سوريا تهددها صراعات الفصائل بالتقسيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلطت الميليشيات على الأرض السورية أوراق الصراع في هذا البلد الغارق في حرب أهلية طاحنة وتتهدده مخططات التقسيم. اختلط «الحابل بالنابل» .

كما يقال، حتى ارتكزت فيما بعد استراتيجية النظام على هذه القوى المنفلتة، وفي أواخر العام الماضي 2016 أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، تشكيل فيلق جديد من المقاتلين المتطوعين، باسم «الفيلق الخامس اقتحام»، بهدف «القضاء على الإرهاب».

وقد علق العديد من المراقبين العسكريين أن النظام بهذا القرار يريد تحييد القوى العسكرية النظامية المتمثلة بالجيش السوري، وفتح الساحة على مصراعيها لنمو الميليشيات التي يصعب السيطرة عليها في حال التوصل إلى حل سياسي محتمل.

وبالفعل أصبحت هذه الميليشيات عائقاً أمام الحل السياسي، حتى أنها أصبحت مصدر قلق وخطر على المستوى السوري والإقليمي، وستكون في المستقبل القريب أكبر المخاطر على الاستقرار السوري.. بل أنها أصبحت تحمل مشاريع دولة على الأرض السورية، فمشهد الرايات على جبهات القتال يدل أن هناك أمما تحارب على الأرض السورية.

ارتزاق

ويرى الباحث في الشأن السوري حسن حسن أن الصراعات من هذا النوع تأخذ حيزاً زمنياً واسعاً، ذلك أن هذه الميليشيات تحوّلت من قوى محاربة إلى حالة ارتزاق، إذ إنها تقتات على الفوضى وانعدام الأمن. وأضاف في تصريح لـ«البيان» أن النظام في بعض الأحيان، يوظف هذه الميليشيات من أجل تخويف المجتمع السوري.

وكذلك إرسال رسائل سياسية على أنه البديل عن هذه الفوضى، إلا أنه لم يعد قادراً على ضبط هذه الميليشيات، بل إنها أصبحت قوة موازية للجيش النظامي.

ويقول المحلل العسكري العقيد أحمد رحال لـ «البيان»، إن النظام لم يعد قادراً على السيطرة على القطاعات العسكرية في هذه الحرب، ذلك أن الصراع الأهلي في سوريا ليس حرباً نظامية، وإنما قتال وانتقام وتصفيات وهذا النوع من الحروب يتطلب قوى متطرفة.

وأضاف أن النظام اعتمد في الآونة الأخيرة على الميليشيات العراقية والأفغانية، التي جاءت براياتها وأيديولوجيتها إلى الأرض السورية لتشكل دويلات على طريقتها الخاصة، لافتاً إلى أن هذه الميليشيات أصبحت تعيش في دولتها الخاصة وتحمل مفاهيمها في الجغرافية التي تسيطر عليها.

فصائل

على الجانب الآخر من فصائل المعارضة، ثمّة مشهد يشابه مشهد مناطق النظام رغم الاختلافات في المنهج والفكر، فعلى سبيل المثال في منطقة لا تتجاوز 500 كيلو متر مربع في الشمال السوري هناك أكثر من 22 فصيلاً معارضاً يرفعون رايات مختلفة، وكل هذه القوى تفرّخت من رحم الجيش السوري الحر.

هذه القوى المختلفة أيضاً لها مرجعيات مختلفة ومصادر تمويل مختلفة، رغم أنها تقاتل من أجل هدف واحد وهو إسقاط النظام، لكن هذا الهدف الكبير لم يتمكن من توحيد هذه الفصائل المتناثرة على الأرض السورية.

وقال فؤاد عليكو عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لـ «البيان»، إنه حين قرر الائتلاف جمع الفصائل تحت مظلة المجلس العسكري الموحد في العام 2015 تقدم أكثر من 1883 فصيلاً سورياً معارضاً للانضمام تحت راية المجلس العسكري.

وأضاف عليكو ان هذا العدد المهول من الفصائل يقتصر فقط على الفصائل التي تعمل تحت راية الجيش السوري الحر، لافتاً إلى أن مثل هذا العدد الكبير من الفصائل لا يمكن أن يتفق على هدف واحد، مؤكداً أن الاختلافات بين الدول الداعمة أثّرت على المشهد العسكري السوري.

مساعدات

هذه الفصائل لا تصنف على أنها إرهابية، سواء من طرف المعارضة أو النظام وهي في غالبها تتلقى مساعدات عسكرية من القوى الإقليمية والدولية، فبينما تدعم روسيا وإيران ميليشياتهما التي تعمل تحت راية النظام، وثمة دول تدعم الفصائل الأخرى.

وعلى سبيل المثال تدعم الولايات المتحدة الأميركية على عكس ما يشاع 3 فصائل رئيسة في الجيش الحر، وهي تعمل في درع الفرات، منها لواء المعتصم، الحمزة، واللواء 15 (بنتاغون).

ويقول العميد أسعد الزعبي في تعليق على ظاهرة الانشطار الفصائلية، لا يمكن بعد مرور 6 سنوات السيطرة على هذه الفصائل، خصوصاً وأن القوى المدنية تغلبت في معظم الأحيان على القوى العسكرية المنشقة وباتت هي اللاعب الرئيسي في الصراع.

وأضاف أن أكبر خطر على الصراع السوري وعلى الثورة السورية على وجه التحديد، هو انفراد المدنيين بالقرار العسكري، إلى درجة أن الرتب العسكرية باتت تحت إمرة المدنيين، وهذا يعود للعامل المادي والدول الداعمة التي قوّت هذه القوى على حساب العسكر.

أما القوى المتطرفة الأخرى، فلها أرض مخصصة في سوريا، ففي مدينة إدلب على سبيل المثال تجتمع كل القوى المصنفة دولياً أنها متطرفة، أنشأت لها بيئة خاصة بعيداً عن كل الفصائل. هناك تنظيم القاعدة في إدلب وكذلك «أحرار الشام» وهما تنتميان فكرياً إلى نفس المرجع الفكري، ولا تخفيان دعمهما لجبهة النصرة الإرهابية، وهذه الفصائل ذاتها تنتشر في الغوطة قريباً من العاصمة دمشق، والقلمون قرب الحدود اللبنانية.

تأخّر الحسم

ويرجع المقدم عبدالمنعم نعسان في تصريح لـ «البيان» سبب تأخر الحسم في سوريا إلى تشرذم هذه القوى والانقسامات الخطيرة التي اعترت الجيش السوري الحر، معتبراً أن غياب التنظيم وقلة الخبرة العسكرية لدى البعض حرفا الثورة إلى مسار آخر. وأقر أن فشل الجيش الحر، كان نتيجة منطقية لعدم العمل على أساس المؤسسات.

لافتاً إلى أن الفصائل اليوم تدفع ثمن فوضاها وغياب الرؤية الاستراتيجية منذ بداية الصراع.

وينضم إلى هذه الفصائل والقوى العسكرية أيضاً مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية في مناطق (الجزيرة- عين العرب- عفرين) والتي أثبتت نفسها في حربها ضد داعش، لذا انتدبتها الولايات المتحدة الأميركية كوكيل عسكري في مناطقها وربما مناطق أخرى.

ويتداول المقاتلون في الفصائل المعارضة، أنهم أصبحوا بلد المليون فصيل، ورغم إدراكهم خطورة الأمر إلا أن المسألة أصبحت بيد القوى الدولية والإقليمية، التي خرج منها السوريون منذ العام الثاني من الصراع.

مشهد

ولعل هذا المشهد الميليشاوي بالمعنى العلمي للكلمة، بعيداً عن الانفعالات والتسميات الاصطلاحية، يشكل حالة من الرعب والخوف على مستقبل الدولة والمجتمع السوري. حتى أن مجرد التفكير بنزع السلاح سيفجر صراعات لا تنتهي على المستوياتW كافة.

الحديث عن الحل السياسي اليوم يرافقه التخلص من كل القوى المتطرفة على الأرض، وبالتالي ستكون سوريا أرض التصفيات للقوى المنفلتة والأيديولوجية من كل الأطراف.. ولعل هذه هي الحقيقة الثابتة في الأزمة السورية.

اللافت أن الكثير من القوى المتصارعة ترفض في هذا الصراع مفهوم التقسيم، إلا أنها لا تدري أنها تمارس التقسيم وإن بالمفهوم العسكري، إذ إن بقاء الحال على ما هي عليه يعمق مفهوم التقسيم.

Email