تصاعد الديون يقرّب الدوحة من هاوية الإفلاس

اشتعال تكلفة الشحن يؤجّج التضخّم في قطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفاقمت حدة الخسائر في قطاعات الاقتصاد القطري نتيجة تواصل المقاطعة من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، حيث ارتفعت معدلات التضخم نتيجة للقفزة الحادة في تكلفة الشحن فيما واصلت أسعار الريال ترنحها في أسواق الصرف العالمية وسط توقعات بتهاوي معدلات النمو الاقتصادي خلال العام الحالي والعام المقبل.

كما تفاقمت خسائر قطاعات السياحة والضيافة بسبب توقف حركة السياحة الخليجية الوافدة إلى الدوحة لاسيما من السعودية والإمارات اللتين تستحوذان على نحو 80% من إجمالي السياحة الوافدة لقطر، كما تواصلت خسائر الأوراق المالية نتيجة حالة الذعر من جانب المستثمرين من العواقب الوخيمة المترتبة على إصرار الدوحة على سياساتها الداعمة للإرهاب والمخاوف من فرض الدول المقاطعة لمزيد من الإجراءات والعقوبات الاقتصادية ضد الدوحة.

وأكدت أحدث البيانات أن القيمة الإجمالية لديون الدوحة، قد ارتفعت إلى حد غير مسبوق، إذ لم يكن يتجاوز 12 مليار ريال في عام 2007؛ لكنه قفز بنهاية الشهر الماضي، 208 مليارات ما يجعل شبح الإفلاس قريباً منها.

وتبلغ ديون الحكومة القطرية وحدها 43 مليار دولار، فيما تجاوز إجمالي الدين العام الذي تراكم على الشركات العامة والشركات المساهمة والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والصندوق السيادي القطري أكثر من 165 مليار دولار وفقًا لبيانات مصرف قطر المركزي والمؤسسات المالية الدولية.

وتوقع المراقبون أن تبدأ قطر مجبرة بتسييل أصول صندوقها السيادي، والتي تقدر بنحو 300 مليار دولار من أجل الوفاء بالتزاماتها المالية، بغض النظر عن حجم الخسائر التي يمكن أن تتكبدها نتيجة لعملية تسييل الأصول وفقاً لتقارير صحافية.

التضخم السنوي

وزاد التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 0.8% في الشهر الماضي من 0.1% في مايو وزادت أسعار المستهلكين 0.7% على أساس شهري في يونيو الماضي.

وقطعت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر يوم الخامس من يونيو نتيجة قيامها بدعم وتمويل الإرهاب وزاد هذا من التكاليف بالنسبة لقطر التي اضطرت لإعادة ترتيب مسارات شحن جديدة عبر سلطنة عمان والكويت للكثير من الواردات لاسيما مع إغلاق المنفذ الحدودي البري الوحيد بين قطر والسعودية وكان هذا الإجراء الأكثر تأثيراً، حيث كانت تمر عبر المنفذ معظم واردات الدوحة من السلع الغذائية ومنتجات الألبان والخامات ومواد البناء، حيث تركز التأثير الأكبر على أسعار الغذاء والسلع الاستهلاكية.

وبحسب البيانات زادت تكلفة المشروبات والأغذية 2.4% على أساس سنوي و2.5% على أساس شهري في يونيو وكانت في اتجاه نزولي قبل ذلك حيث انخفضت 1.9% على أساس سنوي في مايو.

وفي تقرير بشأن قطر ذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمس أن 70 عاملاً أجنبياً أجرت معهم مقابلات في أنحاء الدوحة قد شكوا جميعاً من زيادة أسعار الغذاء بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد نتيجة غلق الحدود البرية.

وتوقع خبراء اقتصاد وتجار حدوث ارتفاعات جديدة في أسعار الغذاء لاسيما مع ارتفاع تكلفة الشحن البري والجوي مما ينذر بموجات غلاء عاتية خلال الأشهر المقبلة مع تواصل أمد النزاع وأن هناك اتجاهاً صعودياً مطرداً في التضخم الكلي.

وقفزت تكاليف النقل 8.9% على أساس سنوي في يونيو بسبب إغلاق الحدود البحرية في دول المقاطعة أمام الناقلات والسفن القطرية. وفي الوقت الذي يسعى فيه البنك المركزي القطري إلى المحافظة على سعر صرف الريال مقابل الدولار عند 3.64 ريالات للدولار داخلياً إلا أن مصارف وشركات صرافة ووكالات للسياحة والسفر في العالم توقفت عن التعامل بالريال القطري بعد تذبذب سعره ووصوله منذ بدء الأزمة إلى 3.67 ريالات للدولار في الخارج كما سجل تراجعاً بنسبة مؤثرة أمام وحدات حقوق السحب الخاصة المصدرة من صندوق النقد .

ضعف السيولة

وأشارت وكالة «بلومبرج» إلى لجوء المقرضين في قطر إلى الأسواق الخارجية، حيث يتم تداول العملة القطرية بأسعار أقل، وهو ما يعكس، بحسب المصادر، ضعف السيولة بين المصارف في قطر.

وبحسب محللين، فإن ربط الريال بالدولار في السوق المحلية سيبقى قائماً ولكن المأزق الحقيقي سيكون أمام المصارف، التي تواجه متطلبات كبيرة لتمويل مشاريع كأس العالم 2022، خصوصاً أن نحو 25% من أصحاب الودائع لديها هم من غير المقيمين.

وبحسب بيانات أعدتها «رويترز» فإن المصارف القطرية، التي تقدر التزاماتها الخارجية بنحو 50 مليار دولار قد تحتاج إلى مزيد من المساعدة إذا تفاقمت الأزمة. وارتفعت أسعار الفائدة بين البنوك القطرية لأجل 3 أشهر أمس إلى 2.47% بحسب بيانات «بلومبرغ» وتعتبر هذه أعلى معدلات الفائدة بين البنوك القطرية منذ عام 2010 وتُقارن هذه المعدلات بنحو 1.8% في السعودية و1.55% في الإمارات.

وبحسب مصرفيين فإن البنوك القطرية لديها ما يعادل 60 مليار ريال أي 16 مليار دولار من ودائع عملاء وودائع ما بين البنوك من دول خليجية أخرى. كما أن ربع الودائع الموجودة في المصارف القطرية أجنبية بخلاف المصارف السعودية التي تبلغ نسبة الودائع الأجنبية فيها 1.2% إضافة إلى ذلك نسبة القروض للودائع النظامية في قطر تبلغ 100% وتتجاوزها في بعض الأحيان ما يخلق مخاوف من سحبها.

تراجع النمو

ووضعت وكالة «فيتش» العالمية للتصنيف الائتماني 9 بنوك قطرية على لائحة المراقبة لاحتمال تخفيض تصنيفها مجدداً وتوقعت تراجع النمو الاقتصادي في قطر في العامين الجاري والمقبل.

وشملت البنوك التي وضعتها الوكالة تحت المراقبة، بنك قطر الوطني والبنك التجاري وبنك الدوحة وبنك قطر الإسلامي وبنك الخليج التجاري وبنك قطر الإسلامي الدولي والبنك الأهلي وبنك قطر الدولي وبنك بروة، ويأتي وضع البنوك القطرية تحت المراقبة لاحتمال التخفيض بعد اتخاذ الوكالة الخطوة نفسها بشأن التصنيف السيادي لقطر في وقت سابق من الشهر الجاري.

وذكرت «فيتش» أن هذه الخطوة تعكس الغموض بشأن القطاع المصرفي القطري بعد قطع السعودية والبحرين والإمارات ومصر ودول أخرى علاقاتها الدبلوماسية واللوجستية.

وبرغم الأنباء عن محادثات لحل الأزمة، أصبح أكثر احتمالاً أن تستمر الأزمة لفترة أطول، وسوف تؤثر سلبياً في اقتصاد قطر معها وفي النهاية، فإن القدرة السيادية لقطر على دعم ومساندة البنوك القطرية تضعف، ويحتمل تخفيض تصنيف البنوك التسعة المذكورة.

ويحتمل أن تؤثر الأزمة الحالية في بعض البنوك أكثر من غيرها، برغم أن الوكالة الدولية تتوقع أن تتأثر جميع البنوك القطرية بنسب متباينة. ومن أهم توقعات «فيتش» أن يتراجع النمو الاقتصادي لقطر في العام الجاري والمقبل ما يعكس البيئة غير المواتية وتقليص الإنفاق والتركيز على الكفاءة المالية مما يؤدي في النهاية إلى تراجع نمو القطاعين العام والخاص في قطر.

منافسة عالمية

من جانب آخر تتزايد حدة المنافسة العالمية على لقب أكبر المنتجين والمصدرين للغاز، حيث تتسابق الدول خاصة أستراليا وروسيا والولايات المتحدة على إزاحة قطر عن مكانتها المتقدمة في تصدير وإنتاج الغاز المسال.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الولايات المتحدة بصدد امتلاك الطاقة الإنتاجية لتصبح ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بنهاية 2022 بعد أستراليا وقبل قطر.

وقالت الوكالة في تقريرها السنوي عن أسواق الغاز إن طاقة التصدير العالمية للغاز المسال ستصل إلى 650 مليار متر مكعب سنوياً بنهاية 2022 مقارنة بأقل من 452 مليار متر مكعب سنوياً في 2016 ومن ذلك القدر ستبلغ طاقة التصدير الأسترالية 117.8 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز المسال تليها الولايات المتحدة عند 106.7 مليارات متر مكعب سنوياً ثم قطر بواقع 104.9 مليار متر مكعب سنوياً حسبما ذكرت الوكالة. وستظل أستراليا على القمة بإضافة 30 مليار متر مكعب سنوياً بنهاية 2022 لطاقتها الإنتاجية الراهنة. لكن الولايات المتحدة التي شهدت زيادة في إنتاج الغاز الصخري ستضيف نحو 90 مليار متر مكعب لطاقتها التي تبلغ 14 مليار متر مكعب سنوياً حالياً.

وقال التقرير «بنهاية فترة توقعاتنا ستكون الولايات المتحدة في وضع يؤهلها لتحدي أستراليا وقطر على قيادة مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم». لكن التقرير ذكر أن الطاقة الإنتاجية الجديدة للغاز المسال تضاف إلى سوق وفيرة الإمدادات بالفعل بينما ينخفض الطلب في بعض البلدان الكبيرة المستوردة مثل اليابان.

ومع توقع وصول الطلب إلى 460 مليار متر مكعب سنوياً بحلول 2022 فستحوي السوق طاقة فائضة تصل إلى 190 مليار متر مكعب مما يفرض ضغوطاً على أسعار الغاز ويثبط استثمارات المنبع.وتزيد أسعار الغاز الطبيعي المسال المنخفضة حالياً صعوبة الوضع بالنسبة للمصدرين وتؤدي المنافسة لتخفيف قيود العقود الصارمة التي هيمنت على حركة التجارة البعيدة المدى.

Email