جدل بشأن جدواه ومخاوف من التقسيم

«سور بغداد».. وسائل بدائية لمواجهة التحديات الأمنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«سور بغداد» عبارة أشعلت الشارع العراقي وأعادته حقباً إلى الوراء انقسم الناس بين مؤيد لها لاعتبارات الضرورة الأمنية ومعارض يرى فيها بادرة لتقسيم المجتمع العراقي إلى «كانتونات» جغرافية غير متصلة ببعضها البعض وليست ذات جدوى أمنية.

فيما وصفه آخرون بأنه سيجعل من العاصمة «سجناً كبيراً»، لاسيما وأن فكرة «السور» و«الخندق» حول مدينة بغداد، مازال يكتنفها الكثير من الغموض.

حيث أعيد طرحها بشكل مفاجئ، وتم الإعلان عن المباشرة بتنفيذها فوراً، فيما كان هذا المشروع قد أعلن عنه في سنوات سابقة، ولم يرَ النور لصعوبة تنفيذه، وتداخل المحافظات المجاورة، وكذلك جغرافية الأرض المعروفة بصعوبتها، وكثرة المسطحات المائية والمزارع والبساتين.

وكشفت مصادر في قيادة عمليات بغداد، عن المباشرة بإنشاء السور بالتوازي مع حفر خندق دائري حول المدينة، بعمق مترين وعرض 3 أمتار، إلى جانب طريق دائرية، وإقامة أبراج مراقبة، ونظام إلكتروني للاستشعار، مشيرة إلى أن الخطوة تهدف إلى «منع إرهابيي داعش من التسلل بسهولة إلى داخل المدينة لتنفيذ عمليات انتحارية أو تفجيرات».

استغراب

لكن المتابعين للشأن العراقي يبدون استغرابهم من هذه الفكرة، ويضربون مثلاً على ذلك حادثة تفجير الكرادة في يوليو من العام الماضي، التي تعد من أكثر التفجيرات دموية في العاصمة بغداد، وراح ضحيتها المئات من القتلى «المتفحمين» والجرحى، والتي لم يكشف عن لغزها إلى الآن، سوى القول أن السيارة المفخخة كانت قادمة من محافظة ديالى المجاورة «التي تسيطر الميليشيات على معظم محاورها».

وعند الرجوع إلى كاميرات المراقبة، تبيّن أن السيارة خضعت للتفتيش اليدوي وبالكلاب البوليسية في سيطرة ديالى، ولم يكن فيها أثر لأية مواد متفجرة.

رصد ميداني

وتقود عملية تفجير الكرادة، والكثير غيرها، إلى عدم جدوى جدران وأسوار العزل بين مناطق بغداد، وأن تسوير العاصمة ككل، يمكن اختراقه، ما دامت الأسوار لا تحمي المناطق الصغيرة، إضافة إلى تحديث أساليب التفخيخ والتفجير، ومن ذلك استخدام الطائرات المسيرة من دون طيار، وكذلك استخدام «الفساد المستشري»، عابر الأسوار والمدن.

ورصدت «البيان» خلال الأسبوع الجاري، آلاف الشاحنات، التي تتكدس قرب أو بين نقاط السيطرة، في آن واحد، على الطريق بين كركوك وبغداد، ذهاباً وإياباً، والمحملة بمـــــختلف أنواع البضائع، مما يجعل الــسير بالغ الصعوبة والخطورة.

ويؤكد الناطق باسم مجلس محافظة بغداد، فاضل الشويلي، أن المشروع الذي انطلق «الجيش» في تنفيذه قديم، ويعود إلى فترة طويلة، وأن نجاحه كان ولا يزال محل شكوك، حيث يستحيل عملياً عزل بغداد عن بقية البلاد، ولكن «الجيش أحيا المشروع بشكل منفرد، حتى إنه لم يكلف نفسه مخاطبة مجلس المحافظة لإحاطته علماً بالمشروع».

ويبدو كلام الشويلي منطقياً وغير منطقي، لأن الجيش يفتقر إلى القيادة الموحدة، فيما ينأى القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء حيدر العبادي بنفسه عن الموضوع، ويقول، إن «بغداد عاصمة جميع العراقيين، ولا يمكن لسور أو جدار أن يعزلها».

«سجن كبير»

وأثار مشروع السور انتقادات من قبل بعض الكتل والسياسيين العراقيين، في حين أشارت جهات حكومية وأمنية إلى أنه «لحماية العاصمة بغداد من أي هجمات إرهابية، وأن قيادة عمليات بغداد باشرت فعلياً بإنشاء سور وخندق حول العاصمة بغداد، لحمايتها من عمليات التسلل ومنع دخول السيارات المفخخة.

بدوره، يصف النائب عن «اتحاد القوى» رعد الدهلكي سور بغداد الأمني بـ«السجن الكبير»، وأنه جاء لـ«رسم خريطة»، كونه يمتد إلى مناطق تابعة ل‍محافظة الأنبار. ويقول الدهلكي إن سور بغداد غامض ولا يختلف عن رمي أهالي العاصمة في سجن كبير للحفاظ على أرواحهم.

تراجع خطط

قال عضو هيئة النقابة الوطنية عدنان حسين للصحافيين، إن الخنادق والأسوار «كانت جزءاً حيوياً من الاستراتيجيات الدفاعية للإمبراطوريات والممالك القديمة، لمنع تقدّم القوات المعادية الغازية إلى داخل العواصم والمدن الرئيسة والاستيلاء عليها، بيد أن ذلك العنصر الدفاعي سقط في القرون الحديثة، ولم تعد له قيمة تُذكر».

Email