قراءة في كتاب المؤلّفة حنان أبو الضياء عن العمالة والفساد والتآمر

«قطر تشتري العالم»

ت + ت - الحجم الطبيعي

قدّمت الكاتبة حنان أبو الضياء في كتابها «قطر تشتري العالم.. مستعمرة الصهاينة في الوطن العربي»، حكايات وأسرار قطر وجهداً غير مسبوق للكشف عن حقيقة الدويلة التي تلعب دوراً سلبياً مدمراً متعمّداً بما يمكّن من القول إنها مستعمرة الصهاينة.

ويفضح الكتاب الذي يعتمد في معالجته على الحقائق والوثائق، الدور المشبوه الذي تقوم به الدويلة الصغيرة لتنفيذ مشروع برنارد لويس لتقسيم دول الشرق العربي وتحويلها إلى دويلات هشة، مسخّرة في سبيل هذا الهدف أموال ضخمة تبعثرها يمنة ويسرة فهي أداتها الوحيدة التي لا تملك غيرها لتنفيذ أجندة التخريب والفوضى.

وتكشف حقائق الكتاب أنّ ما يحدث في قطر يشبه «البارانويا السياسية»، والحقيقة المؤكدة التي لا يختلف حولها أحد، أنها بلد الانقلابات العائلية التي لا يأمن فيها الأب من ابنه، والأخ من أخيه، بل إنّ موزة زوجة الأمير السابق نفسها تآمرت على زوجها لصالح ابنها المفضل تميم، الطيع لها والأكثر خضوعاً وذراع تنظيم الإخوان، إنّها السارق الحالم بدور إقليمي معتمدة على نفوذها المالي ودعم الحركات المتطرّفة لتصل إلى سدة الحكم، مع تغذية الانقسامات السياسية والعرقية والمذهبية، لتسير على نهج جورج بوش الذي طرحه في خطابه الشهير حول «مشروع الشرق الأوسط الكبير» متستراً تحت شعار: «تطوير الديمقراطية في العالم العربي».

تشير مؤلفة الكتاب حنان أبوالضياء في الفصل الأول «تمتلك العالم بفلوسها.. ولا عزاء للحضارة»، إلى السعار القطري الهستيري لتلفيق حضارة لا تملك منها شيئاً، فهي تعرض الملايين لشراء منزل المفكر المصري الكبير عباس محمود العقاد، وتدفع مئة مليون للاستحواذ على قصر السياسي المصري البارز فؤاد سراج الدين في غاردن سيتي، مضيفة: «ومن المعروف أن قطر أصبحت أكبر مشتر للتحف الفنية في العالم، بعد موجة إنفاق ضخمة للعائلة المالكة لتعزيز محفظتها الثقافية قبل مونديال 2022».

يقارن الكثيرون بين ما تقوم به قطر من تغلغل في مختلف دول العالم بما قام به الصهاينة، الذين استخدموا قوتهم المالية والإعلامية لتحقيق أحلامهم. ولا يتعدى العالم بنظر قطر «سوبر ماركت»، يمكن شراء كل شيء فيه، وتستثمر فيه عائدات الغاز الطائلة في كل المجالات، من الصناعات الثقيلة والتحويلية إلى دور الأزياء الشهيرة وفرق كرة القدم الكبرى!.

وترتكز الاستراتيجية الاقتصادية لقطر وفق ما تشير الكاتبة على سياسة تنويع مصادر الدخل، عن طريق فتح استثمارات جديدة في البلدان التي تعاني من عدم استقرار اقتصادي مثل دول الاتحاد الأوروبي، ودول الربيع العربي، لافتة إلى أنّ الخبرة السياسية الضئيلة، لا يمكن أن تؤهلها للدور الذي تلعبه، أو تحاول أن تلعبه في العالم، لكن كلمة السر هي المال الذي يفتح الأبواب ويغلق العقول.

ثلاثي الشر

ويمضي الكتاب إلى تبيان أنّ التحالف الثلاثي بين قطر وتركيا وجماعة الإخوان، لا يصب بطبيعة الحال في خدمة المصالح العربية، ولم تعد المسألة بحاجة لمزيد من الدلائل، لتكشف عن أنّ تركيا وقطر تعملان بكل السبل لمحاربة أي حل سياسي للصراع السوري، وأنهما على استعداد لاستخدام تنظيم القاعدة بأفرعه وتسمياته المختلفة لعرقلة الحل الذي تعتبرانه الضربة الأخيرة لمشروعهما الخاص، إنه محور الشر بين رجب طيب وتابعه الأمير تميم بن حمد، لقد شكلت قطر الداعم المالي الرئيسي لأنظمة الحكم الجديدة في القاهرة وتونس إبّان الوجود الإخواني في سدة الحكم، ووفرت وفق مسؤولين قطريين مليارات الدولارات من المساعدات للرئيس الإخواني محمد مرسي.

وتلفت الكاتبة إلى أنّ قطر لا تملك مقومات الدولة المحاربة، لكنها تملك المال، وهذا المنطق في الإنفاق لا يجعل قطر دولة بقدر ما يجعلها بنكاً، والبنوك لا تلعب أدواراً سياسية بطبيعة الحال، إلّا أنّ الدوحة أرادت أن يكون لها هذا الدور، متوهمة أنّها دولة عظمى تطبق دبلوماسية الشيكات والحقائب المليئة بالنقود!.

كراهية مصر

يتوقف الفصل السابع في كتاب حنان أبوالضياء، الذي يحمل عنوان «العملاقة والقزمة.. مصر وقطر» أمام عدد من الوثائق التي تبرهن على عمق الكراهية القطرية لمصر، ولعل أهم هذه الوثائق ما تم تسريبه من خلال موقع «ويكليكس» حيث تأكيد رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم لإسرائيل أنّ الدوحة تتبنى خطة لضرب استقرار مصر بعنف بإشعال الفوضى عن طريق قناة الجزيرة.

مع وصول الإخوان إلى السلطة أصبحت الدولة القزم بأموالها عملاقاً أمام مصر التي ابتليت بالسرطان الإخواني، لذلك وعندما شفيت مصر من الطاعون العابر المؤقت جن جنون حكام قطر وكانت الدويلة الصغيرة قاب قوسين أو أدنى من احتلال العملاق اقتصادياً، وقدمت «الفاينانشيال تايمز» مقالاً مطولاً تشرح فيه تأثير إزاحة مرسي على السياسة الخارجية القطرية، وترى في ذلك التحول ضربة موجعة للرهان القطري على الإخوان.

لقد تبلورت ملامح التحالف الاستراتيجي بين قطر والإخوان المسلمين في ظل ما يسمى «الربيع العربي» حيث دعمت قطر مالياً وإعلامياً ما تسمى حركات الإسلام السياسي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن ثم سوريا كما قامت الجزيرة بتوثيق وتغطية نشاط الحركات الاحتجاجية في بلدان الربيع العربي. وتصف الكاتبة والشاعرة الفرنسية أدريانا إيفا نجليتا حمد بن خليفة بالشيطان وتتهمه بخيانة العرب والسلام وعلى حد تعبيرها.

مضيفة: «يجب أن نرى ما فعل في ليبيا وما يستمر بالقيام به في سوريا» ثم تتساءل: «كيف يمكن له أن يكون غير ذلك خاصة عندما نعلم أنه يزور إسرائيل بشكل سرّي للتنسيق مع قادتها، وأنّ قناة الجزيرة لم تبث أي مقطع فيديو يظهر زياراته إلى إسرائيل لأنّها تفضل أن تبث معلومات كاذبة حول ما يجري في سوريا، لدفع العالم للاعتقاد بأنّ الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون الذين تمولهم قطر من عمل الحكومة السورية، ولكن الإسرائيليين أنفسهم نشروا ذلك المقطع بدلاً منها لأنه من الواضح أن الصهاينة لا يعرفون الاحتفاظ بالسر»!.

الخزينة التي لم يفتحها أحد

يكشف كتاب «قطر.. أسرار الخزينة التي لم يفتحها أحد» من خلال تقارير المخابرات الفرنسية التي حصل عليها المؤلفان كريستيان تشينو وجورة مالبونو عن أنّ تمويل قطر للإخوان والجماعات الإسلامية كان مثار قلق المسؤولين الفرنسيين الذين دخلوا في مواجهة أكثر من مرة مع القطريين بسببها.

وينقل الكتاب تفاصيل مقابلة جرت بين أحد الوزراء الاشتراكيين الجدد في الحكومة الفرنسية ومحمد الكواري السفير القطري في باريس قال فيها الوزير الفرنسي للسفير: «نحن لدينا مشكلة مع قطر نريد أن نعرف كيف تفكرون بالضبط ما سياستكم؟.. أنتم تقدمون التمويل للمتطرّفين وتمويلكم للإخوان في تونس بالتحديد يثير قلقنا».

وفي كتابه «نهاية القذافي» يقف وزير الخارجية الليبي الأسبق وممثل ليبيا في الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم عند الدور القذر الذي لعبته قطر في محاولتها مصادرة إرادة الشعب الليبي والتدخل في شؤون ليبيا الداخلية بغية تحقيق حلم أمير قطر السابق حمد بن خليفة بتزعم اتحاد إسلامي في شمال إفريقيا.

جاء قرار قطر بالمشاركة في التدخل الدولي من خلال «الناتو» في ليبيا وأحياناً من وراء الستار بمثابة تحول في السياسة القطرية التي كثيراً ما اعتمدت على دبلوماسية الوساطة ومحاولة الظهور بمظهر الوسيط المحايد بين أطراف النزاعات المختلفة.

وقدمت قطر لـ«الثوار» دعماً مادياً ومعنوياً كبيراً من خلال إمدادات السلاح والتدريب وإغداق الأموال وتغطية قناة الجزيرة التي سلطت الضوء على الممارسات الوحشية لنظام القذافي كما كانت قطر من أولى الدول التي اعترفت بالمجلس الانتقالي الوطني واستضافت أول مؤتمر دولي لإعادة إعمار ليبيا بعد مقتل العقيد معمر القذافي.

في علم الاجتماع: النفوذ أو السلطة يعني امتلاك قوة ضخمة نسيج العلاقات الاجتماعية تمكن المرء من تنفيذ رغبته دون نظر إلى مدى شرعيتها ومطابقتها للقوانين والأعراف الاجتماعية وفي هذا الإطار تلعب قناة الجزيرة دوراً قذراً فهي تمكن قطر في التأثير على الأوضاع الداخلية في أنظمة معينة بتصعيد الحملات التحريضية، وبالنسبة لامتلاك النفوذ لدى القطريين فإنها عملية يمتزج فيها المال بالقدرة على التنفيذ والتخطيط بالمساندة الإعلامية، ويمكن فهم ذلك بالنظر إلى طبيعة العلاقة التي تجمعهم بتنظيم الإخوان المسلمين.

قناة الجزيرة

قناة الجزيرة ذات تاريخ طويل حافل في ساحة الكذب والتضليل والعمالة، فهي تتبع شكلاً وموضوعاً إسرائيل. وقد كشف الكاتب الفرنسي تيري ميسان عن أنّ القناة قد تأسست بمعرفة فرنسييْن يحملان الجنسية الإسرائيلية دافيد وجان فريدمان استعانا بقطر من أجل إظهار محطتهما هذه على أنها قناة عربية.

ولفت الكاتب الفرنسي في مقاله إلى أنّ قطر قامت بتمويل القناة من خلال قرض وصل إلى 150 مليون دولار على مدى خمس سنوات، إضافة إلى دفعة مقدمة من الأخوين فريدمان قبل أن تصبح قطر في وقت لاحق هي الممول الوحيد للقناة.

لقد لعبت الجزيرة دوراً مهماً لا يستهان به في وصول جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية إلى الحكم في المنطقة العربية ومصر تحديداً بداية من المكالمة الهاتفية التي أجراها السجين الهارب محمد مرسي مع القناة عند هروبه بهاتف الثريا.

وقد تم إجراء هذه المكالمة لحماية الإخوان الهاربين من السجن في حالة فشل الثورة ولذلك قام محمد مرسي بإعلان أسماء كل الهاربين معه من الإخوان والطريف أن تلك المكالمة قد انقلبت عليه وأصبحت وثيقة ضده!.

فضيحة كأس العالم

لا شك أن العالم قد ضرب أخماساً في أسداس ونزل عليه خبر فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022 كالصاعقة وأسباب الدهشة عديدة. بعد وقت قليل من إعلان الخبر المثير بات واضحاً أن «دفتر الشيكات» قد لعب دوره باقتدار وكفاءة، إذ تشير صحيفة «الإندبندنت» البريطانية إلى المناخ العام المصاحب لفوز قطر عندما تكتب: «رغم تصاعد الأصوات المطالبة بتغيير موعد أو موقع بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر عام 2022 فإن ذلك أمر مستبعد رغم وجود سوابق تاريخية له».

وتضيف الصحيفة: «القضية لا علاقة لها بكرة القدم لكنه التحالف المشبوه خلف الكواليس منذ عام 2010 لمنح حق تنظيم البطولة لقطر في 2022». وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم قد اتخذ هذا القرار ضارباً عرض الحائط بنصائح فريق التفتيش الذي أكد في تقريره أنّ إقامة مباريات كأس العالم في قطر محفوف بالمخاطر.

وتابعت الصحيفة أن صفقة الفيفا مع قطر تفوح منها رائحة الفساد والرشوة والمخالفات المالية الجسيمة. وقالت إن رئيس الاتحاد سيب بلاتر قد فشل في أن يوضح على نحو مقنع السبب في منح قطر حق التنظيم. لا عيب أن تكون قطر دويلة صغيرة ثرية لكن الكارثة هي الإصرار على القيام بدور لا تملك مؤهلاته على الساحتين الإقليمية والدولية ولا سلاح لها إلا دفتر الشيكات.

Email