

ويؤكد دوبويتز أن عدم تصديق الرئيس ترامب على الاتفاق هو إشارة صريحة بالبنية المعيبة للاتفاق حسب وصفه. مضيفاً «أن الاتفاق يعطي طهران مساراً مرضياً للحصول على الأسلحة النووية والأسلحة العابرة للقارات، ببساطة من خلال انتظار انتهاء القيود الرئيسية على برامجها النووية والصاروخية، وإيران ستحصل على كل ذلك من خلال امتثالها بالاتفاق. هذا الشيء يضر بمصالح الأمن القومي الحيوي للولايات المتحدة».

ويضيف دوبويتز أنه في حال عدم إعادة التفاوض على الاتفاق، فإن الولايات المتحدة والأوروبيين سيقدمون المزيد من التنازلات على مدى سنوات الاتفاق الخمس عشرة سنة. حيث ستتلقى إيران مئات المليارات من الدولارات من خلال تخفيف العقوبات والتبادلات التجارية. وبالتالي استثمار المال لبناء برنامج تخصيب مدني صناعي، مما يعني أنها ستكون قريبة جداً من الحصول على رأس نووي حربي.

ويؤكد دوبويتز أنه قد حان الوقت الآن لمحاولة إصلاح الاتفاق النووي، وليس عندما يكون النفوذ الأميركي أضعف، والنظام الإيراني أقوى بكثير. الولايات المتحدة لن تعيش مع اتفاقية معيبة وليست في مصالحها الأمنية الوطنية والحيوية. هناك فرصة لإصلاح هذه الاتفاقية. وآمل من أولئك الذين يؤيدون قطع الطريق أمام إيران للحصول على السلاح النووي والأسلحة العابرة للقارات استغلال هذه الفرصة.

عقوبات إضافية

يؤكد محللون أن الاتفاق النووي شيء ومعالجة المخاوف الأخرى بشأن أنشطة إيران العدوانية شيء آخر. «يجب على الولايات المتحدة أن تعترف بأن تغيير حسابات النظام الإيراني بشأن هذه القضايا يتطلب استراتيجية احتواء، في شكل عقوبات إضافية أو أشكال أخرى من العزلة والضغط».

Email