عملية كركوك قاصمة ظهر الانفصال

■أحد عناصر البيشمركة في منطقة كرز غربي الموصل | رويترز

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكّلت عملية استعادة السيطرة على كركوك ضربة قاصمة لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، فيما تمثّل هذه الضربة النوعية لمشروع بارزاني الانفصالي مقدمة لضربات لاحقة ينتظرها البارزاني الذي خسر رصيداً سياسياً واقتصادياً غير مسبوق دأب على انتزاعه بالقوّة من خلال عملية الاستفتاء.

اعتقد بارزاني أنّه سينجح في جذب الأتراك صوبه في حال مضى بالاستفتاء، وبالتالي في حال تراجعت تركيا عن دورها في مثلّث بغداد- طهران-أنقرة، سيشكّل الضلع الشمالي لهذا المثلّث ممراً آمناً لبارزاني الذي وضع كل بيضه في سلّة أردوغان، إلّا أنّ إيران وخلال أشهر قليلة فقط نجحت في هدم سنوات العلاقة بين بارزاني وأردوغان.

وعلى الرغم من إعلان البارزاني مخالفته حزب العمال الكردستاني الموجود على الحدود التركيّة العراقيّة، إلا أنّ الأمر في الواقع كان مختلفاً تماماً، لكنّ الضربة الكبرى التي تعرّض لها بارزاني هي نشر إيران وثائق تعاونه مع حزب العمال الكردستاني، مثل قضية الشاحنات النفطيّة، حيث تم تسليمها لأردوغان لتأتي الرسالة من أنقرة إلى طهران عبر وزير الدفاع: هل أنتم معنا إلى آخر الطريق؟ فتأتي الإجابة: نحن لا نمزح مع أحد في الدفاع عن مصالحنا الوطنيّة.

لقد نجحت طهران من خلال الأحداث السابقة في ترتيب الأوراق السياسيّة، والعسكريّة لاحقاً من خلال التعاون بين رؤساء الأركان في الدول الثلاث، الأمر الذي مهّد إلى ما حصل في كركوك، فضلاً عن الدور الذي لعبه اللواء قاسم سليماني في السليمانيّة إذ نجح في هندسة إخراج قوات البيشمركة بأقل الخسائر الممكنة.

تداعيات

وتحمل العملية العسكرية جملة من التأثيرات والتداعيات على المشهد العراقي عموماً، والكردي على وجه الخصوص، أبرزها أنّه وفي حين تشكل استعادة كركوك عائقاً أمام الثروة المفرطة لعائلة بارزاني كونها تضمّ 330 بئراً منتجة بمعدّل إنتاج 35 ألف برميل يومياً للبئر الواحدة، واحتياط عام يقدّر بـ13 مليار برميل تشكّل 12 بالمئة من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي، أعادت المعركة توزيع القوات الكردية إلى مرحلة ما قبل 2014 حيث استغّل حينها الأكراد البيشمركة وحزب العمّال الكردستاني، الأوضاع للسطوة على مناطق استراتيجية للأكراد من الناحيتين الديموغرافيّة والاقتصادية.

كما قصمت المعركة ظهر البيت الكردي، المنقسم أساساً، كونها عزّزت الشرخ القائم بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، بل بين الأول وأغلب الأحزاب الكردية المستاءة من سطوة وهيمنة بارزاني وإن وافقته في الاستفتاء.

فشل

ويرى الأكراد أنّه ولولا خطوة بارزاني الانفصالية لظلّت كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها في قبضة البشمركة، ما يعني فشله في تكريس نفسه كمحقّق للحلم الكردي.

ويتساءل مراقبون: لماذا لم تقاتل قوات بارزاني وقرّرت الانسحاب بعد اتهامه بيشمركة الاتحاد الوطني بالخيانة؟ مشيرين إلى أنّ عملية كركوك أفقدت قوّات البيشمركة التي يتوكأ عليها البارزاني هيبتها.

ويلفت المراقبون إلى أنّ النتائج لا تقتصر على الشقّ الكردي، بل إن العملية النوعية تشكل رادعاً قوياً أمام أي تحركات انفصالية في ظل معادل الجيش والحشد والشرطة، ستخفت الأصوات الانفصالية التي تنادي بالاستقلال عن السيادة العراقيّة، بالتزامن مع عودة الكثير من المناطق التي سيطر عليها الأكراد كسنجار التي دخلتها القوّات العراقيّة دون مقاومة، وبالتالي لن تكتفي الحكومة العراقيّة بكركوك.

سقوط

ويمضي المراقبون إلى القول إنّ الدولة العراقية تنجح مرة أخرى في الحفاظ على وحدة العراق وإفشال مشروع التقسيم، مشيرين إلى أنّ ذلك إنجاز لا يقل أهمية عن استعادة الرمادي والموصل والحويجة وغيرها من تنظيم داعش، الأمر الذي سيعزّز القواعد والأسس الداخلية للحكومة العراقية، في حين أنّه سيمنحها هيبة واقتداراً إقليمياً ودولياً افتقدته بغداد منذ عشرات السنين، بینما سقط حجر الزاوية في مشروع انفصال كردستان وسقط معه بارزاني.

Email