الإرهاب القطري يمتد إلى تشاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بمساحتها الشاسعة وموقعها الجغرافي المهم، تعتبر تشاد دولة محورية في منطقة بلدان الساحل والصحراء الإفريقية، يقطنها عشرة ملايين نسمة وتمتد على مساحة تتجاوز المليون وربع المليون كيلومتر مربع وتحيط بها ست دول هي السودان وليبيا والنيجر والكاميرون ونيجيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى، وكلها تعاني من مشكلات أمنية تتفاوت خطورتها من بلد إلى آخر.

وفي هذا الوسط الأمني المضطرب وجدت حكومة الرئيس إدريس ديبي نفسها مجبرة على اتخاذ سلسلة من الخطوات لحماية أمنها القومي كان آخرها قطع العلاقة مع قطر التي رأت تشاد على لسان وزير خارجيتها إبراهيم حسين طه أنها تقوم بأعمال عدائية تهدد أمن واستقرار بلاده. وهنا يمكن للمرء أن يسأل:

ما هي هذه الأعمال العدائية التي دفعت دولة مثل تشاد إلى التضحية بعلاقاتها مع بلد يفترض أن تستفيد منه اقتصادياً؟ ‎لعل الجواب عن هذا السؤال يتطلب البحث الدقيق في السلوك القطري تجاه تشاد، وهو سلوك قد لا يخرج بطبيعة الحال عما عرفت به قطر منذ سنوات من رعونة وتهوّر في علاقتها مع أصدقائها وأشقائها المقربين.

فما بالك بمن لا تربطها بهم الكثير من الروابط عدا تلك التي يفرضها القانون الدولي والأعراف الدولية أو علاقات الود والاحترام التي تحكم تصرفات الأمم والشعوب تجاه بعضها البعض. ويبدو أن قطر ضربت عرض الحائط بكل تلك المبادئ في تعاملها مع القريبين والبعيدين عنها على حد سواء، وهذا ما قد نكتشفه ونحن نقتفي أثر سلوكها تجاه دولة تشاد.

‎قطر والمرتزقة

كما هو الحال في العديد من البلدان الإفريقية تعاني تشاد من ظهور جماعات تمرّد مسلّحة تقوم من حين لآخر بهجمات ضد الحكومة المركزية لإسقاطها والاستيلاء على الحكم، وقد وجدت قطر في الحالة التشادية مرتعاً خصباً لتمرير سياستها الرعناء الداعمة لكل تطرف وتمرّد وإرهاب.

حيث قامت بربط صلات وثيقة مع المعارضة التشادية بعد اتفاقية السلام التي وقعت بين بعض فصائل المعارضة وحكومة إدريس ديبي في العام 2009 برعاية السودان. ولأن قطر على ما يبدو لم يعجبها مسار السلام الذي بدأ يتحقق تدريجياً في تشاد، دسّت أنفها مجدداً في مشاكل هذا البلد الإفريقي الداخلية وبدأت تحرّك العناصر المتمردة التي يبدو أنها كانت تمدهم بالمال والسلاح خفية.

وقد برز ذلك جلياً في طلب قطر من السودان تسليمها قادة الميليشيات التشادية المتمردة الذين رفضوا اتفاق السلام وتم اعتقالهم وكانوا على وشك أن يسلموا لتشاد، ومن أبرزهم: تيمان أدرمي، وأدمو حسب الله، ومحمد نوري، وبضغط من قطر تم ترحيلهم إليها حيث وفّرت لهم إقامة مريحة في أحد فنادقها وسمحت لهم بإطلاق التصريحات السياسية المعادية لحكومة الرئيس ديبي. ‎

ثم جاء إعلان المعارضة التشادية في العام 2010 ليحسم حقيقة الدور القطري في الحرب الأهلية التشادية وذلك حين أعلنت المعارضة التشادية أنها تشترط حضور قطر كضامن سلام في الاتفاق مع الحكومة المركزية، وهو ما صرح به المفتش العام للمعارضة التشادية محمد شريف جاكو آنذاك حين أكد أن «المعارضة التشادية طلبت ضمانات دولية وإقليمية من أجل تحقيق سلام في الدولة التشادية، ومن بين تلك الضمانات حضور دولة قطر كضامن لعملية السلام».

‎ولما لم تتمكن قطر من تحقيق طموحاتها في تشاد طلبت من الفصيل المعارض الذي ترعاه والمعروف بـ«اتحاد قوى المقاومة»، التهديد باستئناف التمرّد المسلّح ضد الحكومة، حيث صرح تيمان ارديمي المقيم في الدوحة في 22 مارس 2013 قائلاً: قررنا استئناف النضال، النضال المسلّح بالتأكيد.

وقد أثارت تصريحات ارديمي استغراب المتابعين للشأن الأمني، حيث كان لافتاً أن تسمح دولة لقائد فصيل مسلّح متمرّد بإعلان الحرب ضد النظام القائم في بلاده انطلاقاً من أراضيها (قطر). ولكن هذا ما فعلته قطر بالفعل وشكل ضربة قوية هزت العلاقات بين البلدين ووضعتها على حافة الانهيار. ‎

سقوط القذافي

جاء سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في 2011 ليصب المزيد من الزيت على نار العلاقات الملتهبة أصلاً بين تشاد وقطر، فالفراغ الكبير الذي أحدثه انهيار النظام الليبي على حدود تشاد الشمالية خلق بيئة ملائمة لقطر لتصنيع وإنتاج الإرهاب والإرهابيين.

حيث ترعرعت في أكنافها وتحت رعايتها جماعات داعش والقاعدة وأنصار الشريعة وسرايا الدفاع عن بنغازي وميليشيات مصراتة الإخوانية، وكانت تُغدق على الجميع بالمال والسلاح وتنسق بينهم وبين العناصر الإرهابية والمتمرّدة المنتشرة في دول الجوار الإقليمي لليبيا.

وعلى رأسها دولة تشاد التي بدأت تعاني من هجمات متتالية في خاصرتها الرخوة الشمالية حيث جبال تيبستي على الحدود مع ليبيا والتي طالما كانت مرتعاً للمتمردين على الحكومة المركزية في أنجامينا نظراً لتضاريسها الوعرة. ‎

وكردة فعل على ما تعرضت له تشاد من تهديدات مصدرها الأراضي الليبية وجه الرئيس إدريس ديبي في 2013 اتهامات مباشرة إلى الحكومة الليبية الضعيفة في طرابلس الخاضعة آنذاك للوصاية القطرية، متهماً إياها بفتح معسكرات لإيواء وتدريب المعارضين التشاديين.

وطالبها باتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف نشاطهم. لكن المعطيات المتوافرة حينها كانت تشير إلى أن قطر أمرت الميليشيات الليبية المتطرفة بتكثيف تنسيقها مع المعارضة التشادية والاستعانة بها ضد قوات الجيش الليبي تحت قيادة اللواء خليفة حفتر.

وكانت قطر تهدف من ذلك إلى تحقيق أهداف عدة، الأول: تقوية جماعات الإرهاب التي تدعمها وتمولها في ليبيا بعد أن بدأت تتقهقر تحت ضربات الجيش الليبي، الهدف الثاني هو استقطاب المزيد من العناصر التشادية إلى صفوف الإرهابيين وإقناعها بالفكر المتطرف لتتحول إلى آلات قتل جاهزة يمكن استخدامها في أي مكان من العالم وليس ضد الحكومة التشادية فحسب.

أما الهدف الثالث فيتمثل في حصول العناصر التشادية المتمردة على المزيد من التدريب على خوض المعارك لتكون قادرة على الانقضاض في أية لحظة للسيطرة على الحكم في تشاد. ‎

ويعد التهديد الإرهابي القطري القادم من ليبيا أحد أبرز العوامل التي دفعت تشاد لقطع علاقاتها مع قطر بحسب ما أدلى به وزير خارجيتها إبراهيم حسين طه عقب قرار قطع العلاقات حيث أوضح أن قطر لها علاقات خفية وغير خفية مع جماعات في ليبيا تنفذ أعمالاً عدائية في تشاد.

مشيراً إلى أن «الهجوم الأخير الذي وقع على حدودنا مع ليبيا جاء بالتأكيد من هذه الجماعات، وأن وقوف قطر معها ودعمها يزعزع استقرار المنطقة»، مؤكداً أن هناك «مساعدات من ليبيا تأتي للجماعات في تشاد وبوكو حرام في نيجيريا وفي منطقة الساحل الإفريقي».

أخيراً يمكن القول إن قرار الحكومة التشادية القاضي بقطع علاقتها مع قطر لم يصدر من فراغ وإنما جاء على خلفية سلسلة طويلة من التصرفات العدائية من طرف النظام القطري الذي لم يراع أبسط الأسس التي تبنى عليها العلاقات الودية بين الدول.

اعترافات

بث التلفزيون الحكومي التشادي، في أبريل الماضي، اعترافات أفراد مجموعة مسلّحة تشادية يقودها محمد حامد ويوسف كلوتو اللذان أكدا في اعترافاتهما أن جماعتهما شاركت في هجوم «سرايا الدفاع عن بنغازي» المدعومة من قطر على منطقة الهلال النفطي الليبي في مارس الماضي. كما أن مجلس النواب الليبي في طبرق وجه الاتهام ذاته لقوات المعارضة التشادية بالمشاركة في الهجوم إلى جانب «ميليشيات تابعة لتنظيم القاعدة فارة من مدينة بنغازي».

Email