«قطر.. الملـف الأسود»

مونديال المـوت ليل بلا نهار

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تنهار السدود الخاوية.. تنهمر الفضائح في أمواج عاتية.. ويفشل عندئذ أصحاب الأوهام في ترميم ما بقي من أنقاض مصيرها حتماً في الهاوية.

هكذا هو حال مونديال قطر 2022.. تكشفت عنه الحقائق فبدا منه العذاب الذي كان في باطنه، وغابت عنه رحمة طالما حاولوا أن تكون في ظاهره.

سقطت الأقنعة، فظهر الوجه القبيح على حقيقته، دميماً كئيباً، لا يعرف الشفقة بعمال آتوه من كل فج عميق، يبتغون عملاً وأملاً، فإذا به يحولهم إلى عبيد يعملون في منشآت «مونديال» كان وما زال تحوم حوله الشبهات من رشى واتفاقات آثمة.

في ثاني حلقات البرنامج الوثائقي (قطر.. الملف الأسود) الذي بثته القنوات الرياضية بالدولة مساء أول من أمس، استكمل الإعلامي يعقوب السعدي ما بدأه من وقائع عن رحلة الموت للعمال البسطاء ممن يتم استخدامهم سخرة في التجهيز لمونديال 2022، وقد تناول شهادات لمسؤولين في منظمات حقوقية وعمالية أكدوا خلالها انتهاك حقوق العمالة ووضعهم فيما يشبه السجن الكبير بعد حرمانهم من جوازات سفرهم، والعمل تحت أشعة الشمس الحارقة على مدار الساعة مما كشف عن مقبرة جماعية.

التقرير تطرق إلى العديد من الحقائق، حيث بدأ بسؤال هو: كيف لحلم جميل مثل كأس العالم، أن يمضي فوق جثث القتلى، وآهات المطحونين.. كيف لجمهور الكرة وسيدها الأول أن يصبح عبداً بهذه الصورة، أن يدفع حياته ثمناً لمدرج من المفترض أنه وحده من يهتف عليه، كيف لمتفرج بدلاً من أن يجلس في الملعب، يدفع الثمن حياته من أجل تشييده، كيف لمن يصنعون الحياة، أن يكون جزاؤهم الموت؟

تلك قصة ما كان لها أن تروى، في أية دولة تمتلك الحد الأدنى من الإنسانية، لكن قطر عدوة الإنسانية لم تجد سبيلاً لاسترداد الرشاوى التي دفعتها من أجل بطولتها الزائفة، سوى القتل، أن تسلب عمال كأس العالم حقوقهم، ولا مانع من أن تسلبهم حياتهم أيضاً.

ظل العمال الأجانب في قطر الذين يشكلون الغالبية العظمى من قاطنيها يعانون من التمييز والإيذاء، حتى قبل أن تسرق قطر حق تنظيم كأس العالم.. قانون «الكفالة» سواء القديم أو الجديد يسهل الانتهاكات الجسيمة لحقوق العمال، وعلى الرغم من أن القانون الحادي والعشرين لعام ألفين وخمسة عشر، والذي بدأ سريانه في الثالث عشر من ديسمبر ألفين وستة عشر حل محل قانون «الكفالة» لعام ألفين وتسعة، وألغى النص الذي يحظر على العامل الذي غادر قطر العودة إليها إلا بعد انقضاء عامين، إلا أنه حتى القانون الجديد لم ينصف الإنسانية، فقد أبقى على كل الانتهاكات، بما في ذلك العمل القسري، إذ لا زال يتعين على العامل الأجنبي الحصول على تصريح خروج من صاحب العمل، ليس مباحاً لمن دخل قطر أن يخرج منها، فالداخل مفقود والخارج مولود.

1.6 مليون عامل

أكثر من مليون وستمئة ألف عامل رصدهم تقرير في مارس من العام ألفين وستة عشر، لم يعرف أحد على وجه التحديد كيف يقضون أيامهم هناك، أم أنها أيامهم الأخيرة يتسلل الموت إليهم خلسة في ثكناتهم غير الآدمية، يحصد كل يوم ما تيسر له من أرواح فالقتل في قطر مباح.

مقبرة جماعية

في أبريل من العام الماضي،أعلنت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية أنها سوف تحقق في الانتهاكات المثارة، لكن الأمر ظل على حاله تحول عمال كأس العالم إلى عبيد، وبات حتى أمل خروجهم من قطر، أشبه بحلم بعيد.. ظهر ذلك عندما أكدت لجنة مشاريع بطولة كأس العالم وفاة عامل، لكن سرعان ما تكشف الأمر وبدا وكأنه اكتشاف لمقابر جماعية بالمئات توصلت إليها المنظمات الحقوقية.

عبودية

منظمات عالمية غير حكومية، وصفت ما يحدث للعمال الأجانب في قطر بـ «عبودية العصر الحديث»، وطالبت مع منظمة العفو الدولية بحض السلطات القطرية سراً وعلانيةً بوضع حد لهذا القهر وتطبيق إصلاحات حقيقية لحماية حقوق العمال، لوقف سلسال الدم الذي ينهار من أجل بطولة يبدو أن ليلها بلا نهار.

اعتراف بلاتر

بلاتر نفسه وعلى الرغم من أنه قبض الثمن كاملاً، لم يستطع الصمود أمام سيل التقارير الواردة من الدوحة، وأمام مطالبات العشرات من المنظمات فاضطر هو نفسه، وتحديداً في الحادي والعشرين من نوفمبر 2013 لإصدار بيان يصف فيه وضع العمال الأجانب الذين يعملون في بناء ملاعب مونديال عشرين.. اثنين وعشرين بغير المقبول، هذا ما قاله وقتها أكبر مسؤول وكأن كل ما مضى كان هو المقبول أو حتى المعقـول.

قصور

عامل نيبالي آخر، تمكن من الفرار من العبودية، يدعى «غانيشي» ويبلغ من العمر ستة عشر عاماً، لكنه فر إلى الحرية القصوى، عاد إلى بلاده في تابوت حاله حال كثيرين ماتوا جراء السخرة ونقص إجراءات السلامة، وربما جراء حرمانهم من الحصول على ماء للشرب، ومن عدم توافر الأكل بنسب كافية، وكان المرض الشائع بين العمال، هو القصور في عمل القلب.

معسكرات

يبدو الحصول على شهادات من العمال في هذا التوقيت أمراً صعباً إلى حد ما، فقطر بعد التقارير المتواترة عن الانتهاكات التي تحدث على أرضها باتت تضيق كثيراً على الغرباء أو من يحاولون التسلل إلى معسكرات العبيد العاملين في البنى التحتية لمنشآت كأس العالم أيضاً يدرك هؤلاء العمال أن مجرد الكلام قد يكون سبباً كافياً للموت لكن ما يتسرب من هناك لا يختلف كثيراً عما قاله العامل النيبالي، وعما كابده زميله «غانيشي» وغالباً كل الطرق في قطر تؤدي إلى الموت أو على أقل تقدير إلى العبودية.

هاربون

مصطلح العبودية.. أطلقته الجارديان البريطانية على تقريرها الذي نشرته في السابع والعشرين من سبتمبر عام ألفين وثلاثة عشر بعنوان «عبيد كأس العالم في قطر» الصحيفة التي رصدت حوالي ثلاثمئة ألف نيبالي يعملون في منشآت المونديال بحسب إحصاءات الحكومة في «كاتماندو» أكدت أن معظم هؤلاء هاربون من الأرياف في نيبال ومن الفقر، لكنهم لم يكونوا يعلمون أنهم يفرون من الفقر إلى الموت ومن الحاجة إلى العبودية.

معظم هؤلاء القادمين من نيبال تستخدمهم وكالات عمل مقيمة في نيبال تعمل بموجب تصاريح رسمية من الحكومة النيبالية، لكن يبدو أنها لا تعلم ما الذي يجري بعد أن ترسل أبناء بلدها إلى صحراء الموت في قطر، الحكومة النيبالية في هذا التوقيت المبكر وعبر المتحدث باسم وزارة العمل كشفت عن مخالفات كثيرة وكبيرة.

«سوهاس»

في التقرير أيضاً.. تحدث مدير مركز آسيا الوسطى بحقوق الإنسان «سوهاس تشاكما» والذي قال إنه من المؤسف ألا تقوم الحكومات التي أرسلت هؤلاء العمال بأي شيء من أجل احترام اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق العمال المهاجرين، «سوهاس» قال أيضاً: إن هذا الأمر لا يخص نيبال وحدها وإنما آلاف العمال من الهند وباكستان وسريلانكا وبنغلاديش، فيما يرى مدير مكتب آسيا في منظمة «هيومن رايتس ووتش».. «ميناكشي جانوجلي»، أن على هذه الدول أن تتوحد من أجل حماية أولادها.

وثائق

واستناداً إلى وثائق السفارة النيبالية في قطر ذكرت الجارديان في تقريرها «عبيد كأس العالم في قطر» أن النيباليين يشكلون نسبة أربعين في المئة من العمالة الوافدة إلى قطر وأنهم ضحية الاستغلال والتعسف التي تنتمي إلى العبودية الحديثة.

قهر

«إيدن ماكوايد» مدير المنظمة غير الحكومية لمناهضة العبودية الدولية قال لوكالة فرانس برس في ذات التوقيت، إن الوثائق تكشف ظروف العمل القاسية وتظهر العمل القهري وحسب وصفه: «ربما تظهر أكثر من ذلك» وإن السلطات القطرية لم تفعل شيئاً لإيقافه مؤكدٌ يقصد الموت.

طريق الجحيم

يزيد عدد العمال الأجانب على أعداد العاملين المحليين في قطر بنسبة من واحد إلى عشرين إذن النسبة كلها تقريباً في طريق الجحيم بحسب عشرات المنظمات والهيئات والوكالات الاستشارية من بين الوكالات الاستشارية «إمباكت» التي كشفت الكثير من الانتهاكات القطرية إثر قيام أحد العمال من بنغلاديش دعوى ضد الاتحاد الدولي لكرة القدم بسبب إخفاق فيفا في ممارسة نفوذه لضمان معاملة العاملين بشكل عادل العامل الذي يدعى نديم شريف العلم والبالغ من العمر واحد وعشرون عاماً طلب تعويضاً قدره أحد عشر ألفاً وخمسمائة دولار عن عقد عمل دفع أربعة آلاف دولار للحصول عليه من شركة توظيف، وحسب تأكيدات «نديم» في دعواه، فقد أخذوا منه جواز سفره فور وصوله إلى قطر وأجبر على العمل ثماني عشرة ساعة يومياً تحت ظروف قاسية، وفي مستندات الدعوى التي قدمها «نديم» إلى المحكمة التجارية في زيوريخ، فقد كان يقوم بتفريغ سفن تحمل مواد بناء، وكان يدفع أجر الوجبات التي يتناولها في مجمع العاملين الذي يقيم فيه، وبعد ترحيله لم يكن حتى قد تحصل على ما دفع للوكالة التي ألقت به إلى الجحيم.

تعهدات

«ليزبيث زجفيلد» المحامية لدى اتحاد نقابات العمال الهولندية وقفت موقف العداء من القهر الذي يحدث في قطر وحسب تصريحاتها لوكالة رويترز، فإنها لا ترى شيئاً يمكن التعويل عليه في تعهدات الدوحة سوى أنها أيضاً تعهدت بالسماح لزوارها خلال كأس العالم باحتساء الجعة والمشروبات الكحولية وإن كانت أبدت دهشتها من أن يحدث ذلك في بلد من المفترض أنه إسلامي.

بلا راحة

وكالة إمباكت البريطانية للاستشارات نددت هي الأخرى بالظروف غير المحتملة واللا إنسانية التي يقاسيها عمال ورش بناء الملاعب في قطر كالعمل لثماني عشرة ساعة يومياً وعدم الحصول على أي يوم للراحة طيلة خمسة أشهر الوكالة المهتمة بأخلاقيات التجارة أجرت تحقيقاً بطلب من اللجنة المنظمة للمونديال شمل عشر شركات تنفذ عقوداً من الباطن في ورش الملاعب توصلت إلى أن نصف الشركات لا تمنح عمالها أي يوم للراحة وفي أكثر الحالات تطرفاً لم يحصل بعض العمال على أية راحة طيلة مئة وثمنية وأربعين يوماً الوكالة كغيرها بدت مصدومة مما يحدث بدت غير مصدقة أن العبودية عادت في القرن الحادي والعشرين.

وفيات

شركة أخرى في المجال القانوني اسمها «دي. إل. إيه. بايبر» القانونية العالمية رصدت بعد مراجعة رسمية لأحوال العاملين في الملاعب القطرية وقوع عشرات من حالات الوفاة بسبب ظروف العمل كان من بينها وفاة عامل بريطاني أثناء عمله في تشييد استاد رياضي الشركة كحال غيرها من الوكالات والمنظمات نددت بكل شيء لكن ترى أما من جديد غير التنديد.

Email