«الإخوان» أصل الأزمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل اليوم الاثنين التوقيت الذي انتهت فيه مهلة الأيام العشرة التي منحتها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر للامتثال لمطالبها الـ13، ولكن على الرغم من جهود الوساطة الأميركية والكويتية رفيعة المستوى، يبدو التوصل إلى اتفاق ما أمراً غير مرجح.

إذ يرى الكاتب إيريك تراغير أن «جماعة الإخوان المسلمين هي أساس الأزمة القطرية»، وذلك عنوان مقاله المنشور بصحيفة «ذي أتلانتك» الذي يشير فيه إلى أن الخلافات السياسية في قلب هذا الصدع لا تعتبر جديدة، وقد رأت الكتلة المقاطعة للشقيقة الصغيرة، أن الدوحة، ومنذ فترة طويلة، تسلك مساراً شاذاً بأجنداتها مع إيران، كما أنها لا تدخر جهداً في إثارة الاستفزاز بدعمها قناة الجزيرة، فضلاً عن كونها داعمة للحركات المتطرفة.

بيد أن الأمر الجديد الذي تدركه الدول المقاطعة لقطر في المواجهة الحالية هي الحصص الصفرية، أو بمعنى آخر الحالة التي يكون فيها ربح أو خسارة طرف ما، أمراً مساوياً بالضبط لمجموع الخسائر أو المكاسب للأطراف الأخرى جميعاً، إلى جانب رؤية دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين، كتهديد قاتل لأنظمة دول المنطقة، وبالتالي فإن سلوك قطر ليس مرفوضاً وحسب ولكنه لا يطاق البتة.

في حين أن جملة مطالب البلدان تتناول طيفاً من المسائل، إلا أن الغالبية الساحقة منها يلقي الضوء على القلق بشأن علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين، ويعكس رغبة تلك الدول في الإمعان فيما تعتبره تهديداً وجودياً.

موجة سياسية

وبمعنى ما، شعرت دول الخليج بالقلق على استقرارها على المدى الطويل منذ أواخر عام 2010، لكن سرعان ما انحدر ما يسمى بـ «الربيع العربي» لسلسلة من الصراعات المريرة على السلطة. وفي أشد الحالات فتكا، اندلعت حروب أهلية في سوريا وليبيا، حيث ردت الأنظمة بوحشية على الاحتجاجات، مما أثار الصراعات التي قتل فيها مئات الآلاف وتشريد الملايين.

من الناحية السياسية، لمع نجم جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب تلك الانتفاضات، لترسم قطر مساراً مستقلاً يؤيد وبقوة تلك الجماعة، وهو قرار يعكس ميول الدوحة الأيديولوجية، ليتبدى للعيان قُرب الأمير القطري من المرشد الروحي للإخوان، يوسف القرضاوي، الذي يستقر في قطر منذ عام 1961، علماً بأن قناة الجزيرة وفرت منصة للقرضاوي وأمثاله من الإخوان لتعزيز إيديولوجية الجماعة الثيوقراطية. ولا تتوقف المسألة عند ذلك، لتعكس لنا اعتبارات الدوحة الاستراتيجية، فمع ظفر جماعة الإخوان بالانتخابات في مصر وتونس، ظهرت في ثوب «الموجة السياسية للمستقبل». وبالمقابل، لم يشكل الإخوان المسلمون أي خطر داخلي على النظام القطري، لأن الدوحة عمدت مسبقاً لتفكيك الفرع المحلي للجماعة عام 1999.

إلا أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة رأت أن ظهور جماعة الإخوان المسلمين يشكل تهديداً خطيراً.

وتسعى جماعة الإخوان لإيجاد «دولة إسلامية عالمية» تحت سيطرتها، مما يعني إسقاط الحكومات التي لا تخضع لحكمها. وهو الأمر الذي أثار خشية الحكومات الخليجية المستقرة، وذلك بأن يؤدي نجاح الإخوان في مصر وتونس وما وراءها لتنشيط جماعات الإخوان في بلدانها.

تهدئة

في البداية، حاول زعيم الإخوان المسلمين محمد مرسي تهدئة المخاوف الخليجية حينها من خلال زيارة الرياض بعد وقت قصير من فوزه في الانتخابات الرئاسية المصرية في يونيو 2012، ومن جهتها، حاولت دولة الإمارات الانخراط في الحوار مع مرسي بدعوته إلى أبوظبي. بيد أن انتقادات قادة الجماعة، وبشكل مستمر، لدولة الإمارات، لا سيما فيما يتعلق بمحاكمة جماعة الإصلاح في عام 2013، الأمر الذي استدعى تفاقم المخاوف السعودية والإماراتية بشأن نوايا الإخوان الطويلة الأجل. وفي يوليو 2013، استجاب الجيش المصري للاحتجاجات الجماهيرية بإطاحة مرسي.

إكرام اللئيم

ولكن كما يقال «إن أنت أكرمت اللئيم تمردا»، وعلى الرغم من التهديد الخطر الذي ناله أشقاؤها في دول مجلس التعاون الخليجي من الإخوان، واصلت قطر رسم مسار مؤيد للجماعة، لتكون قطر ملاذاً لبعض قادة الإخوان الذين هربوا من مصر، كما رتبت قناة الجزيرة لاستضافة قيادات الجماعة في فندق من فئة خمس نجوم، مع منحهم أوقاتاً للبث لدعم أجنداتهم. وردا على ذلك سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من الدوحة في مارس 2014 لانتهاك قطر مبادئ مهمة لمجلس التعاون بعد تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وسرعان ما تم حل الخلاف بعد شهرين، وغادر قادة الإخوان المصريون الدوحة في وقت لاحق من العام ذاته.

ولكن قطر لم تلب أبدا اتفاقية عام 2014، واستمرت في أن تكون حلقة وصل بين شبكات الإخوان الإقليمية. كما أن قطر لا تزال قطر تؤوي قيادة حماس، التي تعرف منذ فترة طويلة بأنها الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين وهي منظمة مصنفة إرهابياً من قبل الولايات المتحدة.

(على الرغم من ابتعاد حماس مؤخرا عن جماعة الإخوان الدولية، إلا أن زعيمها أكد، ومن على أرض الدوحة، بأنه لا يزال جزءا من «المدرسة الفكرية» للإخوان). وعلاوة على ذلك، تواصل قناة الجزيرة تعزيز أصوات الجماعة، وتمول المراكز الفكرية لتأييد الإخوان. لذا يجب ألا يكون مفاجئا من أن محور أزمة الخليج يكمن في قلق الحكومات الخليجية من جماعة الإخوان المسلمين.

ويتساءل الكاتب في ختام مقالته: ماذا ستفعل السعودية والإمارات والبحرين ومصر فعلاً إذا لم تنصع قطر للمطالب؟ سيتم فرض عقوبات على قطر.

Email