الدوحة عملت على تصدير معاركها إلى دول أخرى

مواجهة قطر وفق مبدأ «مركز الثقل»

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الحديث عن دعم قطر للعديد من التنظيمات الإرهابية أو رعايتها لجماعة «الإخوان المسلمين» سياسياً وإعلامياً ومالياً، لم يعد معطى يحتاج إلى دلائل وقرائن في ظل تواتر التقارير والإجماع الدولي، على ضلوع قطر في نشر الفوضى وتهريب السلاح والدعم المالي واللوجيستي والاستخباراتي للجماعة الإرهابية المتطرفة.

ويبدو أن قطر ورغم توقيعها مع دول المنطقة على اتفاقية الرياض 2013 واتفاقية الرياض التكميلية 2014، والتي تعهد من خلالها الجميع على مضاعفة الجهود لمواجهة الإرهاب و«عدم دعم الإخوان المسلمين أو أي من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول المجلس عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر».

إلا أن قطر تعاملت مع هذه الاتفاقيات والالتزامات بمنطق ميكيافيلي صرف من خلال اعتمادها على مبدأ كون «الاتفاقيات تبقى غير ملزمة للدول إلاّ إذا كانت تخدم مصالحها الحيوية وأهدافها الاستراتيجية» كما صرح بذلك نيقولا ميكيافيل في كتابه الشهير «الأمير».

الإطار النظري والمرجعي

إن الحديث عن الاستراتيجية الأمنية التي تتبناها كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين في مواجهة التوجهات السياسية والأمنية لإمارة قطر والتي، وبدون شك، لا يمكن النظر إليها كتوجهات بريئة حتى من طرف من ينظرون إليها بعيون باردة، إلا أنها، نظرياً على الأقل، لا تدخل في نطاق التخطيط الاستراتيجي لهذه الدول على اعتبار أن الاستراتيجية تتجاوز في تحليلاتها وقراءاتها الظرفية الآنية أو المستقبل القريب، وإنما تحاول (أي الاستراتيجية) أن ترسم خريطة الطريق المستقبلية وإمداد صانع القرار بالإطار المرجعي المشترك لصناعة وتقويم السياسات والاستراتيجيات المناسبة وإيصالها إلى أولئك المنوط بهم التنفيذ.

في هذا السياق، فإننا نتحدث عن إجراءات تدخل في إطار التخطيط أو التكتيك الأمني لمواجهة مخطط إمارة قطر، والذي يبدو أنه وصل إلى مستوى من الاستفزاز السياسي والأمني الذي لا يمكن السكوت عنه.

وهنا يجب أن نوضح بأن التخطيط الأمني يختلف في جوهره عن الاستراتيجية التي تسعى، أساساً، للتأثير في البيئة المستقبلية وصياغتها، بدلاً من الاكتفاء بردود الفعل عليها. كما أن الاستراتيجية ليست وسيلة لإدارة الأزمات، بل هي وإلى حد كبير نقيض إدارة الأزمات كما يعبر عن ذلك المنظر الاستراتيجي هاري يارغر في كتابه المرجعي «الاستراتيجية ومحترفو الأمن القومي».

تكتيكات التحرّك

لقد توفرت القناعة السياسية والأمنية عند كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين، على أن مواجهة إمارة قطر لا يمكن أن تتم عبر فتح جبهات جانبية ومتفرقة تسمح لقطر بالتحكم في اختيار أرض المعركة وأساليب المواجهة.

وهنا يمكن القول إن قطر نقلت المواجهة، أو على الأقل قامت بتشتيتها، من «مركز الثقل» حيث يجب أن تكون (بالمعنى الكلاوزفيتي للمصطلح) وهو قطر، إلى مناطق مختلفة وبؤر متنقلة كمصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن والبحرين.

وهو تكتيك معروف ومستمد من الأدبيات الإخوانية واستراتيجية التنظيمات الإرهابية في المواجهة مع الأنظمة العربية والإسلامية. هذه الاستراتيجية في المواجهة تعتمد أساساً على توسيع دائرة المواجهة وتشتيت قوى المستهدَف ومواجهته على مساحات جغرافية واسعة من أجل تجنب تركيز الضربات عليها.

هذا التكتيك الذي تعتمده قطر في محاولاتها اليائسة استنزاف وإنهاك الدول المركزية في المنطقة، عرف دعماً قوياً ومشبوهاً من طرف مجموعة من اللوبيات التي تنشط بالمنطقة وخصوصاً لوبي البترول وتجارة السلاح، بالإضافة إلى توافقه وتواطئه مع أجندة بعض الدول التي ترى في قطر إحدى المرتكزات الاستراتيجية للتمدد في المنطقة وخصوصا النظام الإيراني.

ومن خلال استقرائنا للبيئة الاستراتيجية في منطقة الخليج، وعلى ضوء المعطيات والقرائن المتوفرة، يمكن أن نقول إن الدول التي اختارت المواجهة على قاعدة أساسية «تجنب المناورة الاستراتيجية وحشد أقصى قدرة من القوة في النقطة الحاسمة لتدمير قوة الخصم الرئيسية.

ويبدو من خلال متابعتنا لمواقف الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر أنها تعي جيداً طبيعة أهدافها الاستراتيجية وغاياتها السياسية، كما أنها على اطلاع جيد على أجندة الأهداف المسطّرة من طرف قطر، بالإضافة إلى اطلاعها الكافي بمواقف الدول الأخرى المعنية بالصراع في المنطقة، وقامت بتقويم التعاطف السياسي لشعبها وللشعوب الأخرى في تفاعلها مع الإجراءات المتخذة ضد قطر.

مركز الثقل

إن القراءة الاستراتيجية التي قامت بها الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر اعتمدت على مجموعات من المعايير والمقاييس التي من شأنها أن تحيل على «مركز الثقل» كأساس ارتكاز لإمارة قطر والذي من شأن ضربه أن يفقدها توازنها الاستراتيجي ويجعلها تخضع للتوجه السياسي العام الذي يخدم المصالح الاستراتيجية لدول المنطقة، على اعتبار أن جميع أدوات ووسائل المواجهة يُفترض أن تخدم، بالضرورة، الهدف السياسي والذي يسمو حتى على الهدف الاستراتيجي.

إجمالاً يمكن القول إن الدول التي قطعت علاقاتها كُلية مع قطر، وخصوصاً الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اقتنعت أن مواجهة سياسة قطر لا يمكن أن تتم من خلال ضرب امتداداتها التنظيمية في العالمين العربي أو الإسلامي نظرا للعدد الكبير من التنظيمات المتطرفة التي تمولها قطر من أجل، إمّا أهداف تكتيكية محضة كجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية في سيناء وجماعة بوكو حرام في نيجيريا وغيرها، أو التي تراهن عليها استراتيجياً من أجل وضع يدها على العديد من الأنظمة العربية كجماعة الإخوان المسلمين.

لقد قررت الدول المحاربة للإرهاب تبني استراتيجية «ضرب مركز الثقل» من خلال إعلان المواجهة المباشرة مع قطر من أجل إجبارها على العودة إلى حاضنتها الشرعية والمتمثلة في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وفق الثوابت الاستراتيجية التي تحدد الأهداف السياسية للدول المكونة لهذه التنظيمات الإقليمية.

Email