«تنظيم الحمدين».. استخدام قذر لأموال القطريـين لصناعة النفوذ وسط النخب الفرنسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغبة قطر في القيام بدور إقليمي أكبر وأوسع من إمكاناتها دفعتها إلى انتهاج أساليب قذرة وملتوية للوصول إلى هذه الغاية فاستخدم «تنظيم الحمدين» جميع الأسلحة القذرة للتغلغل في العواصم الغربية وخلق نفوذ له وسط قادة الاتحاد الأوروبي وبعض السياسيين المؤثرين هناك ويكشف كتاب «فرنسا تحت التأثير: عندما تتخذ قطر من بلدنا ميداناً للعب»، كيف بنى تنظيم الحمدين شبكة من العلاقات داخل العاصمة الفرنسية باريس إذ نادراً ما يوجد مجال في فرنسا لم تمتد إليه يد الحمدين، فالمال القطري اخترق أغلب المجالات كالصناعة والتجارة ووسائط الإعلام والثقافة والرياضة والعقارات الراقية والفنادق المرموقة القائمة.

وبوقائع تعد في عرفنا العربي فضائح كفيلة بزج مرتكبها في مزبلة التاريخ إن هو فعلها يكشف كتاب «فرنسا تحت التأثير: عندما تتخذ قطر من بلدنا ميداناً للعب» للصحافيين الاستقصائيين والباحثين فانيسا راتينييه وبيير بيان، الغطاء عن الكثير من الحقائق التي تصل إلى مرتبة الفضائح، عما قام به قادة «تنظيم الحمدين» للوصول إلى التأثير على القرار الفرنسي، ولا يعفي الكتاب النخبة السياسية الفرنسية من تهمة الوقوع في شبكة قطر عن وعي إذ يقول الكاتبان إن الأشعة السينية المثيرة لعمل قطر في فرنسا، هي الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي اختار أن يحقق إرادة الحمدين بطريقة لا تخلو من شبهات كثيرة، وخير مثال على ذلك، إلغاؤه المعاهدة الضريبية بين البلدين، حيث أعفيت قطر من الضرائب على المكاسب العقارية خلال فترة الخمس سنوات، واستمرت علاقة ساركوزي وحمد بن خليفة آل ثاني والتي وصلت إلى حد الاتفاق بينهما على تخريب المنطقة العربية من خلال بث الفوضى عبر ما سمي بالربيع العربي، ولا يفصل المؤلفان هذه الحادثة عما وصفاه بمحور قطر - فرنسا ولانحراف النخبة: «النظام القطري ليس مستنيراً، ولكنه يوفر دعوات متعددة، وجوائز مختلفة، وحفلات الاستقبال، ومظاهر الزينة، في عام 2010 وحده، استفادت 66 شخصية فرنسية من ذلك.

ليس فقط من السياسيين، ولكن هناك أيضاً المؤرخ، والشاعر، والممثل الكوميدي، ورئيس التحرير، والكاتب الصحفي، ناهيك عن منتدى الدوحة الشهير حيث يدعو نظام الدوحة برلمانيي فرنسا لمناقشة الديمقراطية، وفي عام 2013، تشكل الوفد الفرنسي من 83 عضواً، منهم 21 نائباً من جميع الاتجاهات، لحضور منتدى في بلد يعامل فيه العمال المهاجرون كعبيد ويموتون في مواقع بناء الأبراج والملاعب المستقبلية».

دعوات مشبوهة

هنا، يكشف الكتاب أن كبار المسؤولين وقادة الرأي العام الفرنسيين كانوا يتزاحمون سنوياً للمشاركة في «منتدى الدوحة» لمناقشة الديمقراطية، وأن قائمة المسؤولين الذين كانوا يحرصون على حضور هذا المنتدى تطول ووجهت الإمارة دعوة لـ50 عضواً من البرلمان الفرنسي للمشاركة في دورة عام 2013 مثلاً وما جعل الكثيرين يتساءلون عن أخلاقيات هذا النهج، وما الغرض من تلبية مثل هذه الدعوات، وفي مقدمة المتسائلين، يقف النائب الاشتراكي فرانسوا لونكلي، عضو لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية (البرلمان)، والذي يؤكد أن المسألة ليست بريئة ويسأل: ما الغرض من دعوة 50 برلمانياً فرنسياً لحضور مثل هذا المنتدى للتحدث عن ديمقراطية وهمية في ظل نظام يضطهد شعبه ويدعم الإرهاب! في حين أن الدور الرئيسي للبرلمانيين يتمثل في كتابة وصياغة قوانين الجمهورية الفرنسية، الأمر ليس ساذجاً، وفق تعبيره، بينما يسأل المؤلفان: ما النية الكامنة وراء هذه الدعوة؟ مشيرين إلى أنه بناء على تقصيهما للحقائق وجدا أن الوفود المشاركة في مثل هذه الفعاليات عادة ما يتراوح عدد أعضائها من 6 إلى 8 أفراد.

ويضيفان أن الأمر أصبح مثيراً للجدل بالإضافة إلى أن قادة من جميع أنحاء العالم يجتمعون سنوياً في «منتدى الدوحة» للاحتفاء بالديمقراطية في حين يتم التعتيم على معاناة العمال المهاجرين والذين يشكلون ما يقرب من 94 في المائة من القوى العاملة في البلاد، ويعاملون معاملة بالغة السوء في بلاد يخلقون بسواعدهم ثروتها الوطنية. وبالطبع لا يجرؤ أي من القادة المشاركين في المنتدى على التطرق لأزمة العمال أو أنهم يعملون في ظروف صحية غير مناسبة وأن الكثير منهم يموت يومياً في مواقع البناء، يأتي هذا التجاهل والعمال يعملون على بعد أمتار قليلة من مدخل الفندق الكبير الذي يستضيف ضيوف منتدى الدوحة وغيره من المناسبات الفاخرة التي تدعو لها الإمارة.

البحث عن دور

يشير الكتاب إلى أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني سعى لتوطيد العلاقات بين بلاده وفرنسا لدى وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لسدة الحكم في عام 2007 وذلك بهدف الحصول على مساعدة باريس في خططه لإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط، وكان حمد آل ثاني أول مسؤول عربي استقبله الإليزيه في مايو 2007، فور وصول ساركوزي للسلطة.

شهوة النفوذ

ويشير المؤلفان إلى أن رغبة قطر في القيام بدور إقليمي أكبر وأوسع تزايدت بصورة كبيرة في العام 2011 عندما خططت بعض القوى الدولية مع قطر لإضرام النيران في المنطقة العربية والشرق الأوسط تحت ذريعة القضاء على الدكتاتورية وهنا يؤكد الكتاب أن قطر هي أول من يستحق هذه الثورة والإطاحة بنظامها لما عرف به من فساد مستشر ورفاهية مطلقة تنعم بها الطبقة الحاكمة دون الشعب. وأوضح الكتاب أن قطر التي تجاوزت دورها بالتدخل في هذه الثورات كانت الأكثر استفادة من الأموال التي نهبت خلال الثورات عندما فتحت أبوابها للهاربين بأموال سرقوها من شعوبهم.

وحول طبيعة العلاقة بين فرنسا وقطر يؤكد الكتاب أن فرنسا لا تريد من قطر، سوى الأموال والغاز وضمان التواجد الفرنسي في الخليج، كما يقلل المؤلفان من شأن قطر بالقول إنها دولة مثلها مثل أي حليف آخر، وإن حقبة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لم تكن وحدها المسؤولة عن بداية علاقات المصالح بين البلدين، إذ إن الثمار الأولى عبر تاريخنا تحتوي على بذور الانحراف، فهناك اتفاقات تعاون بين البلدين، في حقب سابقة إلا أنه في ما يتعلق بفترة رئاسة نيكولا ساركوزي، وصلت الفوضى والتجاوزات والفساد إلى حدود قصوى، وهو ما شعر به المواطن الفرنسي الذي كان يرى ويسمع كل يوم حزمة من الأزمات وقضايا تضارب المصالح واستغلال السلطة من قبل حكومته.

Email