سقطت ورقة التوت.. وظهر الراشي الحقيقي

محمد بن حمد «رأس حربة» فساد مونديال 2022

■ محمد بن حمد مع بلاتر | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«دوريان غراي» عجوز صار يتمتع بشباب دائم، بفضل وصفة سحرية، تلك الوصفة التي جعلت منه يرتكب كل الموبقات ولا يشيخ ولا يموت، بينما صورته التي رسمها له الساحر تشيخ عنه وتظهر فيها حقيقته بتجاعيد الزمن ونتائج أفعاله بينما يظل هو شاباً لا يموت، والحل الوحيد للخلاص من دوريان غراي، ليسير في ركب الزمن، هو أن يرى صورته الحقيقية.. تلك كانت رائعة الكاتب البريطاني أوسكار وايلد، والتي تحمل بعداً فلسفياً، وواقعياً في الوقت ذاته، عن المتستر برداء البراءة ويفعل كل الأفعال المشينة.. وتقتله رؤية حقيقته.. وهذا هو الواقع والحقيقة القطرية في ملف كأس العالم المخفية خلف ألف ستار صنعه سحرة الإعلام.. ودور الصحافة النزيهة هو أن ترى قطر صورتها الحقيقية!

وفي ظل سيل من الأكاذيب ولوي الحقائق والسيطرة على الإعلام بشراء الذمم والنفوس، فقد تتوه الكثير من الحقائق، ولا يرى الناظرون التسلسل المنطقي للأمور بوضوح، رغم أن الصورة جلية لا ريب فيها، وتسلسل الأحداث يقود إلى كشف الحقيقة، والحقيقة أن محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي السابق وعضو تنفيذي «فيفا» المستبعد مدى الحياة من الحياة الكروية بسبب الفساد والرشى، لم يكن إلا مجرد «Sub Dealer» أو تاجر فرعي للفساد، وعروس «ماريونيت» بحبال، كان يحركها ويستخدمها، على مسرح الأحداث التاجر الأساسي، محمد بن حمد آل ثاني الابن السادس لحمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق والأخ الشقيق لتميم بن حمد آل ثاني أمير قطر الحالي، حيث كان محمد هو اللاعب الأساسي و رأس الحربة لملف الفساد القطري، ومهندس ملف استضافة الدوحة للمونديال المليء بالثغرات والفضائح.

مصدر الأموال

وفي تقرير مايكل غارسيا المحقق في قضية رشى مونديال قطر 2022، يقول إن بداية تسونامي الفساد القطري كان بمكالمة هاتفية لجيروم فالكه أمين عام الاتحاد الدولي لكرة القدم السابق والذي قال فيه نصاً: «قطر اشترت المونديال»، في اعتراف صريح بأن استضافة كأس العالم كان مجرد سلعة اشترتها الأموال القطرية، وهو الأمر الذي فتح التحقيقات حول جريمة شراء النفوس، والتحويلات المالية لأعضاء «كونغرس» الاتحاد الدولي لكرة القدم، بل وفساد مالي للسويسري سيب بلاتر رئيس «فيفا» المعزول لضلوعه في قضايا الفساد والرشى.

وبالتحقيق أثبت على فالكه تلقي حسابه البنكي 450 ألف دولار قبل أيام من التصويت على استضافة قطر للمونديال، تلاها تحويل آخر بقيمة مليون ومئتي ألف دولار أميركي في 2011، الأمر الذي أدى إلى تجميد محمد بن همام ثم عزله ومنعه من تولي أي مناصب كروية مدى الحياة لثبوت جرم الرشى عليه، ليرد بن همام عن طريق محاميه «السيد بن همام لم يكن هو مصدر الأموال».

مهندس فاسد

ومر التعليق مرور الكرام رغم أن الصحافة القطرية تناولت وتتناول دائماً محمد بن حمد آل ثاني بأنه مهندس الملف القطري لاستضافة كأس العالم، ولم ينتبه أحد للجملة التي صدرت عن محاميي بن همام بأنه ليس مصدر الأموال.. فمن إذا مصدرها؟!

بن همام سارع بالتواري عن الأنظار بمجرد افتضاح أمره، وقام بتقديم استقالته قبل شهور قليلة من إعلان عقوبته رسمياً في نوفمبر 2012، ولم يعترض على القرار، ولم تدافع عنه قطر بأي شكل من الأشكال، وإن كان قد صرح قبل اختفائه تصريحاً قد يبدو عادياً في ظاهره، لكنه يحمل الكثير في طياته، عندما قال: «الأيام ستثبت براءتي»، قبل أن يختفي تماماً من الساحة الكروية والإعلامية.

المجرم الحقيقي

وفي أي تحقيق في جرائم دائماً يكون الصيد السهل والمجرم الواضح ما هو إلا ستار لإخفاء المجرم الحقيقي، والأخير يلجأ لأضحية يلقي بها إلى التهلكة لإنقاذ رقبته، ولكن المحقق البارع هو من يصبر على تحقيقه ولا يهلل لأول متورط يجده في طريقه لإلباسه القضية، ويظل يبحث بتعمق في تحقيقه للوصول إلى المجرم الحقيقي لاقتلاع الشر من جذوره.

وهذا لم يحدث في قطر، فقد توارى محمد بن حمد آل ثاني عن الأنظار في تلك الفترة وتصدر جرم محمد بن همام المشهد، ليكون هو الأضحية رغم كونه مجرد «Sub Dealer»، وفي 2013 عاد بن حمد للأضواء بعد التأكد من جفاف دماء بن همام، ليبدأ رحلة فساد جديدة مع السويسري سيب بلاتر، بعد أن علت الأصوات المنددة والشاجبة لاستضافة قطر المونديال في صيف 2022 في درجة حرارة تتجاوز الـ50 درجة مئوية، واستطاع الأخ الشقيق لتميم أمير قطر أن يواصل الدعس على كرامة الاتحاد الدولي لكرة القدم، بعد أن وافق له بلاتر على تغيير موعد استضافة قطر للمونديال لتقام في الشتاء بدلاً من الصيف في سابقة هي الأولى في التاريخ الكروي، الأمر الذي أدى لعاصفة شجب وإدانة من أغلب دول العالم.

عناد بلاتر

ولكن بلاتر بإمبراطورية فساده واصل عناده، في آخر أيام حكمه للاتحاد الدولي، وأصر على استصدار قرار النقل بعد اجتماع له مع محمد بن حمد الذي ظهر في الواجهة رغم كونه كان يعمل من خلف ستار أيام بن همام، ولكن التضحية بورقة التوت تطلبت الظهور على ساحة الأحداث، وهاجت الصحف الأوروبية على بلاتر وإمبراطوريته لتعارض أمر نقل المونديال إلى الشتاء مع المصالح الأوروبية وبصفة خاصة الدوري الإنجليزي، لتنشر صنداي تايمز الإنجليزية تقريراً عن فساد فيفا، وينبري محمد بن حمد آل ثاني ويستصدر تصريحاً من بلاتر ينشره عبر حسابه على تويتر يقول فيه إن «فيفا» لم يحصل على أصول المستندات التي اتهمت فيها «صنداي تايمز» فيفا وقطر بالتآمر والفساد، ويقول بلاتر في التصريح: «تنظيم كأس العالم في قطر لن يمسسه أحد».

بعدها سكتت الصحف الإنجليزية، والكثير من الصحف العالم، ولم تظهر المستندات التي قالت إنها تملكها، ولم يتم الإعلان عن تفاصيل الرشى، حتى بعد فضح أمر بلاتر، خرج الجميع يطعن في الاتحاد الدولي بالرشوة، والراشي والمرتشي في نار واحدة، ولكن لا أحد ذكر أمر الراشي، على الرغم من أن السكاكين انهالت على المرتشي، والأصل أن الاثنين لابد أن يكونا سواسية في العقاب.

ورطة سياسية

وبعد أن قررت المحكمة الرياضية إيقاف بلاتر 8 سنوات ومعه بلاتيني في قضية الفساد والتحويلات المالية المشبوهة بينهما، خرج بلاتر عن صمته فقال تصريحاً يتماشى مع تتابع الأحداث فقال في 2016: «أنا لم أقتل أحداً.. استضافة قطر لمونديال 2022، قرار تدخلت فيه السياسة.. تحدثت مع بلاتيني هاتفياً، وقال لي إن ساركوزي طلب منه التصويت لقطر»، وذلك في إشارة واضحة لتدخل سياسي أثر على قرار الاستضافة، وليس قرار كروي، لمنظومة دولية تمنع منعاً باتاً التدخل الحكومي في الشؤون الكروية.

وبقدر ما كان بلاتر يدافع عن نفسه وينفي تهمة تلقي الأموال، إلا أنه ورط قطر أكثر بتصريحه، كما ورط العديد من الدول التي زارها محمد بن حمد آل ثاني ووالده قبل أيام من قرار استضافة كأس العالم، ومن تلك الدول ما ثبت على رؤساء اتحاداتها الكروية تلقي رشى للتصويت للإمارة القطرية.

Email